لبنان والمنطقة: هضم الانتصارات والتسابق على صرفها
ناصر قنديل
– يمنح الفرقاء أنفسهم بعضاً من وهج انتصارات حلفائهم ويرسمون لها إطاراً للتصرف من موقع القوة، فتضعهم في حال الانفعال والتسرّع والتسابق والتنافس فالتصادم، فيبدأ وهج الانتصار المختلف على أبوته بالتبدّد، لكن المشاكل الجانبية الناتجة عن التنافسات والمصادمات تكون قد فعلت فعلها وصارت هي المشهد الرئيس الذي يصنع السياسة. وهذا ما يشهده لبنان في ضوء ما يطال سلسلة الرتب والرواتب وقانون الانتخابات النيابية من مخاطر، وما يهدّد الإنجازات المتضمّنة فيهما بالإجهاض. وهذا ما تشهده المنطقة مع الاستفتاء الكردي على الانفصال، ومخاطر ضياع الانتصارات على داعش في حمى الصراعات الجانبية.
– ما يقوله قرار المجلس الدستوري في نقض قانون الضرائب الملحقة بقانون سلسلة الرتب والرواتب عن مخالفات دستورية لا يكفي في الاستخفاف بها الحديث عن بند شكلي هو كيفية التصويت، بينما جوهر الأمر يتصل بالتأخر في إقرار الموازنة العامة وكشف الحساب، لتكون كلّ واردات الدولة وفقاً للدستور في صندوق واحد يتمّ الإنفاق منه، من دون ربط ضريبة بتمويل إنفاق بعينه، وهذا ما يعلمه المشرّعون الذين تهاونوا في هذا المبدأ الدستوري رهاناً على القدرة على توفير الحماية السياسية بعدم توفير فرص نيل الطعن بالقانون من عشرة نواب، لتأتي المفاجأة باكتمال عدة الطعن، والأخذ الحتمي بخيار إبطال القانون، والعودة بالقضية إلى المربع الأول، وهو ماذا نفعل بالسلسلة المستحقة، وكيف نعود للإقلاع بالموازنة التي نامت في الأدراج تفادياً لمعارك كشف الحساب؟
– التجربة والفشل، يقولان إنّ ما قاله رئيس مجلس النواب نبيه بري عن هوية المستفيد من الإبطال لقانون الضرائب صحيح، لكن الصحيح أيضاً هو أنّ ضعف جبهة الحلفاء قد منح المصارف فرصة تجميع عشرة نواب ونيل الإبطال للقانون بموجب الطعن، وليس سهلاً القول إنّ لوبيات المصارف تقف وراء قرار المجلس الدستوري. وضعف الحلفاء هنا هو نتاج التسابق والتنافس على كيفية صرف النصر على الإرهاب، بين ثنائي حركة أمل والتيار الوطني الحر، وضعف دور حزب الله في إدارة الخلافات داخل هذا التحالف، وهو ما يهدّد في حال استمراره بمزيد من التعقيد، ومزيد من التنافس في جبهة الخصوم السياسيين والاقتصاديين، الذين سيوزعون الابتسامات على الطرفين، ويعرضون خدماتهم، ليصير نصيب قانون الانتخابات النيابية شبيهاً بمصير قانون السلسلة، الإجهاض، ولكن من دون الحاجة للطعن والإبطال.
– في المنطقة، وبينما ملامح النصر النهائي على داعش والنصرة تبدو في الأفق، وتموضع الدول التي تورّطت في الحرب على سورية نحو ضفة التسويات، يخرج التوظيف الكردي المتسرّع للنصر، عن السياق ويهدّد بإخراج المنطقة كلها نحو مناخ جديد يهدّد فرص هضم انتصاراتها. فالأميركي الذي تقدّم كشريك في الحرب على داعش، ومعه البيشمركة، حصراً نصيبهما خارج معادلة الدولة العراقية لحساب، خلق ردع تفاوضي حول مستقبل المنطقة، فتصير المعادلة إما أن تكون نتيجة النصر على داعش بداية تفكك الكيانات الوطنية وتقسيمها، أو أن تخرج المنطقة من حرب فشلت في التحوّل لحرب مذهبية أو إتنية أو عرقية، إلى حرب ستتخذ حكماً هذا الطابع، وتحلّ حكماً بدلاً من الحرب على داعش في استنزاف جهود المنطقة وحكوماتها وشعوبها ومقاومتها بدلاً من توجيهها نحو «إسرائيل»، العدو الذي يرتجف خوفاً من أن يكون على لائحة الأهداف.
– في لبنان كما في المنطقة، يحتاج محور المقاومة إلى تصليب صفوفه وجبهته، ورسم سيناريوات توظيف انتصاراته بعقلانية بلا مبالغات، واحتواء التناقضات في صفوفه، أو تلك التي يفتعلها الآخرون لصرفه عن التحدّي الأصلي في المنطقة الذي تشكله «إسرائيل»، وسقوف ما تتيحه الانتصارات ليست مرتفعة، طالما بدائل حروب الاستنزاف لا تزال متاحة في الجعبة الأميركية، والنظام المصرفي في لبنان لا يختلف عن زعامة كردستان العراق، واجهة يقف الأميركي وراءها لخوض حروب استنزاف بديلة، وهو يلوّح لها بجزرة المكاسب، بينما قد تنزل عليها بسببه المصائب، لكن يجب أن يحدث ذلك ويتظهّر ببرود، وألا تقع قوى المقاومة بمرض الرؤوس الحامية.
– كلمات ونحن على ضفاف الانتقال من صناعة الصمود إلى صناعة النصر، وقبل التورّط في حروب الأخوة، وحروب الاستنزاف.