قالت له

قالت له

قالت له: كيف تجرؤ وتقول لي أنك تحبّها أكثر منّي، وأنها الوحيدة التي تستحق أن تموت لأجلها، وهي ليست أمك أو أختك حتى لا أشعر بالغيرة؟

فقال لها: لقد أبلغتك أنها حبّي الأول، وأنني لا أحيا من دونها يوماً، وأستفيق على عبق عطرها وأغفو. ولا تنافسك على شيء منّي فهي زاهدة بي وبكلّ رجال الأرض، ولا تطلب لنفسها شيئاً.

فقالت: ليست مشكلتي معها، فأنا أحبها أيضاً. لكن مشكلتي معك أنك تحبّها أكثر من حبّك لي وتجاهر.

فقال لها: لقد أقسمت لها أن تبقى في قلبي ما حييت، وأن تكون قِبلتي وأوّل أحلامي وآخر أيامي. وأنا إن نكثت بوعد أو حنثت بقسم لا أستحق منك حباً ولا أعود الفارس الذي أحببتِ.

فقالت: حرّرتك من طلبي بالبِرّ بالوعد والوقوف عند القَسَم لمرّة واحدة، ولا تتركها ولتحفظها حبّك الثاني فهذا طلبي.

قال: يعني إن خُيّرت بينك وبينها اختارك أنتِ؟

قالت: هذا هو طلبي.

قال: وهل يبقى من الحبّ لها ما تستحق إن قلت هذا؟ إنها من نوع إما أن تكون الروح لها أو لا يكون حبّاً.

قالت: إذن أنت تنهي حبّنا عند هذا الحدّ؟

قال: إن اخترتُ أن أختار فقد اخترتها.

قالت: وهل لي بِاسمها قبل أن نفترق؟

قال لها: إنها قطعة انتُزعت من قلب كلّ منّا، واغتُصبت ألف مرّة، وهي جمال الأرض والسماء وشمس النهار وقمر المساء وصوت فيروز وترجيع صدى المآذن وأجراس الكنائس، وعبق رائحة البن في حارات الشام ممزوجاً بعطر الياسمين وصوت الباعة في أزقة بيروت، ورائحة ورق الكتب في شوارع بغداد، وصيحات الصيادين في تونس والمغرب وصمت الأهرامات في مصر وتدفّق مياه النيل… هي فلسطين يا حبيبتي فهل منها تغارين؟

قالت: كنت أعلم أنها من يحتل قلبك وأنك عانيت كثيراً حتى منحتني بعضاً منه. وأن من يحبك يرتضي لنفسها أن يجاورها بتواضع ويكون جاهزاً للرحيل متى كان لها النداء. فإن تسألني هل أغار فجوابي نعم، لكن إن سألتني هل أرحل إن كان لي الخيار، فالجواب أن لا رحيل.

فعانقها بحرارة ومضى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى