مغامرة البرزاني

حميدي العبدالله

أظهرت ردود الفعل العراقية والدولية والإقليمية المسجلة حتى الآن، في ضوء تصميم رئيس إقليم كردستان المنتهية ولايته مسعود البرزاني على المضيّ في خيار الاستفتاء، أنّ البرزاني يغامر في مصير الإقليم.

الطابع المغامر لخيار البرزاني يتأتّى مما يلي:

أولاً، إعلان رئيس الحكومة العراقية أنه مستعدّ للتدخل العسكري، إذا ما قاد خيار الاستفتاء والانفصال إلى العنف والفوضى، وهو سيقود بكلّ تأكيد إلى هذه الحالة، على الأقلّ في مناطق واسعة من محافظة نينوى، إضافة إلى كركوك ومناطق أخرى ذكرها البرزاني ذاته في سياق تعليقه على مواقف الحكومة العراقية.

بديهي أنّ لجوء الحكومة العراقية إلى الخيار العسكري سيلحق الأذى بكلا الطرفين، العراقي وإقليم كردستان، لكن الأخير يتأذّى أكثر نظراً لاختلاف القدرات العسكرية بين الطرفين.

ثانياً، إذا وقعت المواجهة العسكرية بين بغداد وأربيل لن يحظى مسعود البرزاني بأيّ مساندة إقليمية أو دولية فاعلة، فإيران أعلنت صراحة أنها ضدّ الانفصال وضدّ الاستفتاء، وقالت إنها سوف تدعم موقف الحكومة العراقية، وأيضاً قالت تركيا إنّ انفصال شمال العراق يُعتبر بالنسبة لتركيا مسألة أمن قومي، وهي لن تتسامح، وسيكون لها موقف حازم من هذه المسألة، وقد جاء ذلك الموقف بعد اتصال أجراه رئيس وزراء تركيا مع رئيس وزراء العراق حيدر العبادي، وبديهي أنّ موقف سورية واضح إزاء هذه القضية، وبالتالي فإنّ جميع الدول المجاورة لإقليم كردستان العراق ترفض استقلال الإقليم عن العراق، عبر قرار أحادي لم يتمّ التوافق عليه مع الحكومة العراقية.

أما الولايات المتحدة، وبمعزل عما إذا كانت هي التي حرّضت ودعمت بشكل خفي البرزاني للضغط على الحكومة العراقية، أو أنها ترفض الاستفتاء كما أظهرت البيانات الرسمية، فإنّ الاستفتاء، وتالياً الاستقلال يضعها، أمام خيار من اثنين، إما الوقوف إلى جانب الأكراد وخسارة العراق، أو الوقوف إلى جانب الحكومة العراقية للحفاظ على مصالحها، وبالتالي خسارة إقليم كردستان لدعم أكبر دولة في العالم.

في مطلق الأحوال إذا استقلّ إقليم كردستان، وحتى إنْ لم يؤدّ ذلك إلى نشوب حرب بين الإقليم والحكومة العراقية، فإنّ الإقليم سيصبح محاصراً من الناحية الاقتصادية، وهذا سيقود إلى كوارث بعد الازدهار الواسع الذي حققه الإقليم بعد الاحتلال الأميركي للعراق.

لهذه الأسباب مجتمعة، فإنّ الاستفتاء والاستقلال الذي دعا إليه البرزاني يمثل مغامرة بكلّ ما في الكلمة من معنى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى