إضاءة
إضاءة
ظاهرة الشعر الـ«فايسبوكي»!
أمين الذيب
تشكّلت، بفعل شبكة التواصل الاجتماعي، شريحة واسعة من الشعراء، حتى تكاد تشعر أن كل مُستعمِل «فايسبوك»، شاعراً. حيث باتت الصفحات تعجّ بكلام شعريّ عن الحب والوطن، والتقاليد والقيم، والخيانة والإخلاص وإلى ما هناك من مشاعر بشرية أو إنسانية جيّاشة ومتوقدة.
كيف نرى إلى هذه الظاهرة التي أصبحت موجودة ومُتجذّرة في يومياتنا الافتراضية، التي صارت تشغل الكثيرين، وتكاد تكون للبعض بديلاً عن الحياة الواقعية.
ساهم التواصل الاجتماعي بنقل القصيدة، من الحالة الورقية الكتاب، الديوان، الجريدة، والمجلّة ، إلى شاشة صغيرة، تختصر الوقت والكلفة ومُعاناة قبول النصّ أو رفضه من القائمين على المدوّنات اليومية والأسبوعية. كل هذه المعضلات انتفت بإمكانية النشر المباشر ووضعه أمام شريحة واسعة من الجمهور الـ«فايسبوكي».
هذه الوضعية جعلت الجمهور الـ«فايسبوكي» يتبوّأ مكانة الناقد للنصوص التي تصله، وأصبحت الـ«لايك» نقداً سريعاً يتلقّاه الشاعر أو الذي يكتب الشعر، ويبني عليه مقدار قبول الجمهور أو رفضه، معتمداً على عدد «اللايكات» أو التعليقات التي يحصّلها النصّ من «فايسبوكيين» تتنوّع ثقافاتهم وتتفاوت بحسب واقعهم الذي لا يعرفه الباثّ أو الشاعر، ولا يعرف بالضبط الخلفيات التي وهبته التأييد أو الرفض.
يلاحظ أيّ مُتتبّع للنصوص وردود الفعل عليها، أنّ خللاً كبيراً يشوب العلاقة الجدلية بين طرفَي المسألة المُشار إليها. كأنّ «اللايك» أو التعليق نمط من العلاقات الاجتماعية المُتبادلة. ولم تعد قيمة النصّ وحدها كافية عند المتلقّي، بل القاعدة هي تبادل «اللايكات».
من دون شك، هناك نصوص هابطة، ولكن تأتي التعليقات عليها من المتلقي وكأنه قرأ نصّاً لأبي تمام أو المتنبي أو أبي نواس أو سجعون القلاعية، والهدف أن تتم مُبادلته بالمثل حين يكتب نصوصه، غير عابئين بالنقد غير الموجود أصلاً.
يحتمل الشعر الـ«فيسبوكي» مراجعة متأنّية كونه يطبع العصر بطابعه، وبالتالي هو كباقي الفنون منه الهابط ومنه المقبول ومنه الجيد. والسؤال: إلى أيّ مدى يؤثّر الشعر الهابط سلباً على شعر شعراء بالمعنى الحقيقي للكلمة على ساحة «فايسبوك»، وهل المسألة مرهونة بالزمن، حيث يثبت الأصيل ويقع المزيّف في مسار الشعر؟ كل هذه الأسئلة تطرح دور المتلقي وذائقته الأدبية وقدرته على التمييز بين الجيّد والرديء، أم أنه جزء من المجاملات الاجتماعية، والتي قد تنعكس على وعي الذي يكتب الشعر، فيعتبر نفسه شاعراً بما يتلقاه من مديح على نصوصه الهابطة؟
المسألة تقع في ثقافة المجتمع ووعيه، ودوره في بناء قِيَمه ومُثله العليا، وهذه مسألة صراعية طويلة، لن نقف عندها الآن، لنطرح الوجه الإيجابي لتدفّق موجة الشعراء على هذه الفسحة من الحرّية التي أتاحها التواصل الاجتماعي. فتحقيق الذات حقّ إنساني مشروع وكل من يحاول أن يبذل جهوداً في هذا المسار كمن يضيء شمعة في ظلمة التخلّف والانحطاط التي أصابت السواد الأعظم من شعوبنا، وحوّلتهم إلى كُتل مذهبية وطائفية متناحرة، تقتل قيم الوحدة المجتمعية بقتل ثقافة الأمّة وحضارتها وتحويلها إلى مُستنقع يُنتج الجهل والتراجع.
كلّ من لا يزال يعتمد الكلمة هو مصارع ولو بتراتبية ومستويات، ضدّ القتل والتدمير وتمزيق المجتمع، ظواهر كثيرة يواجهها الشعر عن قصد أو من دون قصد، مثل سبي النساء وجهاد النكاح وما تلاها من نظرة مُنحطة إلى الحياة والكون والفن. يبقى الشعر يؤسّس لوعي مجتمعي تراكمي، لجهة المفاهيم والقيم التي يبثّها كرافعة أخلاقية لما يعاني منه مجتمعنا وشعوبنا.
شاعر وناقد