وجيه البارودي… طبيباً وشاعراً وإنساناً!
لورا محمود
«الناس يسألون والهواجس جمّة، طبٌ وشعرٌ كيف يتفقان؟ الشعر مرحمة النفوس والطبّ مرحمة الجسوم»، هكذا قال الشاعر الطبيب ابراهيم ناجي عندما سئل عن كيفية جمعه بين الطبّ والشعر، فكثيرون من الأطباء الشعراء برعوا في الطب ووجدوا أنفسهم في الشعر. فاليد التي تحمل مبضع الجراحة تعرف أيضاً كيف تمسك القلم وتصوغ شعراً جميلاً.
في مكتبة الأسد الوطنية، اجتمع الشعر والطبّ في ندوة عن الشاعر الدكتور وجيه البارودي، شارك فيها الدكتور نزار بريك هنيدي الذي تحدّث عن البارودي بين الطب والشعر فقال: إن السنوات التي درس فيها البارودي في بيروت كان لها التأثير الحاسم على بناء شخصيته وتكوين عالمه الفكري والنفسي. فعرف بيئة متحرّرة متمدّنة تختلف عن بيئته المغلقة في مدينته حماه. وتعرّف إلى عدد من الأساتذة الأجانب، ووجد في مكتبة الجامعة ما يروي عطشه إلى المعرفة والثقافة. فاطّلع على كتب التراث والشعر العربي، وهذا أثّر على نصوصه. فالشعر زاد من قدراته الطبية وعزّز مهاراته في علاج مرضاه، فعمد إلى استخدام كل معارفه العلمية لمعالجة المرض، وفي الوقت نفسه يسقي المريض من روحه رحيق الشعر والجمال، فيشفى المريض بفعل الدواء أو بفعل الشعر.
ولفت هنيدي إلى أن البارودي كان يساعد الفقراء ويدرك أن رسالته الطبية لا تقتصر على معالجة الأمراض التي يصاب بها أبناء مدينته وريفها، بل لا بدّ له من أن يعمل على نشر الوعي الصحي ومحاربة الخرافة وتعزيز ثقة الناس بالطب القائم على العلم، وإرشادهم إلى أساليب الوقاية، والحدّ من انتشار الأوبئة والامراض. وربما كان هذا ما دفعه إلى كتابة مجموعة من المقالات الطبية ونشرها في مجلة «النواعير» التي كانت تصدر في حماه.
وأضاف هنيدي: كان البارودي شخصية محببة وله طريقته الخاصة في ممارسة مهنة الطبّ، وأسلوبه في تشخيص المرض، وله الكثير من الطرائف والنوادر التي كان يتناقلها أهل حماة عنه.
وردّاً على سؤال طرحته «البناء» عن فرادة الدكتور وجيه البارودي قال هنيدي: فرادة البارودي في كون شخصيته جمعت بين الطبيب والشاعر. ونحن نعرف أن التاريخ الأدبي العربي مليء بمجموعة كبيرة من الأطباء الذين كانوا شعراء كباراً كالزهراوي وابراهيم ناجي وعلي ناصر والعجيلي. لكن البارودي كان يتميّز عنهم. فهم كانوا أطباء يمارسون الطبّ، وكانوا مهتمين بالشعر. لكن البارودي كانت تظهر مهنة الطب في شعره، فقد كان يتكلم عن تفاصيل مهنة الطب وهمومها اليومية في كل قصيدة من قصائده، وكان يعتز بمهاراته العلاجية ويروي أساليب معالجة المرضى. فاعتزازه بكونه طبيباً يماثل تماماً اعتزازه بكونه شاعراً.
سكّر
ومن المشاركين في الندوة، الدكتور راتب سكرالذي تحدّث عن جانب معيّن من تجربة وجيه البارودي الفكرية والثقافية. فعندما كان البارودي يدرس في الكلّية الإنجيلية السورية الجامعة الأميركية في بيروت، أسس مع مجموعة من الطلبة ندوة أدبية وجمعوا قصائدهم المشتركة في ديوان.
مروّة
وقد أدار الندوة الدكتور اسماعيل مروّة الذي تحدّث بدوره عن الشاعر والإشكاليات التي حدثت في حياة البارودي قائلاً: معرفتي الأولى بالدكتور الشاعر وجيه البارودي كانت عبر قصيدة وصلت إلى سمعي، فأحببتها، وهي «القبلة الملتهبة».
في عام 1988 ذهبت إلى حماه وجلست مع أحد الأصدقاء، وفي المساء ذهبنا إلى بيت وجيه البارودي الذي كان في أمسية شعرية، فذهبنا لحضور الأمسية ولم نستطع وقتذاك أن نسمع شعره كلّه.
وقال مروّة: لقد اخترت أن أتحدّث عن الإشكالية الأولى في شعر وجيه البارودي، وهو من كان يقال عنه إنه شتم حماه، وإنه كان ضدّ الدين. وهذه قضية إشكالية. فوجيه البارودي عندما تحدّث عن حماه لم يتناول حماه المدينة ولم يتناول العادات بوصفها تقليداً دينياً، بل تناولها بوصفها عرفاً اجتماعياً. فهو ضدّ السحر وضدّ الشعوذة وضدّ الجهل ونحن كلّنا ضدّ هذه الأمور.
مداخلة
وفي مداخلة لوزير الصحّة السابق محمد إياد الشطّي، قال: أذكر في حفل تكريم الدكتور وجيه البارودي وهو في عمر 59 سنة وقد أصيب في ذلك الشتاء بذات رئة حادّ، قلت وقتذاك: يعتقد بعض اللغوين أنهم من الممكن أن يختزلوا اللغة العربية بأربع جمل، فهل أستطيع أن أختزل هذه القامة بأربع جمل. نعم، فوجيه البارودي قصيدة عشق، وباقة ورد، ومسمع حكيمٍ، وأيادٍ بيضاء من زمن المرسلين الأنبياء.