صبرا وشاتيلا ليست مجرد مكان
عباس الجمعة
تنحني الأقلام إجلالاً وإكباراً لشهداء مجزرة صبرا وشاتيلا، خمسة ثلاثون عاماً مرّت دون محاكمة قادة العدو الصهيوني وعملائهم الذين ارتكبوا المجزرة على مرأى ومسمع العالم، حيث سقط بنتيجتها نحو أربعة آلاف شهيد من الأطفال والنساء والرجال من أبناء المخيم ومحيطه من الفلسطينيين واللبنانيين.
أمام هذه الذكرى الأليمة في التاريخ، ما زال العدو الصهيوني يرتكب المزيد من المجازر بحق الشعب الفلسطيني لتضاف الى سجله الأسود الحافل بالجرائم والانتهاكات، ليس مجازر جنين وقانا وغزة والجرائم اليومية التي ترتكب في مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة إلا جزء من هذا المسلسل المتواصل الذي يحدث ويتواصل على مرأى ومسمع العالم…
إنّ مجزرة مثل صبرا وشاتيلا كانت تستحق من المجتمع الدولي بمختلف مؤسّساته وهيئاته ان يقف أمامها موقفاً حازماً ويحاكم مرتكبيها، خاصة أنّ المجزرة هي جريمة حرب وجريمة ضدّ الإنسانية، خاصة أنها جريمة إبادة جماعية ارتكبت بتخطيط مباشر من أعلى المستويات السياسية في الكيان الصهيوني، لا بل انّ صمت المجتمع الدولي شجع هذا الكيان العنصري على الاستمرار في نهج القتل والإرهاب والتدمير، بما يعكس الازدواجية في التعاطي مع قضايا العالم.
وفي ظلّ هذه الظروف نرى الانحياز الأعمى من قبل الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي حيث تتمّ مكافأة العدو بدل أن يحاكم.
انّ مجزرة صبرا وشاتيلا هي واحدة من المجازر التي لا تسقط بالتقادم ولا يمكن ان تزول من ذاكرة شعبنا وكلّ الشعوب المحبة للسلام. وعليه فإننا نجدّد الدعوة الى إعادة فتح ملف مجزرة صبرا وشاتيلا سواء من خلال المحكمة الجنائية الدولية او من خلال مجلس الأمن الدولي بإعادة الاعتبار لمصداقية القانون الدولي من خلال محاكمة مرتكبي ومدبّري هذه المجزرة وعزل كيان العدو على المستوى الدولي من خلال وضعه أمام العدالة الدولية باعتباره الراعي الأكبر لعمليات الإرهاب في المنطقة بعامة وضدّ اللبنانيين والفلسطينيين بخاصة.
لقد سعى المخططون لهذه المجزرة الى تحقيق جملة من الأهداف، فإضافة الى قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين، كان تهجير الفلسطينيين من لبنان أحد أهداف هذه المجزرة ومحاولة التخلص من عبء اللاجئين الفلسطينيين باعتبارهم يختصرون معاناة اللجوء، لكن الشعب الفلسطيني أفشل هذه المؤامرة وأثبت للعالم انّ مثل هذه المجازر لن تزيده إلا إصراراً على التمسك بحقوقه الوطنية، وكلّ الجرائم التي تلت العام 1982 جاءت لتخدم ذات الهدف… التخلص من قضية اللاجئين باعتبارها جوهر القضية الفلسطينية وإلغاء حق العودة كمقدمة لتصفية القضية الفلسطينية.
انّ هذه الجريمة وغيرها من الجرائم المتراكمة في سجل العدو الإسرائيلي لن تنجح في منع «التمسّك الفلسطيني بحق العودة وبالقضية الفلسطينية، وأنّ الوفاء لشهداء مجزرة صبرا وشاتيلا ولجميع شهداء شعبنا يكون بالتمسك بالثوابت الوطنية وتعزيز الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام في إطار خارطة طريق وطنية جديدة
صبرا وشاتيلا، حكاية شعب كلّ ما أراده هو الحياة وكلّ ما حصل عليه هو الموت، ولكنه وبالرغم من كلّ ما مرّ به ما زال واقفاً بعنفوان يتحدّى وينتصر، بعدما غابت الحقيقة خلف الأفق كالشمس ولكن بلا عودة، ولكن اليوم تسجل انتصارات لقوى المقاومة وشعوبها بمواجهة الهجمة الامبريالية الصهيونية الإرهابية التكفيرية، حيث لا يمكن ان تنحني قامات الشعوب ومقاومتها وهامتها أمام الهجمة وستبقى الى جانب فلسطين القضية والشعب والارض لأنّ للحق لا بدّ أن ينتصر، وشعب فلسطين سينتصر مهما طال الزمن ولا يمكن ان يسقط الحق الفلسطيني في التقادم او انتزاع حق العودة الى فلسطين من أيّ أحد، فهذا حق كفله القانون الدولي، فهو حق مقدس غير قابل للتصرف. ختاما: لا بدّ من ان نحيّي المتضامنين الدوليين من وفد «كي لا ننسى» الذي أكد الاستمرار في الوقوف الى جانب قضية فلسطين في جميع البرلمانات والمؤسسات الدولية الى ان يُعاقب المجرمون الذين ارتكبوا هذه المجازر بحق الشعب الفلسطيني.
ونقول انّ مجزرة صبرا وشاتيلا ستبقى في الذاكرة الفلسطينية والعربية والمطلوب اليوم العمل من أجل إنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية ورسم استراتيجية وطنية في مجابهة الاحتلال الإسرائيلي، والتمسك بخيار المقاومة بكلّ أشكالها وأساليبها، وفق برنامج سياسي مشترك أساسه دحر الاحتلال وتحقيق الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.
كاتب سياسي