عبدالحكيم عبدالناصر: الأمة حية وها هي سورية تنتصر بقيادة أسدها والمقاومة تجدّد بقيادة السيد نصرالله الأمل بنصر فلسطين

حاورته: صابرين دياب

أكد عبدالحكيم جمال عبدالناصر، نجل الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، «أنّ سورية تنتصر وترفع رأس الأمة عالياً، وسوف يسجل التاريخ بطولات الجيش الأول العظيم وقائده الحكيم الرئيس بشار الأسد».

ورأى عبدالحكيم عبدالناصر، في حديث لـ»البناء» أنّ من يستهجنون دعمه الرئيس السوري بشار الأسد «مرتمون في أحضان الرجعية ويرفضون رؤية الحقيقة». وسأل: «إذا لم أدعم الرئيس بشار الأسد فمن أدعم؟ الكيان الصهيوني أم أميركا والإرهاب»؟

ولفت إلى «أنّ ما يحدث في سورية واضح لكلّ ذي بصر وضمير. هناك مشروع لتمزيق سورية وإنهاكها بحرب تدميرية دنيئة يشارك فيها الكيان الصهيوني بشكل مفضوح وواضح تماماً على أرض سورية».

من جهة أخرى، أكد عبدالناصر أنّ مشروع تفتيت مصر اجتماعياً وطائفياً لن ينجح، لافتاً إلى أنّ الجيش المصري «أثبت أنه عظيم، .. لأنه جيش عقائدي تأسّس وتربّى على قيم متينة ومن الصعب النيل من وحدته ووفائه لأرضه وأهله وشرفه».

وتطرق إلى واقع الأحزاب المصرية، معتبراً أنها «عبارة عن دكاكين لا تواجد واسع حقيقي لها في الشارع، وإذا بقيت على هذا الحال من دون تنظيم شعبي حقيقي وشفافية ستظلّ عاجزة عن القيام بأي تغيير».

وفي ما يلي نصّ الحوار كاملاً:

هل كان الوضع الدولي أفضل أم أسوأ تجاه العرب قبيل ثورة يوليو 1952؟

ـ المشروع الصهيوني وحلفاؤه من قوى الاستعمار العالمي، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، لم ولن يريدوا أن تكون أمتنا مستقلة القرار، كما أنهم لا يريدون نظاماً حراً ومستقلاً لها. لذلك فإنّ الوضع لم يكن يوماً جيداً، لا سيما أنّ بعض الحكام العرب، منذ ما قبل الثورة وحتى اليوم، لم يخرجوا من عباءة سيدهم الأميركي ولا عن طوعه. قد تكون هذه المرحلة هي فعلاً أسوأ مراحل الأمة التاريخية، من فظاعة الانحطاط والخيانة التي أصبحت مكشوفة وعلى الملأ. وأستطيع القول إنّ الوضع قبل الثورة كان بمثابة زنى سري، أما بعدها، وفي هذه المرحلة على وجه التحديد، فقد أصبح الزنى علنياً دون وجل أو خجل. رغم كلّ هذا الانحطاط والألم نحن واثقون بأنها مرحلة عابرة ولن تدوم، لأنّ فطرة الشعوب العربية ستغلب هذا الانحطاط الذي ابتدأته الفطرة السورية الأصيلة بتطهير سورية من قوى الانحطاط والبغي الممولة من الصهاينة والرجعية العربية.

حققت ثورة يوليو نجاحاً والتفافاً شعبياً كبيراً. هل ترى أنّ الشارع العربي اليوم مؤهل لاحتضان ثورة ناصرية؟

ـ أي ثورة وطنية هي تعبير شعبي واضح وجلي عن رفض سياسة الأمر الواقع المفروضة ظلماً وتعسفاً، وطالما أنّ إرادة الشعوب حية، فلا بدّ من الثورة على أي نظام حكم جائر وخائن، وأنصع مثال على ذلك في مصر هو ثورة يوليو 1952 التي حققت فعلاً نجاحات والتفافاً شعبياً واسعاً، وليس مهماً أن تكون الثورة ناصرية بل المهم أن تحمل الروح والمبادئ الثورية وتحميها وتصونها لتخدم أهداف الشعب واحتياجاته وحقوقه.

