روان حلاوي وطارق تميم في «الغرفة 202» ينشدان الحبّ البسيط ويعريّان العادات والتقاليد الرثّة
أحمد طيّ
أن تصنع مسرحاً حقيقياً، يعني أن تتحلّى بميزة تتقدّم على غيرها من السّمات، وهذه الميزة هي الإصرار. الموهبة وحدها، والحظّ وحده، والمال وحده، والظروف وحدها، كلّها أمور لا يمكنها أن تصنع مسرحاً حقيقياً يحيا في قلوب عشّاق الفنّ الأوّل، ما لم تكن مقترنةً بالإصرار. الإصرار على إعطاء الأفضل، الإصرار على تقديم الجديد، الإصرار على التحدّي، على النجاح، على التقدّم.
وروان حلاوي، المخرجة والممثلة الشابة، كتلة ملآنة بهذا الإصرار، ويُلاحَظ ذلك من خلال التقدّم المضطرّد في أعمالها، لتجدها في كلّ عمل، أبهى من العمل الذي عرضته قبلاً، وأشدّ التصاقاً بالمسرح حدّ العشق… هذا العشق الذي يصنع نجوماً حقيقيين… لا فقاعات من الصابون.
في «تلجتين بليز» 2015 شاهدنا روان المعتصمة بشفاعة «العمل الأوّل» في مونودراما تشبه لعبة الحكواتي القديم. وفي «إنت عمري» 2016 ، شاهدناها دفّاقةً في صناعة مسرحها الخاص إنما هذه المرّة عبر حكاية التعلّق بالجسد. أما هذه السنة، وعلى خشبة «مترو المدينة» في الحمرا أيضاً، فنجدها مع المبدع طارق تميم، مصرّةً في «الغرفة 202» على تعرية المجتمع اللبناني من كلّ شوائبه المسمّاة «عادات وتقاليد»، متّخذةً من الحبّ والزواج مثالين على طاولة المشرحة.
مسرح… مشرحة، والحروف تتلاعب بالكلام لتقرّب المعنى. وما خشبة المسرح عند روان حلاوي، سوى مشرحة تقدّم من خلالها الصورة الحقيقية لمجتمع فتكت به العادات الرثّة، والتقاليد المفرِّقة، والنظرات الدونية، والطبقية والطائفية والمذهبية… وما أكثرها من لوثات.
وإذ اختارت الكوميديا أسلوباً لتقديم رسالتها في «الغرفة 202»، فمن غير المبدع أبداً و«المهضوم» دائماً، والقريب إلى القلب والعقل معاً، طارق تميم، ليشاركها إضحاكنا ملء قلوبنا، وجعلنا «نفرط من الضحك»، وأيضاً جعلنا «نفرط من البكي» على الواقع الذي نعيشه في بلادنا.
«ياسمينا»، الشابة التي تعيش تحرّراً لا متناهياً من القيود في لبنان، والخارجة توّاً من فشل في علاقة «مساكنة» مع صديق لها خانها، تختار أن تنزل لليلة في أحد الفنادق. وفي مشهدٍ سريع لا يخلو من الإضحاك، نفهم قصّتها مع خيانة صديقها، لتقرّر من دون سابق إنذار، أن تترك الفندق، ناسية هاتفها الجوال.
«زياد»، اللبناني المغترب في بلاد «المتقدّمين» منذ أكثر من عشرين سنة، يعود إلى لبنان، لإرضاء «رغبة» الأهل في تزويجه «بنت لبنانية أحّ… ومن جماعتهن». ينزل في تلك الليلة، ذلك الفندق، في الغرفة «202»، الغرفة ذاتها التي تركتها «ياسمينا»… ويرنّ الهاتف وتبدأ الحكاية.
تعود «ياسمينا» لأخذ هاتفها، فتتعرّف إلى نقيضها «زياد»… هي «المتفتّحة» في بلد الانغلاق، وهو «الرجعي» في بلاد التقدّم. ومن خلال تسارع في الأحداث، يتّفق الطرفان على الزواج انتقاماً من الصديق الخائن والأهل المتزمّتين. لكن هذا الزواج دونه شروط من الطرفين. شروط ظلّت تضحكنا حتى الجنون، خصوصاً مع التعابير العفوية التي رمانا بها طارق تميم، ومع «الهضامة» في أداء روان حلاوي.
الأحداث تتوالى بسرعة، مستمرّةً في إضحاكنا وحثّنا على التصفيق، إلى أن تنتهي المسرحية بطلاق الزوجين «الطازة»، في اليوم نفسه الذي لبست فيه «ياسمينا» الطرحة والفستان الأبيض، ليكون هذا الطلاق، وإن أتى بقالب كوميدي، طلقة رحمة على مجتمعٍ رثّ لا يفقه من الحبّ سوى الحلال والحرام.
لطارق تميم المبدع نقول شكراً على ما تقدّمه دائماً. وواضح جدّاً عشقك للمسرح، إذ إننا نلمس هذا العشق كلما تعتلي عرش الخشبة.
ولروان حلاوي الملآنة إصراراً وتحدّياً نقول شكراً، وإلى الأمام، فكلّما بلغنا قمّة، تراءت لنا قمم أخرى، نحن جديرون بارتقائها.