«النصر ساعة صبر»… تحية من «جمعية تمّوز» لكلّ من دافع عن أرض سورية
دمشق ـ آمنة ملحم
إنها ليست المرّة الأولى التي يقدّم فيها المخرج مأمون الخطيب عروضاً فنية ذات سويّة عالية المهنية، وطروحات جديدة لافتة. فها هو اليوم يقدّم مع العرض المسرحي الفني «النصر ساعة صبر» الذي أقامته «الجمعية السورية لدعم أسر الشهداء ـ تمّوز» في دار الأوبرا في دمشق، عرضاً مختلفاً يمزج بحرفية ودقة في التفاصيل ما بين المسرح والموسيقى والسينما والمونتاج بسلاسة تجعل المتلقّي مندمجاً مع العرض من دون إفلات أيّ من تفاصيله المنسجمة لأقصى الحدود نصّاً وأداء.
العرض المسرحي أقامته «جمعية تمّوز» برعاية وزير الدفاع العماد فهد جاسم الفريج وبحضوره، وكذلك بحضور وزير الإعلام محمد رامز ترجمان، وزير السياحة بشر يازجي، ووزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، ومفتي الجمهورية الشيخ أحمد بدر الدين حسون.
تميّزت اللوحات الراقصة التي أدّتها «فرقة آرام للمسرح الراقص» بانسجام تام مع فكرة العرض ككل، والموسيقى التي بدت بصمة الموسيقار طاهر مامللي واضحة فيها منذ بداية العرض، وفي كافة فقراته الراقصة والمسرحية، مع تميز في الأداء التمثيلي بشكل خاص للفنانة رنا جمول الملتصق أداؤها بالمسرح على الدوام، والمتمكنة من أدواته كافة. كما كانت الفنانتان سلمى المصري ولينا حوارنة خير حاملتَي رسالة أمهات، أدّيانها بمصداقية عالية مع نصّ لمحمود عبد الكريم نسج من القلب، ليحمل في الوقت ذاته كل الأمل والعزيمة للانتصار وحماسته.
وعلى الطرف الآخر، أدى كل من الفنان كرم الشعراني، ومالك محمد، ولجين إسماعيل، ويامن سليمان وإبراهيم العيسى ومؤيد الخراط، أدوار الجنود السوريين في ساحة القتال وموقع الشهادة. فكانت التفاتة بارزة من المخرج الخطيب بأداء حوار ما بين الأمّ وابنها الشهيد، وكأنه حوار ما بين الأرض والسماء، كما لم يغفل دور المرأة في ساحات القتال والتي وقفت في الحرب على سورية يداً بيد مع الرجل، وكانت مقاتلة إلى جانبه. حيث برزت الفنانة ميريانا معلولي بدور المرأة الجنديّة في العرض والاحتفال مع رفاق السلاح في ساحات النصر، كل تلك الفقرات المسرحية رافقها المغني بلال الجندي بصوت صدح ليحوّل تواجده إلى ما يشبه المسرح الغنائي، فكانت ردوده على كلّ ما ينطقه رفاقه بالأغاني والدندنة.
كما لم تغب السينما عن الفعالية، حيث شهد العرض فكرة جديدة قامت على أسلوب الدمج ما بين شاشة السينما والمسرح، في حوار دار خلف الشاشة من قبل الفنان أيمن زيدان بدور الأب كرمز لكلّ أب لابن في الجيش السوري، وكان صوته صوت الحقّ والرجولة والدعوات، مقابل صوت جنود حلب على المسرح وثباتهم وإصرارهم لنيل ساعة النصر.
لتكون خاتمة العرض بأوبريت غنائي أدّاه كل من الفنان عبود برمدا برفقة شقيقته شهد برمدا مع لوحة راقصة لفرقة «آرام» كانت الأكثر تميّزاً في اللوحات المقدّمة.
وفي تصريح أدلى به إلى «البناء»، قال رئيس «جمعية تمّوز» د. مازن حميدي إن الاحتفالية أقيمت في 6 و7 تشرين الأول، ذكرى حرب تشرين التحريرية التي تعتبرها الجمعية رأس سنة لها ولانطلاقتها الجديدة في كل سنة هذه الذكرى لانتصارات الجيش السوري البطل الذي نعيش اليوم نصراً جديداً على يده. منوّهاً بأهمية وقوف المجتمع الأهلي مع الدولة لدعم الجيش. وأضاف أن الجمعية وزّعت السنة الفائتة مبلغ 338 مليون ليرة سورية من التبرّعات التي حصدتها لأكثر من 5000 أسرة لشهيد سوري، وبعد الاحتفالية ستبدأ أعمالها للسنة الجديدة مع مشاريع تنمية مستدامة تكفل دخلاً شهرياً لكل أسرة شهيد في الجيش السوري كي تكفل لهم الحياة الكريمة التي يستحقون.
وفي مؤتمر صحافيّ عقد قبل الحفل، قالت ديمة العقاد إنّ «جمعية تمّوز» تعنى بأسر الشهداء وتمتد نشاطاتها في كل من دمشق وريفها، وطرطوس والسويداء ودرعا واللاذقية وحماة، وأن من واجب المجتمع الأهلي المساهمة في دعم أسر الشهداء الذين قدّموا أرواحهم في سبيل هذا البلد يداً بيد مع الدولة السورية.
وأوضحت العقاد أن العرض يأتي نتيجة إيمان الجمعية بأن الفنّ والثقافة جزء من معركتنا، وسبقته عروض عدّة منها «وعد شرف»، «الدم حبر الحق»، واليوم «النصر ساعة صبر»، كعمل فنّي يكرس رسالة الشهادة وقدسيتها، ويحمل رسالة بقرب النصر. ولكن ما نعيشه اليوم هي أصعب ساعة سنصبر فيها لنصل للنصر.
وقال مخرج العمل مأمون الخطيب إن قبوله العمل جاء لدعم توجّه الجمعية وإيمانها بأهمية الفنّ في نشر التوعية المجتمعية ووسيلة تنويرية ومعرفية، والفنّ رسالة مقدّسة وسلاح فعّال وهذا يحفّز على دعم الجمعية وما تقدّمه بالجهد والوقت.
وأوضح الخطيب أن العمل حمل الصعوبة كونه يحمل نفحات من المسرح والسينما والموسيقى والمونتاج واللايف على المسرح، إضافة إلى العرض الراقص، فهو متنوّع وصعب، وأهم ما يميّزه أن الأحداث تجري على لسان أمهات الشهداء وأمّهات الجنود على الجبهات، حاملة لحظات من الانتصار بالتعريج على انتصار حلب الذي كان مفتاحاً للنصر.
بدورها، قالت الفنانة سلمى المصري إنّ للفنان دوراً هاماً في المرحلة التي تمر بها سورية، من خلال مشاركته في مجالات كثيرة ودعم الجمعيات الأهلية وأمهات الشهداء اللواتي فقدن أولادهن في سبيل هذا البلد. لذا ترى أن التواجد في هذا النوع من الفعاليات واجب عليها لزرع ابتسامة بسيطة على وجوه أمهات الشهداء ومحاولة رفع معنوياتهن قدر الإمكان. لافتة إلى قبولها العمل مع «جمعية تمّوز» من دون تردّد مع إثباتها على الأرض لفعالية رسالتها ومصداقيتها.
من جانبه، أعرب الموسيقار طاهر مامللي عن سعادته بتكرار التجربة مع «جمعية تمّوز» بعد «الدم حبر الحقّ». لافتاً إلى أن العرض حمل المباشرة في الطرح وتوجيه التحية إلى كلّ من حمل السلاح ودافع به عن البلد حتى يبقى هذا الوطن مستمرّاً. مؤكداً أنّ تواجده في هذه الفعاليات ودعم أسر الشهداء واجب عليه، لا سيّما في هذه المرحلة التي تقتضي وجود رسالة هادفة وتحمل فكراً، وهذا ما يحققه العرض. كما أن الموسيقى تطلبت تقديم نوع من السهل الممتنع فلا تكون مادة بسيطة ولا معقدة لأنها على تماس مباشر مع الجمهور الذي يجب أن يتقبلها على الفور ويتفاعل معها، لا سيّما في خطّ الشجن وجرعة النصر والحماسة ووحدة الأسلوب.
كما أشار الفنان يامن سليمان إلى أنّ رسالة العمل تجعل قبوله أمراً حتمياً من دون تفكير، فكافة أفراد الجيش السوري متواجدون في العرض، وهؤلاء لهم دَين في رقبة كلّ سوري على هذه الأرض. لافتاً إلى أن العرض يمسّه إنسانياً ويمسّ كافة الممثلين المشاركين. فالجميع يعيشون لحظات الفراق والخوف والقلق، كما يعيشون نشوة الانتصار. فالحكاية تمسّ الجميع من دون استثناء. ويهدي سليمان العرض لروح أخيه الشهيد ورفاقه الذين أكملوا الدرب من بعده.
وقالت الفنانة ميريانا معلولي في حديث إلى «البناء» إنّ الاحتفالية هي تحية للجيش السوري وشهدائه وأبطاله على الجبهات، وهو نوع من الدعم للجندي السوري وأسر الشهداء، ودليل على الوقوف إلى جانبهم بسلاح الفنّ الذي يستمدّ قوّته منهم.
و«جمعية تمّوز» هي جمعية غير ربحية أُسّست عام 2012 في ظل الحرب التي تعيشها سورية، وتعنى بدعم أسَر الشهداء، وتعمل على تعزيز مشاركة المجتمع المدني والقطاع الأهلي في دعم أسَر الشهداء في سبيل بناء مجتمع سوري قويّ متماسك وتعزيز دور أبنائهم في بناء الوطن وحمايته واستمرار الحياة والانجاز والإبداع تحدّياً للحرب وآثارها.