هيومن رايتس: السعودية تسمح بالتحريض ضد الأقليات
قالت «هيومن رايتس ووتش» في تقرير صدر أمس «إن بعض رجال الدين والمؤسسات السعودية يحرّضون على الكراهية والتمييز ضد الأقليات الدينية».
ويوثّق التقرير المؤلف من 48 صفحة، بعنوان «ليسوا إخواننا: خطاب الكراهية الصادر عن المسؤولين السعوديين»، سماح السعودية لعلماء ورجال الدين الذين تعيّنهم الحكومة، بالإشارة إلى الأقليات الدينية بألفاظ مهينة أو شيطنتها في الوثائق الرسمية والأحكام الدينية التي تؤثر على صنع القرار الحكومي. وفي السنوات الأخيرة، استخدم رجال الدين الحكوميّون وغيرهم، الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي للتشويه والتحريض على الكراهية ضد فئات دينية ممن لا يتفقون مع آرائهم، وذلك بحسب المنظمة.
وفي هذا الإطار، قالت سارة ليا ويتسن، وهي مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: «روّجت السعودية بقوّة للرواية الإصلاحية في السنوات الأخيرة، ومع ذلك فهي تسمح لرجال الدين والكتب المدرسية الحكومية بتشويه سمعة الأقليات الدينية. يطيل خطاب الكراهية هذا من أمد التمييز المنهجي ضد الأقلية الشيعية، وتستخدمه – في أسوأ الحالات – جماعات عنيفة تهاجمهم».
وصنّفت «اللجنة الأميركية للحريات الدينية» السعودية مراراً على أنها «دولة تثير قلقاً خاصاً»، وهو أعلى تصنيف للدول التي تنتهك الحرية الدينية. يسمح «قانون الحرية الدينية الدولية» لعام 1998 للرئيس الأميركي، بإصدار إعفاء إذا كان من شأنه أن «يخدم مقاصد قانون الحرية الدينية الدولية» أو إذا «تطلبت المصلحة العليا للدولة ممارسة مثل هذا الإعفاء». أصدر الرؤساء الأميركيون إعفاءً للسعودية منذ العام 2006.
ورأت هيومن رايتس ووتش أن على الحكومة الأميركية أن تلغي فوراً الإعفاء الممنوح للسعودية، والعمل مع السلطات السعودية على وقف التحريض على الكراهية والتمييز ضد المواطنين الشيعة والصوفيين والمنتمين لأديان أخرى، كما دعت الولايات المتحدة للضغط كذلك من أجل إزالة جميع الانتقادات وأشكال وصم الممارسات الدينية الشيعية والصوفية، فضلاً عن ممارسات الديانات الأخرى، من المناهج التعليمية السعودية الدينية.
وقالت ويتسن «رغم سجل السعودية الضعيف في مجال الحريات الدينية، حمت الولايات المتحدة السعودية من العقوبات المحتملة بموجب القانون الأميركي. على الحكومة الأميركية أن تطبق قوانينها لمحاسبة حليفتها السعودية».
ووجدت هيومن رايتس ووتش أن التحريض، إضافة للتحيّز المعادي للشيعة في نظام العدالة الجنائية والمناهج الدينية لوزارة التربية والتعليم، يلعب دوراً أساسياً في فرض التمييز ضد المواطنين الشيعة السعوديين. وثّقت هيومن رايتس ووتش مؤخراً إشارات مهينة للانتماءات الدينية الأخرى، بما في ذلك اليهودية والمسيحية والصوفية في منهاج التعليم الديني في المملكة.
وبحسب هيومن رايتس ووتش، كثيراً ما يشير رجال الدين الحكوميون وهم جميعاً من السنة إلى الشيعة بصفتهم «الرافضة» و«الروافض»، ويُحقّرون معتقداتهم وممارساتهم، كما أدانوا أيضاً الاختلاط والزواج بين السنة والشيعة. وذكرت المنظمة أن عضواً حالياً بـ «هيئة كبار العلماء» السعودية، وهي أعلى هيئة دينية في البلاد، قال خلال جلسة علنية على سؤال بشأن المسلمين الشيعة «هم ليسوا إخواننا… هم إخوان الشيطان».
وتعتبر المنظمة أن خطاب الكراهية هذا قد تكون له عواقب وخيمة عندما تستخدمه جماعات مسلحة مثل داعش، أو «تنظيم القاعدة» لتبرير استهداف المدنيين الشيعة. منذ منتصف 2015، هاجم داعش 6 مساجد ومبانٍ دينية شيعية في المنطقة الشرقية ونجران، ما أسفر عن مقتل أكثر من 40 شخصاً. وتشير هيومن رايتس ووتش إلى ورود مؤشرات في بيانات داعش الصحافية التي تبنت هذه الهجمات، أن المهاجمين استهدفوا «معاقل الشرك»، والرافضة وهما المصطلحان المستخدمان في الكتب المدرسية الدينية السعودية لاستهداف الشيعة.
تضيف المنظمة «أدان مفتي السعودية السابق عبد العزيز بن باز، الذي توفي عام 1999، الشيعة في فتاوى عديدة. بقيت فتاوى بن باز وكتاباته متاحة للعموم على الموقع الإلكتروني للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء».
وتلفت المنظمة الأممية أن بعض العلماء يستخدم لغة تآمرية عند مناقشة موضوع الشيعة، فينعتونهم بالطابور الخامس الداخلي التابع لإيران، وبأنهم خونة بطبيعتهم. كما تسمح الدولة لرجال الدين الآخرين بتوظيف وسائل الإعلام ومتابعيهم الكثر على وسائل التواصل الاجتماعي الذين يُعد بعضهم بالملايين لوصم الشيعة، مع الإفلات من العقاب.
وبحسب هيومن راتس ووتش، فإن التحيّز ضد الشيعة يمتد إلى النظام القضائي الذي تتحكم فيه المؤسسة الدينية، ويُخضع الشيعة في كثير من الأحيان لمعاملة تمييزية أو تجريم تعسفي لممارساتهم الدينية. وتذكر المنظمة أنه في عام 2015 مثلاً، حكمت محكمة سعودية على مواطن شيعي بالحبس شهرين و60 جلدة لاستضافة صلاة جماعة خاصة في منزل والده. وفي عام 2014، أدانت محكمة سعودية رجلاً سنياً بتهمة «مجالسة الشيعة».
وتلفت المنظمة إلى أنه يستخدم المنهاج الديني في وزارة التربية السعودية «التوحيد»، الذي يُدرّس في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية، لغة مبطّنة لوصم الممارسات الدينية الشيعية بأنها شرك أو غلوّ في الدين، كما توجّه كتب التربية الدينية السعودية هذه الانتقادات على وجه الخصوص لممارسة الشيعة والصوفية في زيارة المقامات والأضرحة، وكذلك التوسل أو طلب الشفاعة. وتضيف «تنص الكتب الدراسية على أن هذه الممارسات، والتي يراها كل من سنة السعودية وشيعتها على أنها شيعية، تجعل صاحبها خارجاً عن الإسلام وعقابها الخلود في النار».
ويطالب «القانون الدولي لحقوق الإنسان» الحكومات بحظر «أية دعوة للكراهية القومية أو العرقية أو الدينية والتي تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف». وتفاوت تنفيذ هذا الحظر، بينما استُخدم أحياناً كذريعة لتقييد الخطاب القانوني أو استهداف الأقليات. وتشجع المنظمة على اتخاذ أية خطوات لمكافحة خطاب الكراهية في حدود الضمانات العامة لحرية التعبير.
لمعالجة هذه المشكلة، اقترح الخبراء في السنوات الأخيرة، بحسب هيومن رايتس ووتش، اختباراً لتحديد إمكانية تقييد أي خطاب معين بصورة قانونية. وبموجب هذه الصيغة، فإن الخطاب الذي وثقته هيومن رايتس ووتش لعلماء الدين السعوديين يرقى أحياناً إلى مستوى خطاب الكراهية أو التحريض على الكراهية أو التمييز. لا تتعدى تصريحات أخرى هذا الأمر، لكن على السلطات أن تنكرها علناً وتتصدّى لها، كما تدعو المنظمة. وبالنظر إلى تأثير وأعداد متابعي هؤلاء العلماء، فإن تصريحاتهم تعد نظاماً تمييزياً ضد المواطنين الشيعة.
وتدعو المنظمة السلطات السعودية لأن تأمر بالوقف الفوري لخطاب الكراهية الصادر عن رجال الدين والهيئات الحكومية التابعة للدولة.