هل وقعت واشنطن في فخ «السابقة» النووية بالحساب «الإسرائيلي»؟

روزانا رمّال

يبدو أن التذكير بمراحل الإعداد للاتفاق النووي الإيراني وبوابات عبوره نحو الشرعية بمنظار الدول الكبرى بات أمراً ملحاً، بعد أن بدت الصورة اكثر ريبة في ما يتعلق بمصيره. وكأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب رئيساً مفوضاً بنسف كل مشاريع الرؤساء السابقين وكل المجهود الأميركي في المحافل الدولية التي سجلت لحساب الدبلوماسية الأميركية وفريق العمل الذي تشارك مع روسيا للتحضير لجلسات تجمع الدول الأوروبية ووزراء الخارجية جون كيري وسيرغي لافروف، حيث الثنائية الاستثنائية. وهو ما يعني وفق هذا المنظار ان ترامب لا يأبه لصورة واشنطن والتزاماتها، وأن الأمر يتعلق باتفاقات ظرفية. فهل هذا يعني أنه بات يجب على المجتمع الدولي أخذ الحيطة والحذر من إمكانية نكث الأميركي لعهود موقعة سابقة إذا كانت المصلحة تقتضي ذلك؟

إذا كان هذا صحيحاً، فإن هذا يعني ان هناك امكانية لمراجعة ملفات أخرى ربما، مثل المصالحة التاريخية مع كوبا التي طويت فيها مرحلة قطيعة لأكثر من خمسين عاماً بين الولايات المتحدة وكوبا، بمساعي الرئيس الأميركي السابق باراك اوباما!

بالعودة الى امكانية الغاء الاتفاق الأميركي، الغربي، النووي مع إيران، فإنه ومن دون شك خيار يحتمل أسباباً وخلفيات عدة. أبرزها أن يكون هذا التهديد هو رسالة غير مباشرة لكوريا الشمالية ومحاولاتها تحدّي الولايات المتحدة الأميركية حتى التسليم الغربي، كما سلّم لإيران بضرورة إيجاد مخرج، فتحصل كوريا الشمالية على شرعية دولية بهذا الإطار وتباشر الدول الغربية بفتح باب العلاقات مع بيونغ يانغ. فيصبح بالتالي هذا الاتفاق بشكله ومضمونه «سقطة» أميركية بالحسابات. ففي وقت لم تراعَ فيه «اسرائيل» بتوقيعها الاتفاق، حسب قول «الاسرائيليين» لاوباما، أتى اليوم الذي تصبح فيه الولايات المتحدة متضرّرة من التوقيع على اتفاق من هذا النوع مع إيران ما أفسح المجال أمام الكوريين الشماليين لتحدي واشنطن والتهديد بضربها واستخدام أسلحة تصل للعمق الأميركي من دون أن تعطي أي أهمية لا لتهديدات المجتمع الدولي ولا لواشنطن أي ترامب الذي يصعّد كلامياً منذ فترة بوجه الزعيم الكوري الشمالي والأخير بدوره يردّ وفريق عمله في كل مناسبة وموقف.

تشكّل «السابقة» في العلاقات الدولية توريطاً للدول الكبرى في اتخاذ قرارات يطلب على أثرها المعاملة بالمثل. فإما يلغى الاتفاق النووي مع إيران وإما يُعتمد اتفاق مشابه للكوريين الشماليين في نهاية المطاف. وهو احتمال كان مرجّحاً بشكل كبير قبل بدء ترامب حملته الكلامية المكثفة بوجه إيران.

من جهة أخرى للتذكير أيضاً، فلقد كان للسفير الأميركي في بيروت جيفري فيلتمان أكبر دليل على تمسك واشنطن بخيار التواصل مع طهران، فقد خصص السفير فيلتمان بمهمة ولقب اممي من اجل التواصل مع طهران وزيارتها تحت عباءة الامم المتحدة، لكنه برفع الأقنعة كان ممثلاً للولايات المتحدة من دون شك. وهو ما يدل على سعي ادارة اوباما لحل الملف جدياً، بل وابتكار الحلول وطرق التواصل مع طهران من أجل هذه الغاية. فهل هذا يعني ايضاً ان المؤسسة الأميركية العميقة التي تعمل كما «يروّج» في منطقتنا ضمن منهجية واضحة ونظام مصلحي يفوق خيارات الإدارات المتعاقبة لما هو أبعد من ذلك ليصل الى المصلحة الأميركية العليا قد تنازلت وسمحت لترامب بالنكث بخياراتها؟

إذا كان هناك شيء يتطلّب نسف كل ذلك، فإنه بالتأكيد سيكون قراراً ضخماً جداً. وهو إحدى الطرق المؤدية الى حرب واضحة الأهداف. وها هي «اسرائيل» اليوم تترقب بشغف نهاية تهديدات ترامب مستفيدة من تقاطع ذلك مع مصلحة أميركية في عدم فتح الباب امام كوريا الشمالية للمزيد من التصعيد او الأمل بمستقبل يخضع فيها العالم لإرادتها.

اذا كان ذلك جدياً، فإن موقف الامين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا امانو امس، في روما، في افتتاح مؤتمر حول نزع الاسلحة النووية اي في مناسبة مخصصة للموضوع نفسه يتطلب التوقف عنده. فهو صرح بأن إيران «تحترم بالكامل تعهداتها بموجب الاتفاق المبرم مع الدول الكبرى في 2015 في شأن برنامجها النووي». وأضاف «أستطيع تأكيد احترام التعهدات التي قطعتها إيران في الموضوع النووي بموجب خطة العمل المشتركة الشاملة»، أي الاتفاق النووي الإيراني. وزيرة الخارجية الاوروبية من جهتها فيديريكا موغيريني أكدت أيضاً «احترام إيران التزاماتها في هذا الملف، وأنه قد تم التحقق منه 8 مرات. «الآن وقت فتح» قنوات جديدة في التعاون الدولي، وطبعاً ليس لتفكيكها، مضيفة «لم نعد نستطيع فتح جبهة جديدة» الأن مع مواجهة التهديد الكوري الشمالي، في إشارة الى الاتفاق الإيراني واحتمال تقويض الأميركيين له.

من المبكر اعتبار أن الامم المتحدة خرجت عن التأثر بالضغوط الأميركية، وبملف من هذا النوع يستحيل الخروج عن الرغبة الغربية. ومثال جيفري فيلتمان وتجنيده لخدمة الأمم المتحدة بهذا الاطار خير دليل، لذلك فإن كلام يوكيا امانو هو خط رجعة أميركي واضح المعالم قد لا يكون بالضرورة واقعاً ضمن نفوذ ادارة ترامب، لكنه أميركي بالتأكيد ضمن المؤسسة الحاكمة نفسها، حيث إنه وبالرغم من تهديداته، فغن تقارير الوكالة ستنسف اتهاماته إذا لم يتم الحصول على وثائق تثبت ذلك من الجهة المختصة اي الوكالة الذرية.

ترامب الذي أرخى أجواء التهديد بالانسحاب من الاتفاقية يسمع من الاتحاد الأوروبي والوكالة الذرية ما يجعله أكثر إرباكاً تجاه بلاده و»اسرائيل» ويعقد المشهد أكثر من دون أن يعني ذلك العودة الى لحظة الصفر، كما أوحى وزير خارجية المانيا بعد أن اصبحت العلاقات الاوروبية السياسية مع إيران جيدة وبعد أن صار التفاوض في المنطقة معها ضرورة لإنهاء الملفات المتبقية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى