يوحنا العاشر: كفانا تصريحات مزيّفة تدعو لاستقبال المسيحيين
أكّد بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي أنّ «بلادنا تكتنف نزاعات عبثية أتت لتفتت مجتمعاتنا وتقضي على ما فيها من دفء، وتأنٍّ، وتطلعات».
وقال في كلمة ألقاها في مؤتمر «سبل السلام» لأخوية «سانت إجيديو»، خلال جولته في ألمانيا: «عنف لم تشهد له منطقتنا مثيلاً، ولا حتّى في «عصور الظلمة». حروب دخيلة تنفذها جماعات دينية متطرفة، لا صلة لها بالدين كما تعرفه بلادنا، بل هي تعبير عن نزعات راديكالية تفتقر إلى الحد الأدنى من الإنسانية والوعي والضمير».
وتابع: «لا يسعني أن أفهم كيف أنّ المجتمع الدولي يتناسى قضية المطرانين يوحنا إبراهيم وبولس يازجي والآباء الكهنة المخطوفين منذ أكثر من أربعة أعوام. ولا كيف يقف ساسة العالم مكتوفي الأيدي، أمام مشاهد العنف، فلا يعطون الأولوية إلا للمصالح الاقتصادية الجيوسياسية التي تخدم رؤى ضيقة غير إنسانية. يمكنون حصارهم على شعب جائع ويفتحون أمامه باتساعٍ سوق سلاحهم. ألم تثبت الخبرة أن العنف التكفيري لا ينحصر في بقعة جغرافية ولا يستهدف شعوب المشرق وكنائسها من دون سواها، بل يمتدّ ليطاول كل زاوية في العالم؟».
وقال: «على الرغم من هذا الألم، تسعى كنيستنا الأنطاكية إلى فتح باب الحوار على إخوتها المسيحيين وغير المسيحيين، وإلى المبادرة على الدوام لملاقاة الآخر واحتضانه. نحن شعب سعى عبر تاريخه إلى تفادي الحروب ولغة السلاح، إذ شهد عبر العصور أن منطق المواجهات العنفية لا يؤدي سوى إلى الدمار والتشتت والضياع وتعميق جروح الحقد والعداوة، لا إلى بناء الأوطان والديمقراطيات والحريات».
أضاف: «يبحث مسيحيو شرقنا اليوم عمن يسمع هتافهم، فلا يجدون. نحن في بلادنا دعاة سلام ومصالحة. وقد قلنا وما زلنا نردد، إننا لا نستجدي شفقة الأقوياء في هذا العالم، بل نرفع الصوت نحوهم هاتفين: كفانا تصريحات مزيفة تدعو لاستقبال المسيحيين. إن ّخير ما يفعله العالم في مشرقنا هو نشر ثقافة الحوار ومحو ثقافة السيف. اقطعوا عن بلادنا يد الإرهاب، وأوقفوا سيل السلاح، وردوا سفنكم إلى موانئها. نحن لا نُحمى بسفن الحرب ولا بسفن التهجير. نحن نحمى بغرس السلام في ربوعنا. نحن مغروسون ههنا، على امتداد المشرق، منذ ألفي عام. هنا ولدنا، وهنا عشنا ونعيش، وهنا سوف نموت».
وأشار إلى أنّ «الإنسانية اليوم في مخاض، وهي بحاجة ماسة إلى حوار وتلاقٍ أصيلين يتخطّيان حواجز السياسات الضيقة وخطاياها، وإلى مقاربة سياسية إنسانية قائمة على المصالحة والوفاق، تطرح عنها الإيديولوجيات الجامدة، والقناعات المسبقة، لكي تكسر حواجز التاريخ وأقنعته وعقده». وشدّد على «أننا اليوم مدعوون لأن نلتقي ونتضامن لكي نقدم معاً للعالم نموذجاً حقيقياً للسلام في العلاقات والمفاهيم ومناهج التعامل. بهذا نمنح السلام للناس ونشهد أن السلام الحقيقي الذي يسكن قلب الإنسان، فرداً وجماعات، هو وحده قادر أن يُشفي كل جرح في الذاكرة التاريخية وفي العلائق بين البشر».