مختصر مفيد أوروبا تتغيّر ويتغيّر معها العالم

مختصر مفيد أوروبا تتغيّر ويتغيّر معها العالم

ـ لم تكن أوروبا صانعة سياسة، منذ نهاية الحقبة التي مثلها الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول في السياسة الاستقلالية عن السياسات الأميركية، حيث ودّعت الدول الأوروبية مع ديغول خيار الاستقلال، ولما توحّدت أوروبا في كيان سياسي واحد وسياسة خارجية واحدة لم يتغيّر الواقع، وبقيت السياسة الخارجية الأوروبية، خصوصاً في منطقتنا محكومة بالسقوف التي ترسمها واشنطن.

ـ خلال السنوات التي افتتحتها الحرب الأميركية على العراق سقطت آخر محاولات الاستقلال الأوروبية مع خطاب وزير خارجية فرنسا دومينيك دي فليبان أمام مجلس الأمن الدولي احتجاجاً على الحرب، ورحل دي فيلبان ورحل معه خيار الاستقلال، وتحوّلت أوروبا منذ ذلك التاريخ مجرد ذيل تابع للسياسات الأميركية، وبوق لتسويقها. وقد حفلت الحرب التي قادتها واشنطن على سورية بالوقائع التي تظهر نجاح واشنطن بتسخير أوروبا لخدمة سياساتها وتوظيفها ضمن خططها.

ـ لم تكن الحرب على سورية حدثاً عادياً، فقد ترتّب على فشلها بإسقاط سورية، بعد استثمار مبالَغٍ فيه للمقدرات والتحالفات، ظهور حدود القوة الأميركية في فرض الإرادة الأحادية على الساحة الدولية، كما ظهرت روسيا الجارة الأقرب للمنطقة ولأوروبا من أميركا قوة صاعدة، قادرة على فرض إرادتها في جولات متعدّدة على الإرادة الأميركية، كما ظهرت إيران كلاعب إقليمي بتأثيرات دولية ناتجة عن حجمها الاقتصادي وتطلّعات أوروبا نحوه من جهة، وتداخل الملف النووي الإيراني بقياس قدرة القوة الأميركية على التأثير، من جهة ثانية، وحجم القوى الإقليمية التي شاركت في جبهة الحرب على سورية والتي تنظر لإيران كعدو لا يمكن تقبّل صعوده، خصوصاً إسرائيل والسعودية، وكانت النتيجة مع التفاهم على الملف النووي الإيراني بشروط تلبي تطلعات إيران حصيلة كافية لتظهير توازنات جديدة في منطقة هي الأقرب لأوروبا وإيران وتقع بينهما، وقد باتت مدى حيوياً لحركة إيران من ضفاف البحر المتوسط حتى حدود إيران.

ـ ظهرت الآثار المترتّبة على الحرب على سورية كعينة اختبار لما سيترتب على منهج العبث باستقرار الدول ووحدتها والتعامل المزدوج مع الإرهاب، فقد شهدت أوروبا ولا تزال تجذّر الإرهاب وظهوره كتحدٍّ صعب يتخطّى في حركته قدرة الأجهزة الأوروبية على إطفاء جذوته بالإجراءات التقنية، وصار عابراً لسنوات ولا يزال، وعابراً لمساحات ولا يزال. كما ظهرت موجات الهجرة الجماعية لملايين النازحين، وظهرت الفوضى التي تبشّر بالمزيد من القواعد المجانية لقوى التطرّف، وبدلاً من نظرية اعتماد الحرب موقداً يتم إرسال الإرهابيين إليه ليتم قتلهم، صارت التعبئة للحرب بين المتطرفين وسيلة استنهاض وتجنيد أضعاف مضاعفة من المتطرفين، وبدلاً من اعتماد الحرب آلة استنزاف لمحور الاستقلال والمقاومة صارت الحرب آلة تعاظم قوة هذا المحور.

ـ ما قال الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون يبدو أنه علامة بداية تغيير تشهده أوروبا في زمن التراجع الأميركي السعودي «الإسرائيلي» والصعود الروسي الإيراني والمقاوم، وزمن الهجرات الجماعية والإرهاب يزحفان على عنق أوروبا، عندما وقف داعياً لسلم أولويات جديد عنوانه الحفاظ على استقرار الحكومات ووحدة الدول في مواجهة الإرهاب وضمان عدم النزوح والهجرات الجماعية، حتى لو تمّ ذلك على حساب الدعوة للديمقراطية وحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير المصير، وهي الشعارات المعتمدة للتدخل لزعزعة الاستقرار وتهديد وحدة الدول.

ـ أوروبا تتغيّر ويتغيّر العالم.

ناصر قنديل

ينشر هذا المقال بالتزامن مع الزميلتين «الشروق» التونسية و«الثورة» السورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى