مصالحة وتقاسم أدوار بين تركيا والسعودية يحلّ الخلاف مع قطر ومصر
كتب المحرر السياسي
انتهى الخلاف التصادمي بين حكومتي أنقرة والرياض، وضمناً معه انتهى العداء السعودي ـ القطري، وانتهت المواجهة التركية ـ المصرية، هذه الخلاصة قالها لـ»البناء» مرجع ديبلوماسي عربي يتابع تفاصيل الخلاف على محاور العلاقة بين محوري تركيا وقطر من جهة، والسعودية ومصر من جهة مقابلة.
يضيف المرجع: ستبقى طبعاً آثار للخلاف وتداعيات، وسيبقى التنافس وبعض الخلافات التي تطفو بين حين وآخر على سطح العلاقات، لكن التصادم انتهى، والملفات الكبرى تمّت تسويتها والوصول إلى تفاهمات حولها.
يقول المرجع: أول نتائج التفاهم هي عودة الروح إلى المصالحة الفلسطينية، وانطلاق عجلة الحكومة الجديدة، وهو ما لم يكن ممكن الحدوث بلا التفاهم السعودي ـ التركي وتأثيراته المصرية والقطرية، وصولاً إلى رياحه إلى جناحي الحكومة المتموضعين على ضفتي خنادق المحورين المتصادمين «سابقاً».
محاور التفاهم التي تشير إليها المعلومات، تطاول ترحيل الإخوان المسلمين من قطر مقابل تعويضات مالية هائلة تتولاها قطر والسعودية، وهبة سعودية لحكومة رجب أردوغان بستة مليارات دولار أميركي، لتغطية نفقات مشاركته في الحرب على الحدود السورية والعراقية ببعديها الهادفين، من جهة لإشغال «داعش» عن التفكير بالتوجه نحو المملكة ومن جهة أخرى القتال ضدّ الجيش السوري، بالتالي تعهّد حكومة أردوغان منذ ما قبل عيد الأضحى بعدم قيام «داعش» بتنفيذ تهديداتها بانتفاضة العيد في الأماكن المقدسة، وتقول المعلومات إنّ الاستخبارات التركية سلّمت للاستخبارات السعودية ضمن هذا التفاهم لوائح اسمية لأكثر من ثلاثمئة وافد بين الحجاج إلى السعودية، ضمن الترتيبات التي كان جرى إعدادها لانتفاضة العيد، وأنّ من بين هؤلاء وافدين من دول غربية، خصوصاً أستراليا وبريطانيا.
من نتائج التفاهم تعاون تركي ـ ماليزي ـ إندونيسي على استضافة أكثر من مئتي قيادي إخواني رحّلوا من قطر، وقيام السعودية بإبلاغ موافقتها على مساعدتهم بنقل شركاتهم وأموالهم وانطلاق استثماراتهم مجدّداً من هذين البلدين، اللذين توزعا القيادات المرحّلة ضمن تعهّد الإخوان بتجميد أيّ نشاط في دول الخليج، مقابل وعد سعودي بالتمهيد لتسوية وضع مصر ببدء التحضير لمبادرة يطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي للمصالحة والحوار برعاية من السعودية ودعمها، قبل الانتخابات النيابية المصرية.
الأهمّ في التفاهم هو التشارك في العداء لسورية حيث جرى تقاسم استضافة معسكرات تدريب المعارضة التي ترضى واشنطن عن إشراكها في حلف الحرب، بالتالي تسليحها وتجهيزها لتكون مهيّأة لتسلّم المناطق التي تخليها وحدات «داعش» مع حلول العام المقبل، وتقديم الدعم والمؤازرة لها كي تتمكن من حماية المناطق التي توضع في عهدتها.
واشنطن التي رعت التفاهم، حسمت مع أردوغان، بعد إسقاط نظريته بمشروع المناطق العازلة، وتقديم الاعتذار السرّي لنائب الرئيس الأميركي جو بايدن بعد التوبيخ العلني، أنّ التفاوض الإقليمي مع إيران ستتولاه السعودية، وليس موضوعاً للتنافس، لأنّ أحداث اليمن حسمت الحاجة إلى تدعيم الوضع في الخليج، بالتالي مرجعية السعودية، التي كان يمكن قبول منافستها من جانب تركيا لو بقي الملف السوري وحده العنوان الحاضر.
المرجع الديبلوماسي يرى أنّ هذا التطور يعني تسريعاً أميركياً للتفاوض الإقليمي مع إيران، وإنهاء الملفات التي تعوق هذا التفاوض.
يبقى أنّ لبنان الذي ينتظر هذا التفاوض آملاً أن يناله بعضاً من نِعمه، بالإفراج عن الاستحقاق الرئاسي، لا يزال يتخبّط في الغموض الأمني الذي يأتيه من تطورات مقلقة في طرابلس من جهة، ومن جهة أخرى مما قالته مصادر على صلة وثيقة بالمفاوضات حول العسكريين المخطوفين، أنه على رغم التنقل بين التفاؤل والتشاؤم لحظة بلحظة، فإنها تؤكد صحة ما نشرته «البناء» حول مطالبة «داعش» و»النصرة» لمنح مخيمات النزوح للاجئين السوريين ميزات أمنية، مستوحاة من اتفاق القاهرة الذي شرّع نوعاً من الأمن الذاتي في بعض المخيمات الفلسطينية عام 1969، والمطالبة بمناطق حرية حركة في عرسال للتنظيمين.واستمر موضوع العسكريين المخطوفين في طليعة الاهتمام المحلي فضلاً عن الاعتداءات اليومية التي يتعرض لها الجيش في أماكن متفرقة في الشمال ولا سيما في طرابلس التي تتحدث أوساطها عن حل لقضية قادة المجموعات المسلحة المتهمة بتنفيذ الاعتداءات قبل امتداد النار إلى المدينة.
وكان لافتاً كلام قائد الجيش العماد جان قهوجي لمجلة «فيغارو» الفرنسية الذي أكد فيه أن تنظيم داعش يعتمد على خلايا نائمة في طرابلس وعكار كما على دعم بعض القوى في الطائفة السنية في لبنان، محذراً من إمكان إشعال حرب أهلية في لبنان.
وقالت مصادر مطلعة في 8 آذار لـ»البناء» إنه «من المهم أن يأتي تأكيد على لسان قائد الجيش يثبت وجود الخلايا النائمة والمحاولات التي تستهدف الدولة وأمنها، ويثبت أيضاً وجود قسم من اللبنانيين يشكل الحاضن لهذه الخلايا النائمة والمستهدفة لأمن لبنان». ورأت المصادر»أنه على رغم أن هذا الكلام لم يكشف شيئاً جديداً، إذ إن الباحثين والخبراء العسكريين حذروا من ذلك قبل شهر من اليوم، إلا أن أهمية كلام قهوجي تكمن في أنه ورد على لسان المسؤول الرسمي المباشر في الميدان اللبناني». وربطت المصادر بين كلام قائد الجيش والقرار الاتهامي الذي صدر بحق عمر بكري فستق، لافتة إلى «أن القضاء العسكري أحرج من كان غافلاً أو متغافلاً عن استهداف لبنان وينكر وجود مخطط لإقامة إمارة إسلامية في طرابلس».
مخارج لمنصور والمولوي
في هذا الوقت، تكثفت الاتصالات والمشاورات بين فاعليات دينية وسياسية طرابلسية لإيجاد مخارج لقضية المطلوبين للعدالة أسامة منصور وشادي المولوي «المتواريين عن الأنظار»، إلا أن مصادر مطلعة في التبانة أكدت لـ»البناء» أن المولوي ومنصور لا يزالان في طرابلس ولم يغادراها. وإذ توقعت أن تتجه الأمور نحو الحل السياسي عبر فاعليات طرابلسية، أكدت المصادر أن الدولة لن تقبل بخروجهما من لبنان كما طرح بعض وجهاء المنطقة، واعتبرت «أن هناك من يعمل على إخراجهما من التبانة لمنع تمدد كرة النار ولا سيما أنهما يتزعّمان أكثر من 60 مسلحاً، والخوف إن حصلت المعركة مع الجيش أن تتفاقم الأمور وتتسبب بخسائر كبيرة».
ولفتت المصادر إلى أن الاجتماع الذي عقد أمس بين ضباط من الجيش وبعض فاعليات طرابلس، أكد أن لا دليل قاطع على أن منصور هو من أطلق النار باتجاه الجيش في المدينة.
تفاؤل حذر في ملف المخطوفين
وفي الموازاة، عاد التفاؤل الحذر إلى قضية العسكريين المحتجزين لدى تنظيم «داعش» و»جبهة النصرة» بعد الذي رشح عن اجتماع المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم مع وفد من أهالي العسكريين بحضور رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير. فقد نقل الوفد عن إبراهيم تطمينات بأن المفاوضات تسير على ما يرام ووعوداً بإعادة أبنائهم سالمين.
وأكد مصدر مطلع لـ»البناء» أن الأمور تتجه نحو المقايضة، وأن هناك شبه تسليم بهذا الأمر من القوى السياسية، مشيراً في الوقت عينه، إلى أن آلية المقايضة وتفاصيلها لم يتم التوافق عليها بعد وهذا ما يؤخر العملية، وكشف المصدر أن الموفد القطري الذي زار أمس عرسال تواصل مع الخاطفين في هذا الشأن.
مطالب المجموعات الإرهابية
وأوضحت مصادر مطلعة لـ»البناء» أن المفاوضات مع الخاطفين تسير بوتيرة متعرجة بسبب عمليات الابتزاز المستمرة التي يمارسها كل من «داعش « و»جبهة النصرة» عبر الوسيط القطري، خصوصاً من خلال توجيه التهديدات لأهالي المخطوفين بأنه سيتم تصفية العسكريين. وأشارت المصادر إلى أن مطالب المسلحين تتمحور حول ثلاثة مفاصل أساسية وهي: إطلاق سراح المئات من الإرهابيين، وفتح ممر آمن من وإلى جرود عرسال بما في ذلك حرية تنقل المسلحين باتجاه البلدة، وعدم التعرض لمخيمات النازحين في عرسال بما يسمح للمسلحين الدخول والخروج منها بحرية، إضافة إلى المطالبة بإطلاق سراح موقوفين في سورية وأيضاً مطالبة «جبهة النصرة» بعشرين مليون دولار من قطر.
جولة لدرباس لمعالجة مشكلة النزوح
وفي موضوع غير بعيد، تابعت لجنة النزوح السوري هذا الملف خلال اجتماعها برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام. وفي هذا السياق، يبدأ اليوم عضو اللجنة وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس جولة عربية وأوروبية من الكويت على أن يزور بعد يومين الشارقة في الإمارات، وفي 27 و28 من الشهر الجاري برلين وفي 30 منه شرم الشيخ للمشاركة في مؤتمر وزراء الشؤون الاجتماعية العرب.
وأكد درباس لـ»البناء» أن الاجتماع وضع الخطوط العريضة الأساسية لورقة العمل التي سيناقشها في جولته العربية والأوروبية، مشيراً إلى أن موضوع النازحين سيحتل الأولوية في محادثاته هناك، ولا سيما ما يتعلق بقرار الحكومة وقف النزوح السوري، وتنظيم وجوده واتخاذ الإجراءات اللازمة على الحدود ومناشدة الدول المعنية، خصوصاً العربية، مساعدة لبنان الذي يتحمل وحده أعباء النزوح، والتوجه إلى المنظمات الدولية، إذ لا بد أن يوضع برنامج إنمائي للدول المضيفة ولا سيما لبنان، وأن تساهم الدول المانحة فيه.
لا عقبات قانونية أمام الهبة الإيرانية
على صعيد آخر، يتوجه وزير الدفاع الوطني سمير مقبل في 17 من الشهر الجاري إلى طهران للبحث في الهبة الإيرانية لتسليح الجيش في ظل تحفظ تيار المستقبل وقوى 14 آذار عليها بحجة العقوبات الدولية المفروضة على الجمهورية الإسلامية. وأكدت مصادر متابعة لملف تسليح الجيش لـ»البناء» أن الهبة الإيرانية للبنان لا تعترضها أية عقبات قانونية إنما سياسية، وإذ أشارت المصادر إلى أن الظروف الحالية اختلفت عن ظروف الهبة الإيرانية السابقة التي رفضها رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، أعربت المصادر عن خشيتها من أن تكون الولايات المتحدة تلعب لعبة الفيتو والفيتو المتبادل لعدم تسليح الجيش.
لولا حزب الله لكان «داعش» في جونية
إلى ذلك أكد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم خلال احتفال تأبيني، أنه «لولا دخول الحزب إلى سورية لكان تنظيم «داعش» يقيم حواجز في جونية وبيروت وصيدا وكل منطقة من لبنان، ولأنجز إمارته على الحدود الشرقية للبنان وكنا أمام منطقة لسعد حداد التكفيرية على غرار منطقة سعد حداد «الإسرائيلية»». واعتبر أن المطالبة بخروج الحزب من سورية كالمطالبة بإنهاء المقاومة ضد «إسرائيل»، مؤكداً «أننا لن نترك لبنان مكشوفاً لـ»داعش» ولا لـ»النصرة» ولا لـ»إسرائيل»، كرمى لعيون المهزومين».
التمديد ينتظر موعد الجلسة التشريعية
ونيابياً، أكد مصدر نيابي في قوى 8 آذار لـ»البناء» أن لا جلسة تشريعية قبل 25 الشهر الجاري على اعتبار أن هناك جلسة إجبارية في 21 الجاري لانتخاب اللجان النيابية. وأشار إلى أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري لن يحدد موعد الجلسة قبل الاتفاق على بنود جدول أعمالها وتحديداً ما يتعلق بموضوع الاقتراح الذي كان تقدم به النائب نقولا فتوش للتمديد للمجلس على رغم أن بري يدرك أن السير بالانتخابات النيابية بات صعباً بعد إعلان تيار «المستقبل» مقاطعته للانتخابات، لأنه لن يسير بأي خطوة كبيرة على مستوى الانتخابات النيابية في ظل مقاطعة فريق سياسي وازن من الطائفة السنية لها، لأن ذلك يتعارض مع الميثاق الوطني.