لنرمّم أنفسنا يا زهَّار… قبل أن ندعو سورية لترمّم نفسها

راسم عبيدات ـ القدس المحتلة

في المقابلة التي بثتها فضائية «الميادين» في 5/9/2017 من على شاشتها مع عضو المكتب السياسي لحركة حماس القائد محمود الزهار، بشأن العلاقة مع سورية، قال بأنّ سورية بحاجة لكي ترمّم نفسها وأوضاعها، قبل الحديث عن ترميم العلاقة معها، وأنا هنا في هذه المقالة أقول كما يقول المأثور الشعبي «اللي بيته من زجاج ما بيرمي حجار على بيوت الناس»، ولن أخوض مطوّلاً في الخلاف الحمساوي – السوري، فلعلّه بعد استقرار الأوضاع في سورية، وتنظيفها من العصابات الإرهابية واستعادتها لعافيتها ودورها ومكانتها، يمتلك الزهار وغيره من قادة حماس الجرأة في انتقاد أنفسهم، ومراجعة مواقفهم، والاعتراف بأخطائهم في ما يخصّ العلاقة مع سورية على وجه التحديد، كما امتلكت كتائب القسام الجرأة وقالت بأنّ إيران هي الداعم الرئيسي مالياً وعسكرياً لحركة حماس، والعلاقة معها فوق ممتازة في وقت كانت فيه قيادة الحركة تنكر وتتنكّر لذلك، وظهر ذلك جلياً في رسائل الشكر والبيانات التي صدرت عن حركة حماس بعد الحرب العدوانية التي شنّتها «إسرائيل» على قطاع غزة في تموز 2014، حيث وجهت الحركة شكرها للمحور الذي انتقلت إليه، وهذا المحور هو الذي يتآمر عليها الآن، ويصفها بأنها حركة إرهابية، ولم تأت الحركة حينها على ذكر إيران لا من قريب ولا من بعيد كداعم لحماس عسكرياً ومالياً.

لست هنا بصدد تشريح مواقف الحركة وعلاقتها بمحور المقاومة، بل ما يهمّني هو قضية ترميم الأوضاع، فالترميم الفلسطيني حاجة ملحة وضرورية، وتقع المسؤولية الكبرى فيها على طرفي الإنقسام فتح وحماس ، وحتى هذه اللحظة رغم كلّ اللقاءات والاتفاقيات والمبادرات، لم ننجح بترميم العلاقة بين فتح وحماس بل الأمور تتجه نحو التفاقم والتأزم وتعمّق أزمة النظام السياسي الفلسطيني، والإنقسام يأخذ صفة الشرعنة والتسييد، ولا تلوح في الأفق القريب أية بوادر نحو استعادة الوحدة الوطنية، ووقف حالة التفكك والإنهيار في الساحة الفلسطينية لا مجتمعياً ولا وطنياً، وأبعد من ذلك بسبب ما يتعرّض له القطاع من حصار وعدم دوران عجلة الإعمار، أصبحنا يا زهار غير قادرين على ترميم مولد كهرباء أو حتى مواسير الصرف الصحي، بل وأبعد من ذلك ونحن ما زلنا تحت الاحتلال المباشر وغير المباشر في الضفة والقطاع، وصلت بنا الأمور إلى حدّ أن نحاصر بعضنا البعض، وكذلك نعتقل بعضنا البعض، ونعتبر المعتقلين رهائن، وهنا نحن أحوج ما نكون الى الترميم، ليس فقط في العلاقات ما بين قوانا وأحزابنا وفصائلنا، بل إلى إعادة ترميم وتأهيل مؤسّساتنا وهيئاتنا القيادية، ومجمل نظامنا السياسي، الذي يزداد تآكلاً وفقداناً للهيبة والثقة به من قبل شعبنا وجماهيرنا الفلسطينية، وليتك يا زهار بدل مطالبة سورية بترميم نفسها، وهي التي تعرّضت لحرب كونية مصغّرة، وتعمل بكلّ قوة من أجل أن تعيد ترميم نفسها على كلّ المستويات، فالدولة والحكومة رغم كلّ التكلفة الباهظة للعدوان والحرب العدوانية التي تشنّ عليها، لم تفكر في فرض المزيد من الضرائب على المواطنين، او التخلي عن الطبابة والتعليم المجانيّين، أما نحن وقبل أن ننجز مرحلة التحرّر الوطني، ضرائب سلطتينا على المواطنين أثكلت كاهلهم، ولا طبابة مجانية ولا تعليم مجاني، بل في كلا السلطتين الاقتصاد قائم اسمح لي على «الشحادة» و «التسوّل» والمال السياسي المشروط خدمة لهذا المحور أو ذاك، أو المطلوب دفع ثمنه مواقف وتنازلات خدمة لمشاريع مشبوهة تستهدف تصفية قضيتنا.

المأساة والطامة الكبرى يا زهار، أنّ قوانا وفصائلنا المتنفّذة تقامر وتجرّب مشاريعها في شعبنا وساحتنا الفلسطينية، وهي تعتبر أنها من يمتلك الحقيقة المطلقة، وأنّ مشروعها هو مشروع الشعب الفلسطيني، وهي التي يحق لها منح الألقاب بالتكفير والتخوين، ومنح صكوك الوطنية والخيانة والغفران، وبأنها هي وحدها الحريصة على الوطن ومصالحه، وما دونها هم خونة ومفرطون، وليسوا شركاء لا في الدم ولا في التضحيات ولا في القرارات ولا في القيادة، وهذا نتاج عقلية إقصائية تريد الهيمنة والتفرّد والسيطرة على كلّ مفاصل النظام السياسي، وتنظر للوحدة الوطنية، على أنها ديكور شكلي أو تكتيك، ليس أكثر، وليست حاجة استراتيجية، تشكل المدماك الرئيسي في تحقيق الإنتصارات، ناهيك عن التعاطي مع الأمور والقضايا ليس التكتيكية منها، بل الإستراتيجية على قاعدة ما يقوله المأثور الشعبي» عنزة ولو طارت»، وكذلك قاعدة التجريب المتكرّر والمقامرة، او كما قال وزير الإعلام النازي في عهد هتلر، غوبلز، اكذب ثم اكذب حتى يعتقد الناس أنك تقول الصدق، ولك أن تصحّح لي او تخالفني الرأي أو ان تتهمني بالعدمية والتطرف والتجني والتحيّز، ولكن تلك هي حقائق لا تقبل الدحض او التأويل، أغلب فصائلنا بمختلف ألوان طيفها السياسي تقول بأنّ برامجها السياسية، هي قرآن أو إنجيل، وهي لا تحتمل الخطأ او التشكيك فيها، فكلّ التطورات والأحداث جاءت لتؤكد على صحتها والتفاف الجماهير حولها، ولكن ما نشهده ونراه وما تقوله مراكز البحث واستطلاعات الرأي وحركة الواقع والنشاطات والفعاليات والهبّات الجماهيرية المتكرّرة، تقول بأنّ الجماهير يزداد عزوفها عن الفصائل والالتحاق بها، حتى انّ هناك أحزاباً أصبحت طاردة، وأخرى تعتاش وتقتاد على نضالات وتضحيات قياداتها التاريخية، رغم أنّ الأحزاب والفصائل، شكلت روافع العمل الوطني، والسياج الحامي للقضية والمشروع الوطني، ودفعت دماً وشهداء وأسرى، وما زالت تدفع وتقدّم، ولكن هذا لا يعني أنّ دور الأحزاب والفصائل لا يتراجع، وكذلك حضورها وشعبيتها بين الجماهير تتآكل شيئاً فشيئاً.

ما تقوله يا زهار بأنّ البوصلة فلسطين، نعم البوصلة فلسطين، وعلاقاتنا مع العالم العربي والإسلامي، يجب ان تحكمها هذه العلاقة، ولكن ما نجد على أرض الواقع، انّ هناك اصطفافاً الى جانب هذ ا المحور او تلك الدولة، بعيداً عن الشعار المرفوع، ولعلّ ليس موضوع سورية فقط والعلاقة معها، ولكن كيف تفسّر الوقوف الى جانب دولة تذبح شعب وأطفال اليمن، واليمن يا زهار أنت وكلّ أبناء شعبنا يعرفون بأنه دوماً وقف الى جانب فلسطين وقضيتها وشعبها، ولذلك لا يجوز أن نغلب المصالح الخاصة والفئوية على مصالح الشعب، ولا نسمح للتكتيك ان ينتهك الإستراتيجية؟

اكثر ما نحتاجه اليوم يا زهار وأنت في موقع القيادة والمسؤولية، هو ترميم بيتنا الداخلي الفلسطيني، هذا البيت الذي يبدو أنّ عدم الإسراع في ترميمه، سيجعله آيلاً للسقوط، وحينها لن تكون مجدية عمليات الترميم، بل تصبح الحاجة ملحة الى إعادة البناء من جديد، ولكن ليس بنفس الأدوات التي لم تنجح في الترميم، وستكون خسارتنا جميعاً كبيرة، ولذلك دعك الآن من سورية، فسورية قادرة على ان ترمّم نفسها وتحديد شبكة علاقاتها وتحالفاتها، وستبقى منطلقاتها قومية وعروبية، بعيدة عن النزق او ردات الفعل، وأنا جازم بأنّ سورية التي حضنت شعبنا اللاجئ ومقاومتنا وثورتنا، لن تتخلى عن فلسطين، ولن تمنع كما هو البعض فعالية إحياء ذكرى قائد وطني، والمحور الذي ترى انه يقف إلى جانب فلسطين، هو الآن من يقف جزء منه مع تصفية القضية الفلسطينية عبر المشاريع الإقليمية، هذا المحور الذي يفتخر نتنياهو بأنّ علاقة دولة الاحتلال معه فوق الممتازة.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى