الأطلسي عينه على الشرق
عامر نعيم الياس
الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، أولويتان ملحّتان بالنسبة إلى جدول أعمال الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، الذي بدأ ولايته الأربعاء ما قبل الماضي، والممتدة لخمس سنوات، بالافتراق الواضح عن خطاب سلفه آندرس فوغ راسموسن الذي كثيراً ما اعتمد التورية في حديثه عن العلاقة مع روسيا والتي تشكل أوروبا الشرقية مسرحها. وكان، بحسب صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، «يتحاشى اتخاذ أيّ موقف عدائيّ علني من روسيا». فالرئيس الجديد للحلف العسكري وفور تولّيه منصبه، ندّد بموقف الكرملين من أوكرانيا، كبوابة للحديث عن الدور المستقبلي للحلف في أوروبا الشرقية، إذ قال: «يجب أن تُظهر روسيا بشكل واضح احترامها للقانون الدولي في أوكرانيا… في الوقت الذي سيدعّم الحلف فيه وجوده في أوروبا الشرقية». ورأى أن الحلف «لا يسعى إلى أيّ مواجهة مع روسيا. ولا تناقض بين ناتو قويّ وعلاقة بنّاءة مع روسيا».
الواضح من خطاب ستولتنبرغ أنّ التوجّه الجديد للأطلسي ليس للدبلوماسية المخملية والقبضة الناعمة في إدارة العلاقات مع الكرملين بل للمواجهة. فالخطاب الجديد ركّز على التوسع في أوروبا الشرقية وتعزيز قواعد الحلف فيها، وملفّ الدفاع عن الحلفاء في الحديقة الخلفية لروسيا. إذ قال حرفياً: «الناتو جاهز للدفاع عن حلفائه إذا لزم الأمر». هذا التوجّه الجديد للأطلسي لا يقف عند الخطابات، فجدول الزيارات الأولى للأمين العام الجديد للحلف يؤشر إلى أولوياته، إذ ستكون وارسو المحطة الأولى وهي وفق المفهوم الغربي مهدّدة من روسيا، ووفق التصوّر الروسي استفزازية كون الحلف يريد التأسيس لإعادة تموضعه في أوروبا الشرقية أو ما يسمّى وفقاً لصحيفة «لوفيغارو» «خطوط الدفاع الأولى» من بولندا. أما المحطة الثانية فمخصّصة للشرق الأوسط وتحديداً أنقرة «المهددة من تنظيم داعش» وفقاً للرواية الغربية. تهديد يسمح ويبرر التحوّل الأخير في موقف الحكومة التركية من التحالف الدولي الذي يقوده أوباما ضدّ «داعش».
محطتان يريد النرويجي ينس ستولتنبرغ التأكيد فيهما على أمرين: الأول، أولوية الشرق بالنسبة إلى استراتيجيات الناتو خلال الأعوام الخمس المقبلة. أما الثاني، فمساندة الحلفاء وطمأنتهم بأن الحلف حاضر ومستعدّ للدفاع عنهم ضدّ أيّ اعتداء.
خلال قمة الحلف في ويلز في المملكة المتحدة الشهر الماضي، اتخذ القادة الـ28 قراراً بتعزيز الوسائل والموارد الدفاعية للحلف في أوروبا، وسط خلافات حول تمويل الحلف الذي يواجه مشاكل في هذا السياق، إذ تقوم الولايات المتحدة بتحمّل حوالى ثلاثة أرباع موازنته، الأمر الذي يفرض على الدول الأخرى مراجعة ملفّ التمويل، تحديداً لمجهودات الحلف العسكرية والتي يبدو أنها في إطار التوسّع في المدى المنظور. وعلى هذه الجبهة ستكون المهمة الأصعب لرئيس الحلف في مواجهة بوتين الذي عليه هو الآخر اختبار مدى جديّة الأطلسي ومصداقيته في محاصرة النفوذ الروسي سواء في شرق أوروبا، أو في الشرق الأوسط، وتحديداً على الساحة السورية التي صارت محطّ رهانٍ جديد للأطلسي عبر المغامرة التركية الجديدة في سورية.
كاتب سوري