بعد ترامب… لم يكن ينقص باكستان إلا بيان دول بريكس!

هادي حسين

نستشعر هذه الأيام في إسلام آباد قلقاً حقيقياً، وحيرةً تستبطن خوفاً نخبوياً على مستقبل باكستان ودورها الحيوي في أفغانستان والمنطقة، على الرغم من صمت الساسة المنهمكين بالتحضير لانتخابات ربيع 2018، ومكابرة جنرالات الجيش الباكستاني الذي وقع «إعلان شيامن» في ختام قمة بريكس -أول الشهر الحالي – على مسامعهم كالماء الساخن.

فلم يمض شهرٌ بعد على تهديد ووعيد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإسلام آباد على خلفية اتهامها بتقديم الملاذ الآمن لحركة طالبان والجماعات المتطرفة، حتى أدان «إعلان شيامن» حركة طالبان على وجه التحديد، ومجموعة من الجماعات المتطرفة الأخرى – تنظيم داعش، وتنظيم القاعدة، وحركة تركستان الشرقية الإسلامية، والحركة الإسلامية لأوزبكستان، وشبكة حقاني، وعسكر الطيبة، وجيش محمد، وطالبان باكستان – ثلاثة منهم يُقال انّ لهم صلات مع المؤسسة العسكرية في باكستان.

«إعلان شيامن» لمجموعة دول بريكس بالنظر إلى توقيته دق ناقوس الخطر لدى صُنّاع القرار في باكستان، من البيروقراطيين والجنرالات على حدّ سواء، وأغاظ كلّ الباكستانيين الذين وجدوا فيه هدية ولا بالأحلام – لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، لا سيما أنه صدر عن مجموعة تضمّ بكين حليف باكستان الاستراتيجي.

لكن تسمية الجماعات المسلحة التي تتخذ من باكستان مقراً لها في إعلان بريكس الأخير لا يعني بالضرورة أنّ الصين تدعم المصالح الهندية وتهتمّ للمخاوف الأمنية لدلهي. فالصين تؤيد بشكل عام سياسات باكستان حيال ملف مكافحة الارهاب، ولطالما كانت سداً منيعاً أمام الجهود الهندية للضغط على باكستان وتشويه صورتها في المحافل والمنتديات الدولية. وفي نيسان/ أبريل 2016، منعت الصين محاولة هندية في الأمم المتحدة لإدراج مسعود أزهر، رئيس جماعة جيش محمد التي تتخذ من باكستان مقراً لها على القائمة السوداء. والمتهم بتدبير هجوم بتهانكوت فى الهند.

بل أكثر من ذلك، فقد مضت بكين بشكل متقدّم في الدفاع عن باكستان حتى عندما حذر الرئيس الأميركي ترامب مؤخراً باكستان، من خلال مسارعة وزارة الخارجية الصينية إلى إصدار بيان يحث المجتمع الدولي على الاعتراف «بتضحيات باكستان في الحرب ضدّ الإرهاب».

والمعلوم أنّ الدعم الصيني لباكستان لم يقتصر يوماً على الدعم الدبلوماسي، فلطالما شكلت العلاقات الباكستانية الصينية أنموذجاً يُحتذى به ويضرب به المثال على مستوى العلاقات بين الدول، وأجمل تعبير عن هذه العلاقات مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني CPEC ، الذي تُقدّر كلفته بـ 46 مليار دولار، لكن فيما أغفلت باكستان مخاوف حليفتها الاستراتيجية واستمرت في سياساتها الخارجية والأمنية على نفس المنوال فإنّ العلاقات الباكستانية الصينية قد تنفجر مثل الفقاعة، فيما وصلت بكين إلى قناعة بأنّ مصالحها في باكستان وآسيا الوسطى في خطر.

بيد أنه من المُستبعد أن تصل الأمور إلى هذه الدرجة فإسلام آباد من جهتها تلقت الرسالة المبطنة في «إعلان شيامن» على أنه «تنبيه لطيف»، وسارع وزيرالخارجية الباكستاني خواجه آصف للتصريح بأنّ إسلام آباد بحاجة الى تطبيق «تحوّل نموذجي» في سياستها الخارجية لمواجهة التحديات الإقليمية ومواكبة المتغيّرات الأمنية في أفغانستان والمنطقة.

في نفس السياق كتب «أشرف جهانغير قاضي» السفير الباكستاني السابق لدى كُلّ من الولايات المتحدة، الصين، الهند، روسيا وسورية في مقال صدر مؤخراً: «إذا كانت باكستان ساذجة بما فيه الكفاية لتجاهل هذه الرسالة، فإنها ستدفع الصين تدريجياً وتزرع الشكوك في العقول الصينية بشأن شراكتها الاستراتيجية مع باكستان. وهذا سيؤثر حتماً على CPEC ، واذا حدث ذلك، فإنّ ذلك سيكون كارثياً».

فالصين بحسب مراقبين بدأت تفقد صبرها هي أيضاً بسبب عدم استعداد إسلام آباد لإتخاذ إجراءات صارمة ضدّ عدد من الجماعات والميليشيات المتطرفة التي تتخذ من البنجاب مقراً لها. ولذلك كله، لا ينبغي أن يكون مفاجئاً أنّ الصين وروسيا اتفقتا خلال قمة بريكس الأخيرة على تسمية مختلف الجماعات المسلحة الباكستانية ووضعها في نفس الصف مع القاعدة وأخواتها.

نرى أنه ليس بعيداً أن ينجح الضغط المتزايد للصين على باكستان في خفض دعم الأخيرة للجماعات المتطرفة، ولكن لا يعني ذلك أنّ هناك نقلة نوعية حقيقية وشيكة في السياسة الخارجية الباكستانية.

في المحصّلة، حان الوقت لباكستان كي تعيد النظر في سياساتها الخارجية والأمنية، على ضوء المستجدات الآخيرة. كما أنها بحاجة إلى إعادة النظر في مواقفها وتحالفاتها، ولعله جاء الوقت لإصلاح العلاقات مع القيادة الأفغانية. وقد تكون رسالة الرئيس الأفغاني أشرف غني، بمناسبة عيد الأضحى وتكرار عرضه للحوار بين البلدين، نقطة انطلاق جديدة تحتاجها أفغانستان والولايات المتحدة كما باكستان.

كاتب وباحث باكستاني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى