الرهان الخاطئ… النتائج الكارثيّة

د. فيصل المقداد

نائب وزير الخارجيّة السوريّة

لم يكن الشعب السوري ولا القيادة السوريّة بحاجة إلى انتظار محاضرة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في جامعة هارفرد، حتّى يتعرّفوا إلى الدور الذي قامتْ به تركيّا والإمارات العربيّة المتحدة وقطر والسعوديّة وغيرها في تمويل وتسليح وإيواء وتمرير المجموعات الإرهابيّة المسلّحة. لا أحد يمكنه تضليل الشعب السوري، ولا أحد يمكنه تضليل العرب، أو بعض العرب، طيلة الوقت.

منذ اليوم الأوّل للتمثيليّة المعروفة بتاريخ 17 آذار 2011، كان شعبنا يعي أنّ المسرحيّة قد بدأت، وأنّ كاتب السيناريو ومخرج المسرحيّة هو إسرائيل ومن يقف خلفها من أزلام لها يسمونهم رؤساء دول ورؤساء وزارات في أوروبا وغيرها. ولم يكن ذلك خافياً على القيادة السوريّة التي حدّدت آنذاك وما زالت تكرّر الآن، أنّ ما جرى في سورية وهو مستمرّ الآن، يأتي في إطار تحقيق الأحلام الصهيونيّة التي لا تقف عند حدود، لأنّها تُريد أرض العرب والقضاء على حضارة العرب وفرض الهيمنة المطلقة على بترول العرب وثروات العرب الأخرى وإذلال العرب وتشويه أديان العرب، وفي المحصلة ذبح العرب من قِبَل العرب.

قد يردّ البعض على هذا الكلام، ويقول وماذا عن الإصلاح؟! فنقول لهذا البعض ولأولئك الذين تمترسوا في فنادق النجوم الخمس ومَن والاهم داخل سورية وخارجها، وأغلبهم بطبيعة الأحوال خارجها، إنّ الإصلاح والسعي إلى تحسين أوضاع السوريين الاقتصاديّة والسياسيّة والعمرانيّة لم يكن بالنسبة لهم الهدف الأساسي الذي تسعى المعارضة السوريّة ـ إن وُجدت ـ إلى تحقيقه؟ ألم تشهد سورية قبل 17 آذار 2011 نهضة حضاريّة رائعة في أرجائها جميعاً، والتي أصبحت تمثّل قبلة للعرب في العلوم والاستثمار والاقتصاد والحريات السياسيّة تلبيةً لحاجات وتطلعات الشعب السوري؟ ألم ترتفع صروح العلم والمعرفة في كل مدينة وقرية من قرى ومدن سورية، وتنتشر المدارس والجامعات والمستشفيات التي تقدّم خدماتها المجانيّة لكل السوريين ولكثير من العرب، لتصبح سورية مركزاً للإشعاع العلمي والحضاري والإنساني؟ هذه حقائق سجّلتها الأمم المتحدة والهيئات الدوليّة الأخرى، بل وفرادى الدول الأوروبيّة واتحادها، وعلى من يشكّك في صحّة هذه المعلومات أن يُراجع سجلات الاتحاد الأوروبي وشهادات قادة أوروبا والولايات المتحدة واليابان وكل من يحاول الآن تزوير الحقائق والدفع بالسوريين إلى احتراب لا نهاية له. ناهيك عن ذلك، ألم تنجز القيادة السوريّة إصلاحات دستوريّة واجتماعيّة وإنسانيّة وإعلاميّة وسياسيّة وإجراءات في مجال تعزيز التعدديّة الحزبيّة والديمقراطيّة قبل الأحداث وبعدها؟

وعود على بدء، إنّ الإنجاز الأساسي الذي حققته سورية بفضل وعي شعبها وحكمة قيادتها هو ذلك الجيش العظيم الذي يمثّل الخطر الأكبر على مشاريع إسرائيل وداعميها، ولذلك كان هذا هو الهدف الذي أراد الأعداء الوصول إليه لإضعاف صمود سورية وتشتيت جهودها. ولينظر من له عينان تريان، وأذنان تسمعان ما حدث.

من دون أحكام مسبقة لأيّ فهم خاطئ في أننا نحاول فرض قناعاتنا على الآخرين، فإنّنا نقول إنّ ما يُسمّى المعارضة السوريّة تتواصل بشكل مباشر وعلى الملأ مع إسرائيل ، وبعض قادتها ممن لا شرف ولا كرامة لهم يزورون إسرائيل وكأنّهم عائدون إلى منازلهم. أمّا المعارضة المعتدلة مما يُسمّى الجيش الحر و جبهة النصرة و الجبهة الإسلاميّة وأسماء قد نعرفها أو لا نعرفها لتنظيمات إرهابيّة تابعة للقاعدة ارتكبت جرائمها في وضح النهار عندما هاجمت الدفاعات الجويّة السوريّة كافّة، ومعظم أماكن تجمّع قوّات الجيش العربي السوري على الجبهة مع إسرائيل بدعم من الجيش الإسرائيلي بما في ذلك الاستيلاء على مواقع قوّة الأمم المتحدة لفض الاشتباك. وعندما كانت عناصر هذه التنظيمات تسقط جرحى نتيجة لدفاع عناصر الجيش العربي السوري عن أرضها وشرفها وسيادة سورية ووحدة أرضها، كانت إسرائيل تقوم فوراً بنقل هؤلاء الإرهابيين وهم بالآلاف إلى مستشفياتها كي تعالجهم وترسلهم مرّة أخرى لقتل بواسل الجيش السوري وتأمين خطوط جيشها الذي لم يعد يقف أمامه سوى الجيش العربي السوري. هل دفعت الحكومة الإسرائيليّة ملايين الدولارات لإعادة تأهيل هؤلاء الخونة كرمى لحياتهم، أم كرمى لدمار سورية؟ على كلّ، لم تعلن إسرائيل ما إذا كانت تُعالج هؤلاء بناءً على خط حساب جارٍ تغطّي تكاليفه السعوديّة ودول خليجية أخرى.

الصورة واضحة جدّاً، فدول عربيّة تقوم بالتفاوض مع جبهة النصرة الإرهابيّة لإطلاق سراح عناصر الأمم المتحدة، وتقوم هذه الجهة أو الجهات العربيّة، بدفع عشرات الملايين من الدولارات للمجموعات الإرهابيّة لإطلاق سراح المراقبين الدوليين بما يرتقي إلى شكل واضح من أشكال تمويل الإرهاب، إذ علمنا من مصادر في الأمم المتحدة أنّ دولة عربيّة صغيرة في حجمها قد دفعتْ أخيراً خمسة وعشرين مليون دولار لإطلاق سراح العناصر الفيجية التي اعتقلتها جبهة النصرة .

نعم، نحن لسنا بحاجة إلى أن يخرج نائب الرئيس الأميركي أخيراً ليقول بكلّ ثقة بالنفس وأمام طلبة جامعات ومختصين أكاديميين يفهمون كلّ كلمة ببعديها الوطني والدولي ليقول حرفيّاً:

«ماذا فعل السعوديون والإماراتيون؟ كانوا مصمّمين على إسقاط «النظام السوري» وخلق حرب سنّية شيعية بالوكالة، فوزّعوا مئات ملايين الدولارات وآلاف الأطنان من السلاح على كلّ من أراد أن يُقاتل ضدّ النظام . لكن من كانوا يُزوّدون بالسلاح فعليّاً هم جبهة النصرة والقاعدة وعناصر متطرّفة من الجهاديين الآتين من باقي أنحاء العالم .

لم يرتجف بايدن وهو يقول هذا الكلام الخطير حول حلفاء الولايات المتحدة الأميركية، ولم يتهدّج صوته إطلاقاً، بل قال ذلك وأكثر وهو يمسك بزمام كلّ كلمة يقولها وكلّ حركة يقوم بها. أمّا عن رئيس الوزراء التركي السابق رجب طيّب أردوغان، فقد نقل بايدن عن الرئيس التركي الجديد رجب طيب أردوغان الآن اعترافه بأنّ أجهزته سمحتْ بدخول عدد كبير من المقاتلين عبر الحدود . والسؤال هو إذا كان الأميركيون على أعلى مستوياتهم يقولون إنّ بعض الدول العربيّة هي التي تدفع المال وتقدّم السلاح لمن هبّ ودبّ من الإرهابيّين لقتل أشقائهم السوريين، فلماذا وبذريعة أي سبب تقوم الدول العربيّة وغيرها بهذه المهمّة التي لا مبرّر لها أخلاقيّاً أو سياسيّاً؟ والجواب على ذلك هو أنّ هذه الأنظمة تنفّذ بحقدها الدفين مؤامرة صهيونيّة على سورية في إطار تبعيتها لـ إسرائيل من جهة، وهي من جهة أخرى لا تُريد لسورية أن تكون المثال أمام العرب، جميع العرب، في توجّه المنطقة إلى عزّها ومجدها. إنّ هؤلاء الأعراب وغيرهم من التوّابين لا يمكن تشبيههم إلّا بالمخلوقات المفترسة والتي لا حدود لوحشيتها وحقدها.

لم تتوقّف هذه المسرحيّة عند إعلان نائب الرئيس الأميركي بايدن الذي اعترف فيه بالتورّط العرباني والتركي في قتل السوريين ودعم هؤلاء لـ داعش وغيرها والوقوف مكرهاً أمام شعبه لشرح ما جرى ويجري. على الأقلّ، في الحالة الأميركيّة، هناك من يستغلّ أيّة مناسبة أو يفتعل المناسبة لكي يوصل إلى شعبه حقيقة ما يجري وقد تكون كلّ هذه المحاضرة لقول تلك الكلمات التي وردت أعلاه. وسواء تمّ ذلك في إطار الشفافية التي يضطر الغربيون إلى ممارستها لرفع أيديهم عن أيّة شبهة بدعمهم للإرهاب، وبخاصّة عندما يصل الأمر إلى قطع رقاب أميركيين على يد داعش والتنظيمات الإرهابيّة الأخرى أو لشرح حقيقة ما يجري، فإنّ بايدن وإدارته لم يتراجعوا في اتصالاتهم مع الأتراك والسعوديين والإماراتيين عن جوهر ما تمّ التصريح به. لكن ما لا يمكن تفسيره تحت أي عنوان كان هو بأي وجه يطالب هؤلاء الأعراب والأتراك باعتذارات أميركيّة، وخصوصاً أنّ الحالات التي يعترف بها المسؤولون الأميركيون بالخطأ ليست ممارسة دائمة، على رغم أنّ الأخطاء التي يرتكبونها تستحق اعتذارات مستمرّة لأنّهم لم يتركوا شعوب العالم تعيش من دون تدخّلهم وإملاءاتهم وهيمنتهم. وإذا كانت الحكومة التركيّة ونظام آل سعود وغيرهما قد أعلنوا على الملأ ومن دون خجل أنّ هدفهم هو تغيير الأنظمة السياسيّة لتناسب مصالحهم ومصالح أسيادهم والتي تنص المواثيق الدوليّة، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة، أنّها مخالفة للقانون تستحق الإدانة الدوليّة وتمثّل تدخّلاً سافراً ومرفوضاً في الشؤون الداخليّة للدول. إنّ الذين يجب عليهم الاعتذار، ولسورية بالذات أوّلاً، وللمجتمع الدولي النظيف وغير المتورّط في دعم الإرهاب بمعناه الواسع ثانياً، هم كل أولئك الذين ساهموا في تمويل الإرهاب ودعم مجموعاته وتسليحها.

لم ينشأ التطرّف من فراغ. ولم تهبط التنظيمات الإرهابيّة من السماء لأنّ السماء ضدّ ذلك أصلاً. إنّ للقاعدة أباً وأماً قاما برعاية هذا الإرهاب واحتضانه وإرضاعه حليب الحقد والذبح وتربيته على القتل والإجرام. وفي وقت كان النظام السعودي وحكّام الخليج الآخرون المتورّطون في المأساة السورية يعتقدون أنّ دعمهم للإرهاب بالسلاح والمال على حساب شعوب هذه البلدان على الأقلّ لأنّهم يعتقدون أنّ ذلك يرضي أسيادهم في البيت الأبيض والبنتاغون ووكالة الاستخبارات الأميركيّة، إلّا أنّ منطق العمالة خانهم هذه المرّة لأنّ السيّد الأميركي وجد أنّ هذا الإرهاب بدأ يرتدّ عليه من خلال المناظر المروّعة لقطع رؤوس الأميركيين والأوروبيين الذين كانوا قد عانوا من أحداث أيلول عام 2001 حيث كان 15 إرهابيّاً من أصل 17 قاموا بتنفيذ العمليات الإرهابيّة في واشنطن وبنسلفانيا من جنسيّة سعوديّة.

السيّد الأميركي لا يرحم حتّى أقرب حلفائه، أو في حالة بعض دولنا العربيّة وبعض القادة العرب في الخليج عندما يتجاوزون الحدود المرسومة لهم وتؤدّي ممارساتهم إلى الإضرار بالأميركيين والغربيين ولو كان ذلك، كما هي العادة، من دون قصد. وليفهم أردوغان وآل سعود وغيرهم المعنى الحقيقي لما قاله جو بايدن، فهو لم يعتذر لأنّه حدّد بدقّة حقيقة ما حدث، بل لأنّ ما قاله أصبح معلناً وأصاب عملاء بلاده بخيبة أمل. نعم، إنّه يراعي مشاعر هؤلاء وأموالهم المودعة في البنوك الأميركيّة وتبرّعاتهم السخية جدّاً لإنجاح السياسات العدوانيّة الأميركيّة في أنحاء العالم. إنّ جو بايدن الذي قدّم بإعلانه خدمات لبلاده ومصالحها لا يجرؤ، كما يفعل هؤلاء الحكّام، على تضليل شعبه دائماً بل يقول الحقيقة للشعب الأميركي عندما تقتضي المصلحة الشخصيّة والوطنيّة ذلك، لكنّه لا يجرؤ على أن يكذب على شعبه كثيراً كما يفعل هؤلاء العربان والعثمانيون الجدد.

لقد صرّح رئيس وزراء أستراليا أمام برلمان بلاده أنّ إرهابيين من ثمانين بلداً انضمّوا إلى الجهاد في صفوف داعش ، واعترف أنّ منهم ستين أسترالياً شاركوا في الحرب الإرهابيّة في العراق وسورية. كما أعلن رئيس الوزراء البريطاني أنّ أكثر من خمسمئة بريطانياً شاركوا في القتال في سورية والعراق. وصرّح وزير الداخليّة الفرنسي، الذي يخوض رئيس بلاده ووزير خارجيتها حرباً لا هوادة فيها إلى جانب الإرهابيين والقتلة ضدّ سورية، أنّ ما يزيد عن الألف فرنسي يقاتلون إلى جانب المتطرّفين من داعش و جبهة النصرة و الجيش الإرهابي الحر وأبناء وأصدقاء تنظيم القاعدة الآخرين. والآن يعلن هؤلاء من دون أي خجل أنّهم يؤمنون بمبدأ نفعي جديد هو أنّه ليس بالضرورة أن يكون عدو عدوي صديقي لتبرير جرائمهم ضدّ سورية وشعبها وحكومتها التي تتصدّى للإرهاب منذ أكثر من ثلاث سنوات نيابةً عن البشريّة ولإظهار عدم اعترافهم بحقيقة ما جرى من جرائم اقترفوها ضدّ الشعب السوري. أمّا تحالف أدواتهم مع داعش و جبهة النصرة في المنطقة، فإنّه لا يخجلهم ولا يستحق أي اعتذار من شعب سورية الذي كان الجبهة الأساسيّة لمكافحة الإرهاب طيلة السنوات الماضية. ولم تكن لديهم الجرأة أو التواضع اللازم للاعتذار للشعب الأميركي أو للشعب البريطاني بسبب ذبح حلفائهم الإرهابيين لمواطنين أميركيين وبريطانيين!

لقد أشرنا في مقالاتنا السابقة إلى أنّ التحريض الإعلامي الذي قامت به بعض القيادات الأوروبيّة ضدّ سورية وممارسة الضغط بذلك التضليل بصورة مفتعلة في المنتديات الدوليّة بما في ذلك في مجلس الأمن، ومجلس حقوق الإنسان، والجمعية العامّة للأمم المتحدة قد ساهم بشكل كبير في دفع الآلاف من الإرهابيين الذين قدّرتْ أجهزة الأمن الغربيّة عددهم بما يفوق 15 ألف إرهابي، للقدوم إلى سورية والعراق وليبيا واليمن ولبنان ومصر وأماكن أخرى من العالم. وإذا كان هؤلاء الرؤساء ورؤساء الوزارات ووزراء الخارجيّة كانوا قد تورّطوا في هذه الحرب الإرهابيّة على سورية نتيجة تآمرهم مع حكّام السعوديّة وآخرين، فلا شك أنّهم كانوا في قمّة الغباء، ولذلك فإنّه عليهم أن يعوا أنّه لا يمكنهم أكل لحم كلّ الطيور لأنّ بعضها مرّ وقاسٍ. وإذا كانوا يعتقدون أنّه كان بإمكانهم إسقاط القيادة السوريّة بالتهديد والتشهير وعقد المؤتمرات وشراء الضمائر والمرتزقة فإنّهم كانوا على خطأ كبير وأنّهم قاموا بتبذير أموال شعوبهم من دون طائل. لم تكن دمشق ذلك الطائر الضعيف الهزيل الذي يستطيع المغامرون اصطياده بسهولة، فالنسر السوري يأبى الاستسلام ويقاوم النيل منه وإضعافه، وكان الوضع يستدعي من هؤلاء مراجعة مواقفهم والتخلّي عن سياستهم بدل الانغماس في دعم الجيش الإرهابي الحرّ ، عندما كان على قيد الحياة، أو دعم جبهة النصرة ابنة القاعدة التي يدعمها أردوغان وبعض حكّام الخليج وآخرين لا يستحقّون ذكرهم من مموّلين ومتطرّفين وجمعيّات خيريّة لا خير فيها.

هنالك الآن كما يقول الوزير سيرغي لافروف دلائل متزايدة على التناقض بين الحاجة إلى جهود مشتركة لصالح رسم ردود كافية على التحديات التي تهمّ الجميع، وتطلعات عدد من البلدان للهيمنة وإحياء التفكير المتداعي حول الأحلاف القائمة على مبدأ التدريب العسكري والمنطق الخاطئ الذي يقول إمّا عدو أو صديق . فالحلف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة ويصوّر ذاته على أنّه بطل الديمقراطيّة وحكم القانون وحقوق الإنسان في فرادى الدول، يتصرّف من مواقع متناقضة بشكل مباشر على الساحة الدوليّة. فهذا التحالف يرفض المبدأ الديمقراطي المتعلّق بالمساواة في السيادة بين الدول الذي يؤكّده ميثاق الأمم المتحدة من خلال محاولة هؤلاء اتخاذ القرار نيابةً عن الجميع بما هو خير وما هو شر. فواشنطن أعلنتْ على الملأ حقّها باستخدام القوّة بشكل أحادي الجانب في كل مكان للحفاظ على مصالحها. وهكذا أصبح التدخّل العسكري هو السائد على رغم النتائج المخيبة لكل العمليات العسكريّة التي نفّذتّها طيلة الأعوام الأخيرة.

ويضيف الوزير لافروف، إنّ استدامة النظام الدولي قد تعرضت لهزّات شديدة من خلال قصف الناتو ليوغسلافيا والتدخّل في العراق والهجوم على ليبيا وفشل العلميات في أفغانستان، وأنّ هنالك انطباعاً بأنّ هدف العديد من الثورات الملوّنة ومشاريع أخرى لتغيير الأنظمة غير المناسبة هو إثارة الفوضى واللا استقرار. إنّ سياسة توجيه الإنذارات وفلسفة التفوّق والهيمنة لا تنسجم مع متطلبات القرن الحادي والعشرين وتتناقض مع عمليات التطور الموضوعي للنظام الديمقراطي الدولي.

إنّ النظام الدولي الظالم وغير الديمقراطي السائد حالياً والذي لا يتناسب مع متطلبات عالم اليوم الملحّة، لا يمكن استبداله بنظام يقوم على الفوضى وفرض الهيمنة أو من خلال التسامح مع الإرهاب أو مع من يدعم الإرهابيين ويقوم بتسليحهم والتحالف معهم وتسديد فاتورة القتل وسفك الدماء في سورية وغيرها من بلدان المنطقة، وإذا كان المعسكر الغربي قد حقق إنجازاً في نهاية الثمانينات من القرن الماضي ضد المعسكر الآخر، فإنّه لا يمكن استخدام الآليات نفسها للقضاء على أنظمة وطنيّة في مناطق أخرى اختارتها الشعوب وقامت بالتصويت لها في انتخابات ديمقراطيّة شفّافة، لتنفيذ الغايات نفسها. فالأوضاع في الدول النامية تختلف عن الأوضاع في بلدان أوروبا الشرقيّة، وإذا أرادت الدول الغربية حسم الأمور في منطقتنا لوضع مقدرات شعوبنا بشكل نهائي تحت تصرّف الحركة الصهيونيّة العالميّة و إسرائيل وضمان ولاء أنظمتنا السياسيّة للمصالح الغربيّة، فإنّها تخطئ وهي قد أخطأت، عندما حاولت فرض حركات تغيير متخلّفة ومرفوضة جماهيرياً. وهذه هي النتيجة التي تتحمّل هذه الدول الغربيّة مسؤوليتها حيث ارتكبت أدوات الغرب من الجيش الإرهابي الحر وجبهة النصرة والثوار الآخرين جرائم ضد الإنسانيّة. وإذا كانت بعض الدول الغربيّة ما زالت تصر على وصف هؤلاء بالثوار أو بالمجموعات المسلّحة المعتدلة وأسماء أخرى ما أنزل الله بها من سلطان، فإنّها هي التي يجب أن تتحمّل مسؤوليّة سفك هذه الدماء أمام شعوب ودول العالم وأمام التاريخ. وإذا استمر هذا النمط العدواني من قِبَل الدول الغربيّة في إدارة شؤون عالم اليوم، فإنّه لن يعني إلّا انقضاضاً على النظام العالمي الذي توافقتْ عليه دول العالم، كبيرها وصغيرها، بعد الحرب العالميّة الثانية.

إنّ لجوء بعض فرادى الدول والتنظيمات الإقليميّة إلى فرض إجراءات أحادية الجانب تتناقض مع ما ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة وخصوصاً في مجالات احترام سيادة الدول وعدم النيل من وحدة أرضها وشعبها وفرض عقوبات اقتصاديّة أو سياسيّة من خارج آليات الأمم المتحدة يمثّل أكبر انتهاك للميثاق وأكبر ضرر للمواطنين العاديين الأبرياء.

وطالما أنّ تركيّا تتحدّث الآن عن فرض إجراءات قسرية تتعلّق بإقامة مناطق عازلة في سورية والعراق بالتعاون مع دول أخرى بما في ذلك مع مستعمر سورية القديم فرنسا، والتي كانت أصلاً قد سلخت من سورية جزءاً غالياً من أرضها، فإنّنا نؤكّد من حيث المبدأ أنّه سيكون لذلك ثمناً كبيراً دوليّاً وإقليميّاً. وسنكتفي الآن بالإشارة إلى موقفين يجب أن يفكّر بهما النظام التركي وحليفه الفرنسي الفاشل. أوّل هذين الموقفين هو تلك المقاومة التي سيواجهها الأتراك من قِبَل المواطنين السوريين، نعم المواطنين السوريين كلهم الذين أكّدوا دفاعهم عن هويتهم الوطنيّة السوريّة بمختلف مكوناتهم الاجتماعيّة والعرقيّة، والعامل الثاني هو التباينات الواضحة في المعسكر الغربي العرباني الموالي للغرب في ما بينه من جهة والنوايا التركيّة من جهة أخرى. فهؤلاء لا يريدون أي توسّع للدور التركي والتنظيمات الإسلاميّة التي تدعمها تركيّا سريّاً أو علنياً وهي تنظيمات متطرّفة وتكفيريّة في أغلبها. ومن جهة لأنّ هؤلاء في أغلبهم، ما عدا المغامرون الفرنسيون، يعرفون أنّ الخروج من اللعبة لن يكون سهلاً كدخولها وستترتّب عليه عواقب ستكون وخيمة على كل من سيضع إصبعه في هذه الأزمة ونيرانها، ناهيك طبعاً عن أنّ مواقف بعض الدول دائمة العضويّة في مجلس الأمن أو دولاً إقليميّة ترفض مبدأ التدخّل في الشؤون الداخليّة لسورية. ولم تتردّد هذه الدول بما في ذلك روسيا والصين التي تُمارس سياسة تنسجم مع ميثاق الأمم المتحدة وضرورة احترام الجميع لسيادة سورية ووحدتها الترابيّة واحترام دور مجلس الأمن المسؤول عن الأمن والسلم الدوليين حصريّاً في توضيح موقفها. وجرى ذلك بشكل حازم في إعلان الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة التي ترفض أية محاولة للتدخّل التركي في سورية ناهيك عن الموقف الروسي المعلن والذي يؤكّد أهميّة احترام ميثاق الأمم المتحدة وعدم اتخاذ أي إجراء بفرض مناطق عازلة في سورية بعيداً من الشرعيّة الدوليّة ودور مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو الهيئة الوحيدة التي يخولها الميثاق بفرض مثل هذه الإجراءات.

ألم يتعلّم العثمانيون الجدد من تجارب السلطان عبد الحميد وأحمد باشا الجزار وآخرين من المجرمين العثمانيين الذين غادروا سورية مجبرين وهم يجرّون ذيول الخزي والعار وانتهاء الإمبراطوريّة التركيّة وخلافتها الإسلاميّة، التي لا يوجد فيها شيء من الخلافة أو الإسلام، إلى غير رجعة. وعلى رغم كل ما قلناه، فإنّنا نشعر بأنّ العلاقة الموضوعيّة بين سورية من جهة وأبناء الشعب التركي من جهة أخرى لن تسمح لأردوغان وداوود أوغلو بتنفيذ مخططاتهم المذهبيّة والطائفيّة والإسلامويّة المتعفنة والتي لا مستقبل لها في سورية أو تركيّا. وها هي انتفاضات الشعب التركي على نظام أردوغان داوود أوغلو تتصاعد كل يوم في اسطنبول وأنقرة وغازي عنتاب وغيرها من المدن التركيّة ما يهدّد وجود حزب العدالة والتنمية وسياساته الساقطة، وخصوصاً دعمه للمنظمات الإرهابيّة التي قتلت السوريين وستقتل الأتراك لاحقاً.

سأل الكاتب البريطاني جورج مونبيوت في مقال ساخر بعنوان لماذا نتوقّف عند تنظيم الدولة الإسلاميّة بينما نستطيع قصف العالم الإسلامي بكامله؟ وذلك في تعليقه على الاستراتيجية الغربيّة لمواجهة التطورات في الشرق الأوسط، وانتقد مونبيوت ازدواجية المعايير التي يعتمدها الغرب في مواجهة الإرهاب، بينما يقوم في الوقت ذاته بدعم دول مصدّرة للأفكار المتطرّفة كالسعوديّة حيث قال:

ليست هناك عجلة في قصف المملكة العربيّة السعوديّة، حيث تمّ قطع رأس 59 شخصاً حتّى الآن هذا العام، على جرائم تشمل الزنا والسحر والشعوذة. لطالما شكّلت السعوديّة تهديداً أكبر للغرب من الذي يشكّله داعش الآن. في عام 2009 حذّرت هيلاري كلينتون في مذكّرة سرّية إنّ المملكة العربيّة السعوديّة لا تزال قاعدة دعم مالي لتنظيم القاعدة وحركة طالبان وغيرها من الجماعات الإرهابيّة يقع اللوم بما يخص الصعود السريع لـ داعش على الدعم السعودي للميليشيات الدينية المتطرّفة على نطاق واسع في سورية خلال فترة عمل بندر، لماذا إذاً محاربة الفرع وتجنّب الأصل؟ كلّما قصفت قوّاتنا المسلّحة أو غزت الدول الإسلاميّة، كلّما جعلت الحياة أسوأ بالنسبة لأولئك الذين يعيشون هناك. المناطق التي تدخّلت حكوماتنا فيها هي الأكثر معاناة حالياً من الإرهاب والحرب، وهذا ليس من قبيل المصادفة، كما أنّه غير مفاجئ .

لم تعتد سورية على رغم مرارة الواقع على أن تقوم بتحميل وزر الواقع العربي لأشقائها العرب، لكنّها لن تعتد على تحمّل هذا الوزر إلى ما لا نهاية! وإذا كان النظام السعودي سيقوم بتدريب الآلاف من الإرهابيين والقتلة والمرتزقة على القتل وسفك الدماء في سورية ودفع المليارات لتنفيذ وإنجاح المؤامرة الإسرائيلية الغربيّة على سورية، فإنّه من حق الشعب العربي في نجد والحجاز وغيرها أن يوجّه السؤال إلى حكامه لشرح أسباب ذلك. لقد كشف جو بايدن وهيلاري كلينتون ضيق الإدارة الأميركيّة بممارسات السعوديّة ليس محبّة بسورية، كما نعرف بالتأكيد، لكن لأنّ الحقد والحماقة السعوديّة أصبحا يشكلان خطراً على العالم وعلى مصالح الدول الغربيّة والولايات المتحدة ذاتها.

ويبقى السؤال الذي طرحناه دائماً: لماذا قتلت العائلة السعوديّة عشرات الآلاف من السوريين منذ بدء هذه الأزمة ولماذا ينوون قتل المزيد؟ ألا يعرف حكّام السعوديّة أنّ القرآن الكريم الذي يدّعون أنّهم اتخذوه دستوراً لهم يؤكّد تحريم هذا القتل؟ ألم يقل القرآن الكريم: وبشر القاتل بالقتل ؟ لم ترسل سورية قتلة وإرهابيين إلى نجد والحجاز لأنّ قيادة المملكة تقوم بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل ، كما أنّ سورية لم تقم ولن تقوم بتوجيه بنادقها إلى صدور أهلنا في الجزيرة العربيّة لأنّ حكومتهم ارتأت أنّ علاقاتها التبعية لأميركا وأوروبا تضر بالمصالح العربيّة بما في ذلك السعوديّة بالذات، ناهيك عن إضرار هذه السياسة بالمصالح السوريّة المباشرة! والسؤال الأكبر: إذا كانت هذه العائلة الحاكمة تدّعي حمايتها للحرمين الشريفين ودين الله، فلماذا تقوم بتفجير الخلافات الطائفيّة والمذهبيّة وتأجيج نيران الاختلاف بين المسلمين بدلاً من العمل على رأب الصدع بين أبناء الدين الواحد والله الواحد والرسول محمّد، صلّى الله عليه وسلّم، خاتم الأنبياء؟ إنّ تحويل الخلافات السياسيّة إلى صراعات دينية هو أكبر خطر يواجه الإسلام، ولا نعتقد أنّ أي تحريك للعصبيّة المذهبيّة سيخدم الإسلام والمسلمين. وإذا قمنا بالتسليم بصحّة هذه الخلاصات المبدئيّة التي وصلنا إليها، فإنّ السؤال الذي يجب طرحه هو: لماذا هذا الحقد كله، ولماذا كل هذا القتل وسفك الدماء السوريّة على يد الأسرة السعوديّة؟

الاستراتيجيّة الأميركيّة الصهيونيّة أصبحت واضحة وجليّة المعالم فهي تهدف بشكل أساسي إلى إطالة هذه الحرب على سورية بهدف إضعافها وإنهاكها. وهما بصراحة لا يهتمّان بمن سيخرج سالماً من هذه الحرب بمقدار اهتمامهما بمصالح إسرائيل ، المستفيد الوحيد من استمرار آلة القتل هذه بأداء مهماتها سواء كان ذلك من خلال أردوغان وأحلامه العثمانيّة المريضة في الشمال أو من خلال الدعم الإسرائيلي للإرهابيين على خط فصل القوّات في الجولان غرباً، أو تدفّق السلاح والإرهابيين السعوديين إلى محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء من الجنوب.

