شعب أسير خطابين إثنين منتج وحكواتي
أحمد عياش
خطاب بعض السياسيين في لبنان بالإضافة لمناصريهم في الأحزاب والجمعيات الأهلية والمؤسسات التابعة لنفوذهم ينقسم لتيارين كبيرين تحت تصنيفين بارزين:
الخطاب الأول يواكب الزمن ومؤثر في الحاضر والمستقبل منتج لواقع .
الخطاب الثاني يواكب الزمن لكن غير مؤثر في الحاضر والمستقبل حكواتي .
ولهذا الانقسام العمودي ارتدادات تجعل من أصحاب الخطاب الأول أصحاب بطولات مستجدة وتكمل بطولات سابقة في الماضي، مما يجعل أصحاب هذا الخطاب يسيطرون على الأحداث اليومية بفعالية منتجة سياسياً واجتماعياً مما يجعل الجماهير تلتفّ حولهم وخاصة شريحة الشبان الذين يواكبون الأحداث بنشاط وحماس، إذ إنهم يشعرون أنهم منخرطون في صناعة الحدث اليومي، إن على الساحة المحلية الضيقة أو على الساحة الإقليمية الواسعة، وكل هذا يدفع بأصحاب الخطاب الأول أن يكونوا واحداً من كتبة تاريخ وطن ويضعهم في مكان الهدف الخاضع للنقد والرمي بالرماح والنبال، وحتى بالرصاص من سياسيّي الخطاب الثاني .
صحيح أنّ أصحاب الخطاب الثاني يواكبون الزمن إلا أنّ مشاركتهم في صناعته لا تتعدّى استماعهم نشرة أخبار ومشاركة في حلقة تلفزيونية للتعليق على أحداث يصنعها الطرف الأول، مما جعل أصحاب الخطاب الثاني يتراجعون الى متاريس «بطولاتهم» القديمة في الماضي ليستذكروها وليبنوا عليها تحليلاتهم النظرية المليئة بالتأفف والاستياء والنقد الممزوج بطعم هزيمة ما في زمن الحرب الأهلية، وفي أغلب الأحيان يحرك الثأر المستتر في وعيهم وفي خطابهم السياسي مما يجعل من خطابهم أسيراً لذاكرة متجمّدة تعيد إنتاج نفسها وتهرول في مكانها، ولا تنتج غير العتب والمأساة والتحريض والتهديد .
أصحاب الخطاب الثاني ولعدم تأثيرهم في الأحداث بإيجابية أو فعالية يجعلهم ينكصون في بطولاتهم، لزمن سابق كبطولات المراهقة والطفولة السياسية التي أصبحت مملّة للأجيال الصاعدة، إذ إنها أصبحت جزءاً من حكايا «ليلى والذئب» من كثرة الاستماع إليها، ولترداد الحكواتي تفاصيلها مما جعل شريحة الشبان التابعين كأنصار لأهل الخطاب الثاني يراقبون فقط سير بطولات شبان وقادة الطرف الأول مما يزيدهم، إما إعجاباً بالطرف الأول أو حقداً وتوتراً، مما يجعل التصادم في الشارع تصادماً بين شبان اللحظة الآنية وشبان اللحظة الماضية والسابقة والراحلة وتصادم بين سياسيّي الطرفين تصادماً بين مقاتلين وكتبة تاريخ للحاضر من ناحية، ومن ناحية أخرى لحكواتيين متأففين يحاولون دوماً إثبات ذكائهم وقدرتهم على التنجيم بدلاً من التحليل الواقعي.
من الطبيعي كلما تقدّم الطرف الأول في انتصاراته ورهاناته أن يكثر الطرف الثاني من نكوصه ليعلك ماضياً تعيساً ويبرّر حضوره الحالي، مما يجعل هؤلاء وفي كلّ مرة يعيدون حكاية حرب الجبل وطريق فلسطين تمرّ من جونية واغتيال الرئيس رفيق الحريري وحقبة الوجود العسكري السوري والفلسطيني إلخ…
وكردّ فعل عادي جداً يضطر أصحاب الخطاب الثاني بشنّ هجوم دائم ومشكّك في حركة الطرف الأول لشعورهم بالإحراج والخوف من فقدان جماهيرهم، لذلك يلجأون عن سابق تصوّر وتصميم لتزييف الحاضر والقلق من المستقبل مع تعظيم دورهم في الماضي التعيس ليبقوا من قوة قبضتهم على رقاب جماهيرهم التي لا حول لها ولا قوة، والموجودة بين نار الواقع والحقيقة وبين رفض ذلك الواقع وتجاهل تلك الحقيقة لعدم قدرتها على الاعتراف بهزيمة سلوكها وهزيمة رهاناتها تحت تأثير مخدّر التحريض الطائفي وتحريض المصالح وكراهية الطرف الأول مهما فعل ولو كان على حق.
دكتور نفسي