أسئلة حول المبادرة المصرية على خط المصالحة الفلسطينية
روزانا رمّال
ليس سهلاً أن تستضيف مصر حركة حماس وتمدّ ذراعيها لمساعدتها بعد كل الاتهامات التي شابت العلاقة بين الطرفين وبعد أن انتقلت الحركة بعيون جزء من المصريين، من حركة مقاومة للاحتلال الى حركة راعية للإرهاب في بؤر التكفير المنتشرة على الحدود المصرية.
حماس اليوم مستعدة كل الاستعداد للسير بالأجندة المصرية التي تفرض القاهرة صانعاً للمصالحة الفلسطينية الفلسطينية المفترضة في توقيت لافت من عمر أزمات المنطقة.. حماس عملياً مستعدة للحوار مع حركة فتح وقد اتخذت قيادتها خطوات عملية على الارض، حسب قولها، فاللجنة الإدارية في قطاع غزة لم تعد تمارس عملها وهي جاهزة لاستقبال حكومة التوافق الوطني للدخول الى قطاع غزة. كل هذا مع رغبة الحركة بعلاقة استراتيجية مع مصر.
السؤال عن أجندة حماس في تركيا وقطر بديهي ليصبح القرار ضرورة مكشوفة بعدما بدا «ظاهرياً» أن البيت الداخلي الفلسطيني اولى اولويات الفصائل الفلسطينية، على الرغم من ان التطورات العربية ومقاطعة قطر وبمقاربة علاقة قطر بحماس واحتضانها إياها تعني أن هناك مَن يرغب بسحب ورقة حماس من يد الدوحة بتموضع علني من الحركة.
دور القاهرة قابلته «استجابة» من حماس مقابل اعتراف مسؤولي حركة فتح بالجهد المصري باعتباره شريكاً وليس راعياً هذه المرة.. يريد مسؤولو الطرفين طي صفحة الماضي، لما في ذلك مصلحة للشعب الفلسطيني، كما يؤمل مع تساؤلات حول نجاح المبادرة لاختلاف أجندات الحركتين وأسئلة أساسية:
أولاً: إلى أي مدى يمكن أن تكون هذه المبادرة مختلفة عن سابقاتها في أوقات أقل تشنجاً أو تطرفاً من عمر المنطقة يذكر منها مبادرات مكة ودمشق وصنعاء، وما الذي يجعل اتفاق القاهرة هذه المرة أملاً منشوداً؟
ثانياً: الى أي مدى يمكن أن تكون هذه المصالحة عنواناً لفسخ علاقة حركة حماس «العقائدية» مع قطر التي ترعى أذرع الإخوان وتحالف تركيا أصل الحركة عملياً؟
ثالثاً: إلى أي مدى يمكن اعتبار قبول حماس بالخضوع للأجندة المصرية خطوة قطرية «مدروسة» لتخفيف الاحتقان على خط الأزمة مع الدول العربية، ومصر طرف فيها، عملاً بصعوبة فك الارتباط بين حماس وقطر وتركيا من المنطق الأيديولوجي؟
رابعاً: إلى اي مدى ستنجح مصر باستعادة الدور الضامن للملف الفلسطيني الذي تضرّر منذ اندلاع ثورات الربيع العربي المفترضة وتعزيز موقعها بعد غياب ملحوظ؟
ربما تشعر حماس بضرورة اللجوء إلى راعٍ جدّي هذه المرة لتكون اليد المصرية هي اليد التي أنقذت الحركة من الفوضى التي عاشتها منذ بدء دورها العسكري في سورية، والاتهامات المصرية لها في سيناء، في وقت كان من المفترض ان تكون حركة حماس إحدى الجهات الخاسرة والخارجة من دون مكاسب، بعد أن تضع الحروب أوزارها وبعد فشل مشروع حلفائها «الاخوان المسلمين» في مصر وفي سورية أيضاً ببقاء الرئيس الأسد بعد سنوات من الازمة.
تأتي القاهرة لتكرّس خضوع حماس على شكل منصة تعيد فيها دورها الإقليمي لمصاف «الشريك» بدلاً من الراعي، بعد ان تطلبت هذه الاتفاقية رضىً مصرياً وربما «صفحاً» عما كان قد اعتبر دوراً تخريبياً لحماس وعابثاً بالأمن المصري..
اللافت أن رعاية مصر للأفرقاء الفلسطينيين هي رعاية شبيهة بالدور السعودي في مكة العام 2007. وهنا تطرح الاسئلة الجدية حول دور المملكة العربية السعودية وانتقالها من الدور الوسطي المعتدل المقبول من جميع الأطراف، لتصبح طرفاً تصعب العودة إليه في هذه الظروف، نتيجة تشابك الأزمات لتحل مصر مكان المملكة العربية السعودية كضرورة عربية. وعلى هذا الأساس فإن الذي يجري على خط حركة حماس – حركة فتح، يمكن أن يتكرّر في سورية وتكون مصر هي عراب الحلول والطرف «المقبول» عربياً الجامع بين الأطراف السياسية السورية الراغبة بالشراكة بأي صيغة حل مقبل. وهو الامر نفسه الذي ينسحب على الملف الليبي الذي بدأ يعوّل على مصر آمال كثيرة قادرة على البت في الازمة العالقة لسنوات. واذا كان من المفترض ربط الملف الفلسطيني بالملف الليبي والدور المصري، فإن الجمع بين الاهتمام المصري بالمصير الفلسطيني والمصير الليبي عائد إلى الاهتمام المصري بتأمين الحدود وحماية الجيش من الجهات كلها التي تحدد الأرض المصرية وأمنها الحيوي. وبالتالي فإن المخاطر التي يشكّلها تدفق الارهاب الى ليبيا ومثله الى سيناء يفرض على القاهرة التدخل او قبول «تفويضها» برعاية شكل مخارج الحلول في كلتا القضيتين لدفع عملية مكافحة الارهاب الى الامام.
الجهد المصري الذي يبدو سياسياً لا ينسحب على كونه منصة لإعلان المصالحات، بل هو إعلان واضح عن خطط ضبط انتشار الإرهاب الذي عاش على أنقاض الفوضى المستشرية بصفوف الجماعات المسلحة بالمناطق التي دخل اليها. وهذا يعني أن ما تقوم به مصر موضع ترحيب أميركي روسي، فيما يضمن مكافحة الارهاب والحد من الحركات التكفيرية بغض النظر عن تبدل الاجندة الاميركية تجاه منطق مكافحة الارهاب بعيداً عن الازدواجية التي شابت مواقفها باتجاهه وبالحد الأدنى مرحب فيه من العاصمة الروسية موسكو التي تعمل على تعبيد طريق الحلول تدريجياً مع مراعاة «محترفة» للحساسيات الشرق اوسطية.