قامت الثورة ضدّ طبقات معينة منها الإقطاع. هل تعتقد أنّ مواجهة الإقطاع أسهل من مواجهة البرجوازية الطفيلية والكمبرادور؟

ـ كلاهما سيئ للنسبة إلى الجزء الأكبر من المصريين والعرب ولكن بنسب متفاوتة. لقد أساء الإقطاع إلى الشعب المصري في عهد الرئيس جمال عبدالناصر، لكنه تمكن من مواجهته بشجاعة وإرادة ورغبة حقيقية لنشر العدالة الاجتماعية في الوطن. أما في فترة حكم حسني مبارك، فقد حصل تزاوج بين رأس المال والسلطة، وسيطر الرأسماليون على نظام الحكم، رغم أنّ نسبتهم لا تتعدى 3 في المئة من المجتمع المصري. وبالتالي حازت تلك الطبقة كلّ الامتيازات واستولت على الدخل والمكاسب، وعاشت مُترفة على حساب غالبية الشعب المسحوق، أما الثروات التي تمتلكها تلك الطبقة، فقد تراكمت في ظلّ سياسة ونهج طفيلي وسمسرة من دون رادع، وليست نتيجة إضافة تكنولوجية وصناعية وزراعية.

قيل إنّ الجيش كان أداة للسلطة واليوم هو أيضاً كذلك. هل تعتقد أنّ خامة الثورة يمكن استخلاصها من الجيش مجدّداً؟

ـ أرى أنّ الجيش المصري جيش الشعب وليس السلطة فهو من حمى المصريين في 25 يناير 2011 وفي ثورة 30 يونيو ضدّ «الإخوان المسلمين» سارقي إنجاز خلع نظام مبارك، وقد رأينا الجيش المصري الحر في ثورة 23 يوليو، كيف كان الطليعة الثورية التي حققت آمال الشعب، لكنّ ثورة يوليو 1952 كانت أوفر حظاً من التي تلتها.

الأحزاب المصرية عاجزة عن تحقيق تغيير

كانت الأحزاب في مصر ضعيفة قبيل الثورة ولا تزال. فهل ترى أنّ الأحزاب عاجزة عن المشاركة في التغيير؟

ـ كانت الأحزاب قبل 23 يوليو كرتونية وسرية وضعيفة والحزب الكبير الذي كان فاعلاً على الأرض هو حزب «الوفد»، الذي أتى من فوهات بنادق الجيش الإنكليزي عندما حاصر القصر عام 1942، وأُرغِم الملك على أن تشكيل حزب الوفد للوزارة. وللأسف، بقيت الأحزاب بعد الثورة الأخيرة 30 يونيو عبارة عن دكاكين لا تواجد واسع حقيقي لها في الشارع، وإذا بقيت على هذا الحال من دون تنظيم شعبي حقيقي وشفافية ستظلّ عاجزة عن القيام بأي تغيير.

هل تعتبر أنّ دور المرأة تراجع بعد الرئيس عبدالناصر وهو الذي أنصفها بعد الثورة؟

ـ أخذت المرأة المصرية حقوقها كاملة في عهد الرئيس عبدالناصر والتي كرسها دستور 1956 وحقق لها المساواة بالرجل، في العلم والعمل وكلّ مناحي الحياة. المرأة المصرية حصلت على حق الانتخاب قبل المرأة السويسرية، وأول وزيرة في حكومة وطنية مصرية كانت الدكتورة حكمت أبو زيد وقد عيّنها الرئيس عبدالناصر عام 1961، وحري بي أن أشير إلى مسألة هامة، في هذا السياق، وهي أنّ المرأة في أميركا قد لا تحصل على راتب أكثر من راتب زميلها الموازي في المنصب أو الوظيفة لأنها امرأة، رغم أنّ أميركا تُعتبر أم التقدم والتحضّر. بينما في مصر، قد تجدين وزيرة براتب أعلى من وزير زميل لها، أو أستاذة جامعية أو في أي منصب آخر. وضع المرأة في مصر يعبّر عن تقدمية الوطن.

الهزيمة نتيجة لمؤامرة بدأت منذ انتصار 1956

هزيمة مصر كانت أساساً من الإمبريالية عام 1967. كيف ترى دور مصر اليوم إزاء ما يحدث في سورية من تدمير صهيو رجعي مُمنهج ومتعمّد والعدوان الصهيو سعودي على اليمن؟

ـ الهزيمة كانت جراء مؤامرة بدأت خيوطها تُحاك منذ انتصار 1956، والثورة المصرية فرضت إرادتها وأصبحت هي المُلهمة لقوى التحرُّر في العالم العربي، في فلسطين والجزائر والسودان واليمن وفي العالم كله، ومن هنا بدأ التخطيط لكسر النظام المصري الثوري الحر، وبدأت المؤامرة على الوحدة بين مصر وسورية التي انتهت بالانفصال، والمؤامرة على الدعم المصري لليمن، حين وقفت مصر تساند شعب اليمن لمساعدته على النهوض وهو الشعب العربي المظلوم حتى اليوم، فتحالفت كلّ قوى الاستعمار العالمي لضرب مصر القرار والكرامة والاستقلال، واتخذت بلاد الحجاز التي يحكمها آل سعود، قاعدة لضرب التواجد المصري في اليمن. كان مخطط إنهاك مصر مبرمجاً ومُحكماً جداً حتى نشبت حرب الأيام الستة، لكنّ الجماهير العربية والمصرية خرجت في 9 و10 يونيو بشكل تلقائي جارف تتحدّى الهزيمة وترفضها، ولدينا في مصر تعبير رائع هو «الشعب المصري هزم الهزيمة بالتحدي النبيل التلقائي». وبدأت مصر العمل على التجهيز لمعركة التحرير، ثم بدأت حرب الاستنزاف براس الهش في يوليو1967 واستمرت لغاية حرب الألف يوم، وبناء حائط الصواريخ ومن ثم وفاة الرئيس عبدالناصر.

مصر الرسمية والشعبية باتت تدرك جيداً أنّ ما يُحاك لسورية وشعبها وجيشها ووحدتها، هو ذاته ما يحاك لمصر، ومصر منشغلة أيضاً بمحاربة الإرهابيين من الإخوان والإرهاببين المستوردين، وهناك مخطط لتفتيت مصر اجتماعياً وطائفياً وتقسيمها. لقد استطاعوا ضرب استقرارها، لكن بفضل جيشنا العظيم البطل، لن يحدث التقسيم في مصر ولا في سورية كما يحلم الكيان الصهيوني. أثبت جيشنا أنه عظيم، وكما قال الأستاذ محمد حسنين هيكل راهنوا على تفكيكه وعجزوا لأنه جيش عقائدي تأسّس وتربّى على قيم متينة ومن الصعب النيل من وحدته ووفائه لأرضه وأهله وشرفه.

إذا لم أدعم الرئيس بشار الأسد فمن أدعم؟

كيف تُقيّم الوضع في سورية اليوم وكيف تردّ على من أعربوا عن «استهجانهم» من دعم الرئيس بشار الأسد؟

ـ سورية تنتصر وترفع رأس الأمة عالياً، وسوف يسجل التاريخ بطولات الجيش الأول العظيم وقائده الحكيم الرئيس بشار الأسد، أو أسد بلاد الشام، كما يسميه الجنرال السوري بهجت سليمان. أما بالنسبة إلى استهجان البعض، فهؤلاء مرتمون في أحضان الرجعية ويرفضون رؤية الحقيقة. إذا لم أدعم الرئيس بشار الأسد فمن أدعم؟ الكيان الصهيوني أم أميركا والإرهاب؟ ما يحدث في سورية واضح لكلّ ذي بصر وضمير. هناك مشروع لتمزيق سورية وإنهاكها بحرب تدميرية دنيئة يشارك فيها الكيان الصهيوني بشكل مفضوح وواضح تماماً على أرض سورية، وإنني استهجن استهجان هؤلاء! وهنا لا بد من توجيه التحية إلى حلفاء الجيش الأول، لا سيما حزب الله البطل وسماحة سيد المقاومة حسن نصر الله، وكذلك إلى إيران وروسيا الاتحادية.

هناك من يشبّه أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بالرئيس عبدالناصر. فما هو رأيك؟

ـ هناك بطل قومي مقاوم اسمه السيد حسن نصرالله استطاع بعد الرئيس عبدالناصر كسر هيبة الصهاينة وكلّ قوى البغي المتماهية مع الكيان الصهيوني، وما من شك أن هذا يسعد الرئيس عبدالناصر ويسعدنا.

تتّهم إحدى الشخصيات المصرية المعروفة الرئيس عبدالناصر بأنه كان يعيش حياة مترفة وكان يستورد الطعام من إحدى الدول الغربية. كيف تردّون؟

ـ هذا محض افتراء وكذب، ولا أفهم لماذا يتطاول السيد عمرو موسى على الرئيس عبدالناصر ويتجنّى عليه في هذا الوقت بالذات! ما الغرض من هذا التشويه السخيف؟ الرئيس عبدالناصر كان مواطناً مصرياً حقيقيا بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، وطعامنا كان مثل طعام أي أسرة مصرية، وكلّ من كان مقرباً من أسرتنا كان يلاحظ كيف كان والدي يحرص على ألا نُعامل معاملة استثنائية، ربما الامتياز الوحيد الذي أذكره أنّ البيت الذي كنا نسكنه كان كبيراً وأمامه حديقة وحراسة لمساعدتنا في غياب الوالد، وأننا لم نكن نستخدم المواصلات العامة، لكنّ الرئيس عبدالناصر كان يرفض حتى أن يكون ملبسنا من ماركات غير وطنية. وأذكر، في هذا السياق، أنني طلبت منه مرة أن يكون لدينا حمام سباحة في الحديقة، فوافق وحين علم أنّ تكلفة بناء الحمام تتجاوز الـ 4000 جنيه مصري آنذاك، تراجع وعوّضني وإخوتي برحلة استجمام إلى شاطئ الإسكندرية. وعلى أي حال، لقد اعتدنا أن نسمع بين الفينة والأخرى تطاولاً بهذا الحجم على الرئيس عبدالناصر، ولكن لن يستطيع أحد، كائناً من كان، أن ينال من اسم وتاريخ جمال عبدالناصر .

لن يستطيع أحد الإساءة إلى اسم الرئيس عبدالناصر

كيف أثرّت قضية أشرف مروان زوج شقيقتك منى على الأسرة؟

ـ لقد تحمل جمال عبدالناصر مسؤولية أفراد أسرته حتى يوم ترجّله صباح يوم 28 سبتمبر 1970، وأعني هنا أنا وشقيقاتي وأزواجهن. بعد ذلك، أصبح كلّ منا مسؤول عن تصرفاته، وهنا أعني، أنا وشقيقي وشقيقاتي من دون أزواجهن. إذا انحرف زوج ابنة الرئيس جمال عبدالناصر، فإنّ هذا لا يمّس أبناءه الذين أنجبهم وربّاهم، وهم ابنان وابنتان، وحتى إن أساء أحد منا التصرف، وهذا ما لم ولن يحصل أبداً، فهذا أيضا لن يسيء إلى اسم عبدالناصر الذي أصبح رمزاً وطنياً وقومياً وعالمياً. من المحال أن يتمكن من تشويهه أحد، ونحن ندرك جيداً أنّ الكيان الصهيوني كان يبحث ولا يزال عمّا يسيء إلى اسمه، وقد استخدم أشرف مروان لذلك. ولكن خسئوا، محال أن ينالوا منه، وقد حُفر اسمه في ضمير الإنسانية، ولم يعد بالإمكان خدشه.

هل كان الوالد أباً بالمعنى الحميم أم كان يعاني صعوبة الجمع بين محبة الأسرة ومحبة الوطن؟

ـ كنت طفلاً محظوظاً، بكلّ بمعنى الكلمة، لأنّ والدي هو عبدالناصر. كان حنوناً وصبوراً لأقصى درجات العطف، رغم انشغالاته والتزاماته التي أخذت جلّ وقته في الليل والنهار. لم يكن لنا أنا وأشقائي ووالدتي إلا بضع دقائق معدودة من وقته في كلّ يوم، وفي بعض الأيام لم نكن نراه، لكنّ تلك الدقائق التي كان يقضيها معنا كانت تغنينا عن كلّ شيء. كان يلهو معنا، وكان يحتمل شقاوتي، على وجه الخصوص، وقد كنت أكثر أشقائي شقاوة. لم يكن لصبره حدود. هدوءه، وضحكته الجميلة جداً، وبريق عينيه، كلّ شيء فيه كان ملائكياً. حين كبرت وعلمت أو اكتشفت أنّ والدي هو حبيب الملايين شعرت بقيمة ما وهبه لنا الله كوطن ومواطنين أولا، وما وهبني كابن ثانياً. لم نكن نشعر أبدا بأي تقصير ربما كان يعرف كيف يغمرنا في وقت قصير. لا حدود لفخرنا به. اشتاقه جداً، كما تشتاقونه أنتم إخوتنا في كلّ بلاد العرب. الإحساس مشترك وواحد، وفي فلسطين تحديداً، فلسطين التي كانت جرحه ووجعه، وسيتحقق ما عاش من أجله وهو كرامة الأمة وتحرير فلسطين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى