سورية وروسيا… تحالف الحرب قبل النصر وبعده

صابرين دياب

من مهازل التحليل السياسي لكارهي العروبة، وخاصة كارهي سورية، أنهم يقزِّمون السياسة إلى مستوى صراعات العشائر التي تبدأ وتحلّ في حدود رغبة شيخ العشيرة، وإذا ما سأل شخص أو اعترض يكون الردّ: «هيك أنا شايف». انتهى، رفعت الأقلام وجفّت الصحف.

هل يمكن قراءة العلاقة السورية – الروسية بهذه الطريقة؟ وبكلام آخر، هل يمكن قراءة ما قالته كاترينا الثانية امبراطورة روسيا القيصرية قبل الثورة البلشفية بأنّ سورية هي مفتاح حماية روسيا استراتيجياً؟

وهل يمكن قراءة دور الثورة البلشفية في كشف مؤامرة سايكس – بيكو للعرب، بعقل عشائري؟ أو بعقل محلّل محكوم ببضعة دولارات من الفضائية ليتحدث كما تريده إدارتها وممولوها؟ بل لا يمكن حتى قراءة هذه العلاقة بنفسية المثقف الليبرالي الغربي التابع أو المثقف المتصهين أو خادم الوهابية، حتى لو توفرت لأيهما البلاغة اللغوية والتلاعب بالكلام.. ليس ما يستحق الردّ ما يثرثر به كثيرون من مثقفي الثورة المضادة، فهؤلاء ركناهم في زاوية وانتهى الأمر، لعلّ الأخطر منهم أولئك العروبيون الذين يلوكون الكلام كمن لسانه مثابة أفعى بالقول: «لولا روسيا لانهار جيش بشار وسقط بشار في السنة الأولى».

عجباً، هل أنتم عروبيون؟ وإلى هذا الحدّ أنتم سعداء بسقوط سورية؟ كما سعد أمثالكم بسقوط بغداد! ولصالح من؟ هل أنتم سوى طابور خامس! أو في أحسن الأحوال موتورون كما العشائريون تأخذكم العزة بالإثم على حساب الأمة والوطن، من قال إنّ بوسع سورية مواجهة أكثر من نصف أوغاد العالم؟ من واشنطن إلى الرياض الى تل أبيب إلى الدوحة وابو ظبي وانقرة إلى كلّ الاتحاد الأوروبي… أيّ كلّ الثورة المضادة؟

ولكي نقوم بتجليس الحقيقة، فإنّ الامتنان المتبادل بين روسيا وسورية هو أمر طبيعي، لكن روسيا أكثر امتناناً. فقد بدأ الغُزاة التكفيريون من بلدان الاتحاد السوفياتي السابق وحتى بلدان الاتحاد الروسي بالوصول، نعم الوصول الآمن وليس التهريب أو التسلُّل، عبر تركيا إلى سورية. أولم يتدرّبوا جميعاً في أفغانستان ضدّ الجيش السوفياتي؟

هذا ما أدركته سورية وما ناقشته مع روسيا وبالتالي كانتا كلتاهما في جبهة واحدة ضدّ عدو مشترك، وفي حال كهذه، أيّ تحالف مصيري، لا يعود مكاناً لنقاش، ايّ البلدين قدّم أكثر للآخر، أو حمى الآخر.

مثلاً، هذا الشكل المتخلف للمناكفة لم يحصل بين الامبرياليات التي سميت بـ «الحلفاء» منذ الحرب العالمية الأولى وحتى اليوم، وهدفها الامبرياليات نهب العالم وإسالة دمه، ومع ذلك، روسيا بوتين ليست روسيا يلتسين. فالقيادة الروسية الحالية هي نمط من القيادة قومية التوجه، تنموية السياسة الاقتصادية، لديها توجه الحلول القطبي مقابل الإمبريالية الأميركية، والأهمّ من هذا أنّ سياستها يمكن تكثيفها في نقطتين…

الأولى: روسيا قوية عسكرياً واقتصادياً وثقافياً وقومياً، والنقطة الثانية، روسيا قطب دولي يحلّ الصراعات بالحوار ولا يتدخل ضدّ سيادة أية دولة.

وعليه، حين يكون بلد مثل سورية قد اضطر ليكون موقع تجميع الإرهاب ليقوم الإرهابيون منه بالتسرّب إلى مختلف الدول التي تقف خارج هيمنة الإمبريالية، وخارج التخريب النفطي التابع، حينها يصبح اللقاء الروسي مع سورية ضرورة لروسيا قبل أن يكون ضرورة لسورية لأنّ معنى ذلك أنّ سورية تقدّم لروسيا خدمة الاحتياط المسبق قبل الدمار.

من جهة ثانية، من قال إنّ روسيا مغامرة لتقف إلى جانب سورية لو كانت سورية هشة ومتآكلة؟ لقد انتظرت روسيا أربع سنوات حتى قرّرت البدء بالدعم لسورية. هنا يكون السؤال:

أين هو الجيش الذي يمكن ان يصمد أمام الثورة المضادة بقضّها وقضيضها لأربع سنوات؟ أمام إرهابيين من ثلاث وثمانين دولة، تدعمهم دولهم، إرهابيون بأعداد ربما تفوق عدد الجيش العربي السوري، إرهابيون احترفوا حرب المدن، إرهابيون يجمعون بين تكتيك حرب الغوار وتكتيك الجيش النظامي بما لديهم من دبابات ومدرّعات وناقلات جند، إرهابيون لديهم اتصال بأقمار صناعية أميركية تزوّدهم بمواقع وتحركات الجيش السوري، إرهابيون لديهم إمكانات لوجستية ربما تفوق ما لدى الجيش السوري.

نحن هنا، لا نتحدث عن مجموعات غِوارية كلاسيكية تتزوّد بأسلحتها مما تأخذه من جيش الدولة، بل عن فرق هائلة لديها كلّ شيء وإنْ كان ينقصها الشيء الأهمّ وهو شرف المواطنة والوطنية بما هي مرتزقة ومريضة نفسياً.

أين هو الرئيس الذي يمكن أن يصمد في بلد يتعرّض لكلّ هذا العدوان سواء عسكرياً او نفسياً او إعلامياً!؟ من الذي يمكنه إدارة حرب كهذه غير طبيب عيون حاذق وذي أعصاب لا يخالطها الخوف أو القلق؟ ألم يهرب بن علي في أيام؟ ألم يسقط فرعون كامب ديفيد في أيام أيضاً؟ وكانا مدعومين من الإمبريالية بإجماعها؟ ألم يسقط شاه إيران في أشهر؟ هذه البنية السورية هي حائط الصدّ إذن عن روسيا، كما هي عن سورية نفسها.. ولكن، من بين قوى العدوان، لعلّ الأشدّ خطراً هي أنظمة الريع النفطي، وذلك لأكثر من سبب:

ـ فهي فراخة توليد التكفيريين بتعبئتهم ضدّ العروبة والعلمانية والحداثة والمرأة.

ـ إرهابيون وصلت بهم الثقة بـ «النصر» إلى حدّ أنهم جلبوا أسرهم من شيشينيا وأنغوشيا إلى إدلب.

ـ هي مخزن المال الذي تدفق إلى جيوب التكفيريين وأُسرهم ومصادر تسليحهم وتربيح شركات السلاح والدفع نقداً لخزينة الإمبريالية الأميركية.

ـ هي قاعدة الإعماء الإعلامي من فضائيات وتلفزيونات وصحف ومساجد إلخ… والتي قادت ولم تتوقف حرباً نفسية هائلة، بل حرب زعم سقوط موقع دون أن تُطلق عليه طلقة واحدة.

ـ هي التي استضافت العديد من مأجوري التحليل الذين هم من التهافت بمكان بحيث لا يهتمّ واحدهم لو قال اليوم وانكشف كذبه غداً.

بعد هذا كله، لا نكتب لإقناع من استدخلوا الهزيمة، وباتوا في معسكر العدو، بل نكتب للشعب العربي الذي سرقه هؤلاء، ولا بدّ أن يستعيده الوطن.

نحن الآن على حافة النصر، فماذا بعده؟ ولا نقصد هنا عن الداخل السوري بل ماذا عن العلاقة بالحليف؟ تكفينا هنا فقرة واحدة: إن ما صمد بوجهه الحليف الروسي من إغراء أوغاد الخليج لروسيا بـ تريليونات الدولارات كي تخذل سورية، هو ما ستصمد به سورية، فتتجه شرقاً اقتصادياً وسياسياً…

كاتبة وناشطة فلسطينية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى