رئيس الجمهورية: لدينا إرادة قوية للحياة تُمكّننا من مواجهة المخاطر ولبنان سيبحث مع سورية مسألة عودة النازحين
يبدأ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اليوم زيارة دولة إلى فرنسا يتوّجها بلقاء قمة مع نظيره إيمانويل ماكرون إضافةً إلى مسؤولين فرنسيين آخرين، في زيارة هي الأولى له إلى العاصمة الفرنسية منذ تولّيه رئاسة الجمهورية، في خطوة «تعكس العلاقات المميزة بين لبنان وفرنسا»، بحسب مصادر الإليزيه.
يحفل جدول الأعمال «الباريسي» للرئيس عون بلقاءات ومناسبات عدّة تستمر طيلة الأيام الثلاثة التي يُمضيها في العاصمة الفرنسية. تُفتتح المحطة الباريسية للرئيس عون بعد ظهر اليوم من ساحة الرئيس شارل ديغول بحضور وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي، بحيث تقدّم له ثلّة من الحرس الجمهوري التحيّة ويضع إكليلاً ويُضيء الشعلة على قبر الجندي المجهول تحت قوس النصر وسط الساحة يغادر بعدها قوس النصر في موكب يتقدمه 150 خيالاً من الحرس الجمهوري الفرنسي وتواكبه 35 دراجة، ويعبر الموكب جادة الشانزيليزيه حتى تقاطع جادة مونتاين – الطريق المؤدية إلى قصر الايليزيه .بعد ذلك، يتوجّه الرئيس عون والوفد المرافق الذي يضمّ وزير الخارجية جبران باسيل، وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ووزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية بيار رفّول إلى قصر الاليزيه، حيث يعقد لقاء قمة مع الرئيس ماكرون يليه اجتماع موسّع يُشارك فيه الوفد اللبناني الرسمي ويُختتم بمؤتمر صحافي مشترك ثم عشاء دولة مع تبادل كلمات رسمية في القصر الرئاسي في حضور 220 مدعواً.
وقبل ذلك، سيشارك الرئيسان عون وماكرون في تدشين معرض «مسيحيو المشرق ألفان عام من التاريخ» الذي يُقيمه معهد العالم العربي الذي دعت إليه إدارته الكثير من الشخصيات الدينية المشرقية وغير المشرقية.
وصباح غد الثلثاء، يجتمع الرئيس عون مع وزير الخارجية جان – ايف لودريان قبل أن يتوجّه الى مقر بلدية باريس، حيث يقام له استقبال رسمي بحضور عمدتها آن ايدلغو وعدد من أعضاء الجالية اللبنانية، يليه غداء رسمي مع رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه على أن يجتمع برئيس الوزراء ادوار فيليب في الخامسة عصراً ويعرضا التطورات والقضايا ذات الاهتمام المشترك.
أما مساء اليوم نفسه ، فيُخصص الرئيس عون لقاءً مع الجالية اللبنانية يُقيمه سفير لبنان رامي عدوان. ويختتم محطته الباريسية الأربعاء بلقاء مع رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية فرنسوا دو روجي.
وكان العلم اللبناني رفع أمس، على جادة الشانزيليزيه في باريس، لمناسبة زيارة الدولة التي يقوم بها الرئيس عون اليوم إلى فرنساو رفعت في شوارع العاصمة الفرنسية باريس، الأعلام اللبنانية إلى جانب الأعلام الفرنسية وعلى المقار الرسمية الفرنسية، احتفاء بالزيارة.
وقد أبرزت وسائل إعلام فرنسية وقائع الزيارة، ونشرت أحاديث للرئيس عون تناول فيها مواقف لبنان من الأحداث الراهنة وتطوراتها.
وأكد رئيس الجمهورية خلال حديث شامل أجرته معه مجلة Valeurs Actuelles الفرنسية أن لدى اللبنانيين إرادة الحياة، وبإمكانهم التغلب على التهديدات المحيطة كافة، مشيداً بالعملية العسكرية التي نفذها الجيش اللبناني، والتي تكللت بالنجاح في طرد التنظيمات التكفيرية من «داعش» و «النصرة» من الأراضي اللبنانية، كما لفت إلى ضرورة أن يكون اللبنانيون على جهوزية تامة للدفاع عن أنفسهم، بالتوازي مع الجهوزية التامة لدى الأجهزة الأمنية التي فكّكت شبكات إرهابية وأوقفت الكثير من الناشطين الإرهابيين قبل قيامهم بأي إخلال بالأمن.
ولفت إلى ما ينتظره من الزيارة إلى فرنسا وقال: «إن العلاقات قوية وقديمة بين البلدين، ولبنان يشكل بوابة الشرق الأوسط بالنسبة إلى فرنسا وسائر الدول الأوروبية، وهنالك آفاق كثيرة للتعاون يمكن التطرق إليها على الصعد الثقافية والاقتصادية والسياسية وحتى الأمنية».
أما عن السبب الذي يقف خلف «صلابة اللبنانيين» بعد اجتياح لبنان مرتين خلال 30 عاماً، أجاب الرئيس عون: «إنكم تتحدثون بالطبع عن الاجتياحات «الإسرائيلية» والجواب سهل، نحن شعب لديه إرادة الحياة. إن اللبنانيين متحدون وباستطاعتهم ان يتغلبوا على التهديدات كافة. نحن لا نعيش في منطقة آمنة، هنالك الحرب في سورية ومن الجهة «الاسرائيلية» هنالك اعتداءات دورية، نحن علينا دائماً أن نكون في حالة جهوزية للدفاع عن انفسنا.»
وأضاف: «منذ بضعة أيام قام «الإسرائيليون» باعتداءات عدة، أولها انتهاك مجالنا الجوي بقصف مواقع سورية. وفي بداية أيلول قاموا بمناورات حربية كانت لها بعض الارتدادات على مدينة صيدا، كذلك فإن الطائرات «الإسرائيلية» خرقت جدار الصوت فوقها على علو منخفض، كل هذا يؤدي إلى أضرار لدى السكان. ونحن تقدمنا بشكوى لدى الأمم المتحدة ونأمل باتخاذ تدابير ضد هذه الاعتداءات المتكررة والتي تشكل أخطار نزاع».
وشرح رئيس الجمهورية وضع اللبنانيين المنتشرين في الخارج ودورهم في ظل قانون الانتخاب الجديد، إضافة إلى دور المرأة ودعوتها لتكون أكثر حيوية في الحياة السياسية، فأوضح أن اللبنانيين المنتشرين في الخارج «لديهم اختبارات رائعة يمكن أن يتشاركوا معنا بها، إنهم مندمجون في الدول التي يقيمون بها، وهم في الوقت عينه أمناء وأوفياء لأرضهم الأم». وتابع: «أودّ أن أدعوهم لأن يشاركوا في عملية النمو السياسي والثقافي والاقتصادي في لبنان، الأمر عينه بالنسبة إلى المرأة التي تمثل نصف المجتمع وفي المجتمع المسيحي للمرأة حرية وانفتاح على القوانين المتطوّرة وتم إلغاء الفروقات القانونية والتمييز الجنسي بين الذكر والأنثى. وهذا أمر ليس بشامل بالنسبة للطوائف كافة في لبنان وإننا نلحظ في الجامعات أن المرأة تأتي في طليعة اللواتي ينجحن، وما يمكن أن يقدّمنه للتطور هو أمر هائل جداً، إلا أنني معارض لفكرة الكوتا النسائية، وأتمنى في المقابل على النساء أن يقتحمن مختلف المجالات ويرتفعن بجهودهن الخاصة».
