هل سيصبح الاستفتاء هبة من السماء…؟
مصطفى حكمت العراقي
لا يزال ملف استفتاء انفصال إقليم كردستان عن العراق يراوح مكانه، فعرّاب الاستفتاء ورئيس الإقليم المنتهية ولايته مسعود البرزاني لم يترك مناسبة إلا وأكد تمسكه وحزبه بإجراء الاستفتاء رغم وجود معارضة داخلية في الإقليم ومعارضة في بغداد وطهران وأنقرة ومعارضة دولية خجولة في العلن. وقد تكون موافقة لإجراء الاستفتاء في الغرف المظلمة، كما سرّبت مصادر البرزاني للإعلام والأطراف المعارضة تؤكد في أكثر من مرة أنّ البرزاني سيتراجع في الأمتار الأخيرة ويخضع للضغط، وبعضها ذهب لأكثر من ذلك وحدّد اليومين المقبلين كحدّ أقصى لتراجع البرزاني وقبوله الجلوس إلى طاولة الحوار مع بغداد، رغم أنه وعلى مدار الأشهر الأخيرة الماضية ضرب الحوار بعُرض الحائط، فلم يرسل مرشحاً لمنصب وزير المالية خلفاً للوزير المُقال هوشيار زيباري، ولم يحلّ مشكلة توقف برلمان إقليم كردستان عن العمل بعد أن قامت البيشمركة بطرد رئيس البرلمان وعضو كتلة التغيير المعارضة لسياسات البرزاني من أربيل، ولا يزال يسيطر على واردات نفط الإقليم وحتى كركوك، كما أنه سار بشكل ممنهج بتثبيت الأبناء والأشقاء والأحفاد في كلّ المناصب الأمنية والمالية المهمة في الإقليم لتثبيت حكم العائلة وتوريث آل البرزاني في الدولة الكردية المقبلة، أو كحدّ أدنى في الإقليم الواسع الصلاحيات والمتمرّد على بغداد والرافض لحكم المركز والكاسب للأموال بلا مقابل…
من حيث المبدأ، فإنّ الإجماع الكردي على تحقيق دولتهم المستقلة موجود وتتعالى موجته يوماً بعد يوم، إلا انّ هذا الإجماع يقابله تشتت واسع بالمواقف إزاء قيادة عائلة البرزاني المتفرّدة بالملف حتى وصفته بعض الأحزاب الكردية، بأنه مشروع محفوف بالمخاطر وقد ينهي جميع المكتسبات التي حققها الإقليم بعد 2003 لمجرد تحقيق منافع شخصية وعائلية للبرزاني الذي يعتمد في عناده على الدعم العلني من الكيان الصهيوني لقيام الدولة الكردية التي قد يكون كياناً موازياً لكيان العدو على حدود إيران يسمح من خلاله النفاذ إلى الداخل الإيراني، وهو ما بيّنه أكثر من مسؤول إيراني وعلى مختلف المستويات، حتى التهديد باستخدام القوة العسكرية لمنع انفصال الإقليم اذا اقتضت الضرورة، إضافة إلى كلام نائب الرئيس العراقي نوري المالكي الذي صرّح جهاراً بعدم السماح بقيام «إسرائيل ثانية» في شمال العراق، أما الدعم السري الذي كشفته مصادر كردية عديدة من السعودية والإمارات كمحاولة لكسب نقطة جديدة بمسار تقسيم العراق وتحقيق نفوذ على حدود إيران، إضافة للوقوف بوجه أنقرة بعد موقف الأخيرة بدعم الدوحة خلال الأزمة الخليجية الراهنة…
الولايات المتحدة وبريطانيا والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي وغيرهم أرسلوا أكثر من مبعوث لتقديم حلول وبدائل لتأجيل الاستفتاء والجلوس إلى طاولة الحوار بضمانات أممية غير أنّ البرزاني رفض البدائل، واشترط بدائل وصفها بأنها أعلى من الاستفتاء للموافقة على التأجيل او الإلغاء، إضافة لكلام هوشيار زيباري مسؤول ملف إجراء الاستفتاء بأنّ التراجع عن إجرائه هو انتحار سياسي للقيادة الكردية في بيان لمدى صلابة موقف البرزاني بإجراء الاستفتاء مهما كانت توابعه…
أما الوفد الكردي الذي جاء لبغداد فقد اشترط أموراً تعجيزية، كما وصفتها مصادر سياسية التقت الوفد الكردي، اذ اشترط الأخير أن تعطي الحكومة المركزية الأموال التي تمّ إيقافها منذ أربع سنوات وعدم مطالبة الإقليم بتسديد ما بذمّته من أموال بدلاً من النفط الذي يصدّره، وتسديد أموال البيشمركة من دون أن تخضع لأمرة القيادة العراقية المركزية، إضافة لضمّ الإقليم جميع الأراضي المتنازع عليها والتي دخلتها البيشمركة بالقوة بعد أن انسحبت منها داعش، ومن ضمن هذه المناطق كركوك، إضافة لأن تكون الحوارات بين بغداد وأربيل برعاية وضمانة أممية ووضع العراق تحت البند السابع إذا ما اعترض إقليم كردستان مستقبلاً إن تمّ الحوار وتمّ الاتفاق، كما اشترط الأكراد أن تقوم حكومة إقليم كردستان وبتشريع قانوني في البرلمان العراقي بتصدير النفط من الإقليم من دون الرجوع للحكومة المركزية مع عدم السماح لأيّ جهة مراقبة اتحادية بالسؤال عن الأموال والكميات النفطية التي تصدّر رغم أنّ في هذا الطلب مخالفة دستورية صارخة، باعتبار انّ النفط والغاز ملك للشعب العراقي كلهن كما ينصّ الدستور، وبعد كلّ هذا اشترط الوفد ان للبرزاني الحق بإعلان الدولة الكردية مباشرة في أيّ وقت يرى البرزاني ذلك من دون الرجوع لبغداد وعلى الحكومة العراقية المواقفة والاعتراف مباشرة بحسب شروط الاتفاق وهذا ما رفضته الحكومة الاتحادية بشكل كامل…
خلاصة القول إنّ الأيام كفيلة بكشف الحقائق، فإما أن تخضع الحكومة العراقية لشروط البرزاني ليصبح في العراق عملياً دولتان وللبرزاني حق الفيتو في كلّ ما يجري، بحسب هذه الشروط، أو أن يستمرّ البرزاني بالاستفتاء ويواجه بذلك بغداد وأنقرة وطهران، ومَن معهما من معسكر الرفض لتمادي البرزاني. وقد تصحّ مقولة البعض بأنّ الاستفتاء هبة من السماء لجهة إنهاء البرزاني سياسياً. ففي حال قيام الدولة ستصبح محاصرة بالأعداء وفي حال التراجع سيسقط داخلياً في كردستان، إلا إذا كسب من بغداد تنازلات جديدة، كما حصل منذ الاحتلال الى الآن…