استفتاء البرزاني والشطرنج الثلاثي!؟
نظام مارديني
تكشف دعوة البرزاني إلى الاستفتاء اليوم بأنّه مشروعهُ وحده، وغاب عنهُ.. حاليّاً على الأقلّ، تأييدُ أهمّ فريقَين في الإقليم «الاتحاد الوطني الكردستاني»، و»حركة «التغيير». في هذه اللحظة المفصلية تأتي دعوة البرزاني للاستفتاء كتكملة لتصريحاته عن ضرورة تجديد «سايكس بيكو»، الذي يعطي الوعود لإنشاء دولة كرديّة كما ودولة سنّية على حساب دِماء العراقيّين. وقد دعا البرزاني، في أوّل كانون الثاني 2016 بحسب صحيفة «الغارديان»، العالم للاعتراف بإخفاق «سايكس بيكو» التي رسمت الحدود في الهلال السوري الخصيب، وطالب باتفاق جديد يمهّد الطريق لدولة كرديّة. وقال لصحيفة «الحياة» في 7/2/2015: «إنّ الحدود الجديدة في المنطقة تُرسَم بالدم داخل الدول أو بينها».
ومن الضروري هنا تقديم مقاربة موضوعيّة بين استفتاء كردستان العراقيّة، الذي قوبل بتصريحات حكوميّة مائعة وهلاميّة في البداية، وبين الدّعوة إلى استفتاء كاتالونيا الإسبانية الذي قوبل بردّ فعل حكوميّ قويّ، حيث اعتبر رئيس وزراء إسبانيا ماريانو راخوي أنّ الدّعوة إلى الاستفتاء في كاتالونيا «يشكّل حركة عصيان غير مقبولة على المؤسسات الديمقراطية». وفي وقت أعلنت فيها النيابة العامّة الإسبانية، أنّها ستباشر ملاحقات قضائيّة بحقّ قادة إقليم كاتالونيا إثر دعوتهم لاستفتاء حول حقّ تقرير المصير، استتبعت ذلك الحكومة الإسبانية بإرسال تعزيزات عسكرية لضمان عدم إجراء الاستفتاء هناك.
والغريب أنّ الاستفتاء في كاتالونيا قرّره برلمان الإقليم هناك، أمّا في العراق فقرار الاستفتاء لم يتّخذه برلمان الإقليم المعطّل منذ سنتين، بل البرزاني فقط، وبعدها جاء تصويت برلمان الإقليم ليعطي شرعيّة منقوصة للبرزاني المنتهية ولايته.
إنّ السياسة التي اتّبعها البرزاني تشبه تلك الفكرة التي طرحها العالم العراقي صائب خليل الراوي حول مبدأ الشطرنج الثلاثي، حيث يتصارع ثلاثة لاعبين، يحاول كلّ منهم أن يقضي على رسيليه. فما الذي يضيفه وجود اللاعب الثالث من تأثير على الصراع بين الطرفين الآخرين؟
ما هي الاستراتيجيّة السليمة إذن في الشطرنج الثلاثي؟ أن تترك اللاعبين الآخرين يتقاتلان، وأن تكون «اللاعب المتفرّج»! فمهما كانت نتيجة الصراع، فستكون أنت الرابح الحقيقي!
وهكذا اتّبع البرزاني هذه الاستراتيجية، حيث بقي متفرّجاً في الصراع الدموي بين الدولة العراقيّة وتنظيم «داعش». طبعاً كانت هناك مواجهات في المناطق التي سيطر تنظيم داعش رغم أنّ معلّمهم الأميركي واحد .
لقد تصوّرت الدولة العراقية أنّها ربحت المعركة في الموصل وتلّعفر على «داعش»، ولو كانوا يلعبون الشطرنج الاعتيادي لكان تصوّرهم صحيحاً، لكنّهم لم ينتبهوا لوجود «اللاعب الثالث» المتفرّج وهو البرزاني، الذي كان يضحك في سرّه من ذلك الانتصار. فهو من جهة كان يقضم الأراضي كقضاء شيخان العائم على بحر من النفط، ويساعد في تهريب الـ»دواعش» بإشراف أميركي من جهة ثانية، ولسان حاله يقول: «القوي هو الذي يفكّر أن يبدأ حرباً»، ليس «هل سأنتصر في الحرب أم لا؟» وإنّما هو «هل سأربح شيئاً من هذه الحرب أم سأخسر؟».
لا شكّ أنّ البرزاني وحزبه لا يتحمّلان وحدهما مسؤولية ما ستؤول إليه الأوضاع، بل وتتحملها معهما الحكومة العراقيّة وكلّ من ساهم بالسكوت أو تجنّب اتخاذ موقف واضح أو إجراء قانوني. هو تواطؤ وهرب من تحمّل المسؤولية، وربما يرقى إلى مصاف الخيانة.
كذلك، فإنّ اللجوء إلى التحريض ضدّ هذه الجماعة من أبناء شعبنا، لا تعبّر عن حسّ بالمسؤولية، وهي خير هديّة للعنصريّين والشوفينيّين من الكرد والعرب والتركمان.