وفيما يتعلّق بمكافحة الإرهاب شدّد الرئيس عون على أن «الأجهزة الأمنية تقوم بعمل رائع جداً، ولديها معلومات دقيقة وجيدة، وقد تمّ تفكيك عدد من الشبكات. وفي كل يوم أجهزتنا توقف مَن يحاول القيام من الناشطين الإرهابيين بأي عمل إرهابي في لبنان. وأضاف: معظم قادة «داعش» في لبنان تمّ توقيفهم الأمر الذي سمح لنا في ما بعد أن نوجه عمليات عسكرية ضدهم».
وفي السياق نفسه تابع عون قائلاً: «طرد «داعش» من لبنان أتى بفضل الوحدة الوطنية التي أتاحت ذلك، لأن ما يسمى بـ «داعش» هو نقيض الحضارة. إن المسلمين اللبنانيين لا يريدون ولا يؤيدون هذا التنظيم الذي يعود إلى أفظع أشكال البربرية، والمسيحيين والدروز والشيعة والسنة كلهم يرفضون «داعش».
وعن رؤيته لحل أزمة النازحين واللاجئين في لبنان، رأى رئيس الجمهورية «أن الحل يكون عبر عودتهم، فهؤلاء قدموا إلى لبنان بأعداد كبيرة بطريقة غير شرعية، وهم باتوا يشكلون 50 في المئة من مجمل سكاننا»، مؤكداً في معرض ردّه على سؤال حول إمكان التعاون مع الحكومة السورية لمعالجة أزمة النازحين أن «لبنان سيبحث مع سورية مسألة عودة النازحين، وهنالك مشاورات قيد البحث، والحكومة السورية أعادت السيطرة على 82 في المئة من المساحة الجغرافية للدولة السورية والمعارضون القدامى تصالحوا معها».
كذلك اعتبر رئيس الجمهورية أن «الحرب ستنتهي قريباً ويبقى أن نصل إلى حل سلمي للأزمة»، مشيراً إلى اعتقاده بأن «الرئيس السوري بشار الاسد سيبقى، وأن مستقبل سورية يجب أن يُحدّد بينه وبين شعبه، وان الحكومة السورية تسعى إلى مصالحة مَن قاتلها كما أن المصالحة الوطنية تلوح في الافق»، آملاً أن تستمر هذه المسيرة.
ورداً على سؤال حول زيارته كأول رئيس دولة يزور فرنسا في عهد رئيسها الجديد، لفت الرئيس عون إلى أنه سيعزز مع الرئيس ماكرون علاقات الصداقة وسبل الدعم المتبادلة في المسائل الدولية التي تهم البلدين، مشيراً إلى أن «فرنسا هي الدولة الأفضل أوروبياً لإعادة إطلاق الشراكة الأورو-متوسطية، وإلى أن لبنان يمكنه لعب الدور نفسه في الشرق الأوسط».
وخصصت مجلة «باري ماتش»، من جهتها، في عددها أمس ، ست صفحات للحديث عن الرئيس عون وزيارته المرتقبة الى فرنسا ورمزيتها كأول رئيس جمهورية يقوم بزيارة فرنسا في عهد الرئيس ماكرون. وشدد الرئيس عون خلال المقابلة على أن الرئيس سعد الحريري شخص معتدل وتربطه به علاقة ثقة، وقال رداً على سؤال: «على عكس ما يقوله البعض فإننا لم نشهد أي تدخل ايراني في الشؤون الداخلية اللبنانية، وهذا أمر قد يصعب تصديقه عند البعض ولكنه الواقع».
وعن رؤيته للأزمة السورية، اعتبر رئيس الجمهورية أن «الحرب ستنتهي قريباً ويبقى أن نصل إلى حل سلمي للازمة»، مشيراً إلى اعتقاده بأن «الرئيس السوري بشار الأسد سيبقى وأن مستقبل سورية يجب أن يتم الاتفاق عليه بينه وبين شعبه.»