إنّ إسقاط الأنظمة السياسيّة أسلوب عفى عليه الزمن وأثبت فشله، فهو لا يشكّل مخالفة للقانون الدولي فحسب، بل إنّ شعوب العالم تعتبره تدخّلاً سافراً في شؤونها الداخليّة، إلّا أنّه يبقى أيضاً غير أخلاقي وأثبت أنّ له عواقب وخيمة على الدول التي تقوم به وعلى الشعوب التي تتأثر بذلك. ولينظر أولئك الذين قاموا بإرسال طائراتهم لإنهاء النظام الليبي إلى أي منقلب انقلبوا، وإلى الوضع الخطير الذي وصلت إليه ليبيا الشقيقة من تقاتل بين أبناء البلد الواحد الذي لم تبقَ فيه دولة ولا نظام. ولوضع الأمور في نصابها، ومع متابعتنا الحثيثة لخيارات الشعب الليبي الديمقراطيّة وانتخاباته الأخيرة ومجلسه النيابي وحكومته، فإنّ من يتحكّم اليوم بليبيا هي مجموعات مسلّحة تعيث بالبلاد قتلاً وفساداً وشرذمة من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها. وليس ذلك فحسب، بل إنّ المجموعات الإرهابيّة الليبيّة تهدّد سلامة واستقرار دول عربيّة مثل مصر وتونس والجزائر، ناهيك عن الدول الأخرى المجاورة لليبيا أفريقياً.

لقد حانت اللحظة التي يجب أن يعرف الجميع فيها سواء كانوا عرباناً أو غربيين أنّ الاستمرار في دعم داعش وأخواته ممن يروق للبعض تسميتها بالمعارضة المسلّحة المعتدلة وهي بالأساس تنظيمات تابعة للقاعدة بما في ذلك بشكل خاص جبهة النصرة والجبهة الإسلاميّة والجيش الإرهابي الحر سينقلب عليهم، وأنّ الافتخار بارتكاب الرذيلة والفاحشة أمر مُعيب، لأنّ تدريب آلاف الإرهابيين سواء في السعوديّة أو غيرها وتمريريهم إلى سورية جنوباً وشمالاً هو جريمة تُعاقب عليها الشرعيّة الدوليّة والقانون الإنساني، وأنّ التوغّل في الخطأ ليس مصدراً للاعتزاز. وإذا كان هؤلاء، سواء في باريس أو الرياض أو أنقرة ممن أعمتْ الأحلام الشيطانيّة رؤيتهم يعتقدون أنّه سيكون لهم دور في صناعة مستقبل الشعب السوري، فإنّهم مخطئون، إلّا إذا كان رهانهم هو على نجاح داعش في السيطرة على سورية والعراق وغيرهما. وإذا كان داعش يتحدى الآن الطيران الأميركي والفرنسي وحلفائه الآخرين، فأين لمن تدّعي واشنطن وباريس ولندن والرياض وآخرون أنّها معارضة مسلّحة معتدلة حظ النجاح في مواجهة داعش ؟ إنّ هؤلاء متخلّفون أخلاقيّاً وعقليّاً ولا يفقهون شيئاً. أمّا الأرض فهي أرضنا، وسيدافع الجيشان السوري والعراقي وكتائب الدفاع الوطني وفصائل الدفاع الشعبي في البلدين كليهما عن كل ذرّة من تُراب الوطن حتّى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

لم تكن سورية في تاريخها الطويل لقمة سائغة ولا أرضاً مستباحة. فها هو جيشها يسطّر في كل يوم إنجازات مشرّفة دفاعاً عن العرض والأرض والإنسان. إنجازات يحققها دفاعاً عن القانون الدولي والنظام العادل الذي تتطلّع إليه البشريّة. وسيلعن التاريخ أولئك الذين أرسلوا إرهابييهم ومرتزقتهم وأسلحتهم وأموالهم للقتلة في سورية. والوقت والواجب لن يتحمّلا مزيداً من العائلة السعوديّة وغيرها عن التراجع عن سفك الدماء والدمار الذي حل بسورية نتيجة حقدهم الدفين وغبائهم الذي لا حدود له.

أمّا آلاف الشهداء السوريين، فهم نجومنا في السماء وفي قلوبنا على الأرض، فلهم من شعبنا كل التبجيل، ولن ينسى أحد أبناءهم وعائلاتهم التي ربّتّهم على دفع ضريبة محبّة الوطن والتضحية في سبيله كي يعيش السوري كريماً ومحترماً.

أمّا نحن السوريين، فلقد آمنّا بحقّنا في الكرامة والدفاع عنها، كما آمنّا أنّه لا بديل من الأوطان. كما آمن السوريون أنّ النصر على الأعداء بكل أشكالهم، هو صبر ساعة، وسنصبر أكثر من ساعة. هل تفهمون؟!

إنّ من لا يقف مع الدولة السوريّة إنّما يقف مع داعش ولا خيار ثالث، فاختاروا!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى