متى تفرغ ُجعبة ُ الشيطان؟
أيمن الزغبي ـ سورية
قبل حوالي عشرين عاماً دخلت إلى أحد المكاتب في المؤسسة التي كنت أعمل بها لأجد أربعة من الكرد أخوتنا في الوطن يتجادلون وبحماسٍ شديد وقد تناهت لمسامعي كلمات أحدهم يقول: نعم خائن وستين خائن وهو سليل الخيانة.
ألقيت التحية عليهم وسألت المتحدث: أتقصد صلاح الدين؟
أجاب فوراً وعلامة الاستغراب بادية على وجهه: نعم صلاح الدين وكيف عرفت؟
ليست هذه أول مرة أسمع أحداً من الكرد يصفه بالخائن.. لكن لو كنتم تفقهون بالسياسة وكيف يكون رجلاً بعينه قائداً لأدركتم أنكم مخطئون عندما تصفونه هو والزنكيين بالخونة. فهم لو وجدوا أنّ الظروف المحيطة تسمح لهم بإعادة تلك الدولة المزعومة للحياة لفعلوا، لكنهم أدركوا المخاطر التي تحيط بهذه الدولة فقرّروا التوجه لحمل راية الإسلام وتأسيس دولة أكبر تتجاوز حدودها حدود أطماعهم ككرد. وأنتم للأسف ما زلتم تعيشون ذلك الحلم. فأجابني بحدّة: حلم، والله لنجعله حقيقة.
وكيف ستجعلونه حقيقة؟ ودولتكم المزعومة تقتطع أفضل وأغنى الأراضي في إيران والعراق وسورية وتركيا وهي ستكون محاصرةً بريّاً وجويّاً من الدول الأربعة فكيف ستحيا تلك الدولة؟ أرجعوا عن حلمكم هذا الذي سيفتح على شعبكم وشعوب المنطقة نار جهنم ولن تجدوا لتحقيقه سبيلاً ولا معيناً اللهم إلا الولايات المتحدة والصهاينة.
فسارع بالجواب قائلاً: حتى ولو كان الشيطان نفسه لا يهمّ.
هذا كان في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، واليوم ما كان مجرد تخمينات وتحليلات بات أمراً واقعاً نرى إرهاصاته في التواجد الاقتصادي واللوجستي والعلاقات الاستراتيجية بين الكيان الصهيوني وإقليم كردستان العراق والدعم العسكري والاستخباراتي الأميركي له.
والآن وبعد ما يقارب السبع سنين على انطلاقة مشروع «الشرق الأوسط الكبير» الذي خطط له الغرب والصهاينة وأطلقوا عليه اسم «الربيع العربي» وهزيمة كلّ أدواته التي أسّسوها ودعموها بكلّ ما تحتاج إليه من مالٍ وسلاحٍ وعتاد وغرف عمليات ومعلوماتٍ استخبارية وتجنيد الإعلام للترويج والتزوير والدعم السياسي نصحو على سعيٍ حثيث لبعض قيادات الأكراد نحو الانفصال في توقيتٍ زمنيٍ يضع أكثر من إشارة استفهام ويجعلنا محقين في اعتبارهم الورقة الأخيرة التي تشعلها دولة الصهاينة بوجه حلف المقاومة المعادي لها ولمشروعها التي ترعاه الولايات المتحدة «الشيطان الأكبر في هذا العالم»، فهل تنجح في إشعال هذه الحرب الشيطانية؟
إنّ التقارير الإعلامية والإستخباراتية تؤكد أنّ المقاتلات الإسرائيلية باتت في المطارات العسكرية في الإقليم، كما أنّ هذا الزخم السياسي في دولة الكيان والداعم للخطوة الإنفصالية فيما إذا قاربناه مع انهيار الجماعات المسلحة التي عملت بأمر ودعم من دولة الكيان وحلفائها الغربيين والعرب على تفتيت العراق وسورية، ندرك تماماً أنّ إجراء الاستفتاء والمطالبة بالانفصال بهذا التوقيت تحديداً ما هو إلا تنفيذ لأوامر أصحاب مشروع تقسيم المنطقة وبعثرتها لإبقاء دولة الكيان هي الدولة الأقوى فيها.
وفي دراسة بسيطة وموضوعية للظروف المحيطة ندرك تماماً أنّ هذه الدولة لن ترى النور ولا نظنّ الصهاينة ومن يدعمهم أغبياء لدرجة تصديق أنّ العراق وإيران وتركيا وسورية ستسمح بوجود هكذا دولة، إذاً فيما المغامرة ولماذا؟
الأهداف الصهيونية واضحة وضوح الشمس وعلى رأسها تحويل الإقليم لقاعدة عسكرية محاذية لإيران في رسالة ردّ على التواجد الإيراني في سورية.. أنتم اقتربتم من حدودنا وها نحن على حدودكم، فهل تتحمّل دولة الكيان تداعيات ورقة الضغط هذه؟
فالجمهورية الإسلامية في إيران أثبتت خلال العقود الأربعة الماضية أنها قادرة على استيعاب سياسات الدول الكبرى في العالم والتعامل معها بنديّة، فما بالكم بدويلة مارقة كإسرائيل تعتبرها إيران غدة سرطانية يجب اقتلاعها من المنطقة. هذا إلى جانب أن نأخذ بعين الاعتبار أنّ دولة الكيان الصهيوني لم تستطع أن تحرز إنتصاراً على المقاومة اللبنانية فكيف ستقدر على العراق او إيران؟
مما تقدّم ندرك أنّ الهدف الأميركي والصهيوني من إشعال هذه الورقة ينحصر في هدفين، الأول استراتيجي وهو إدخال المنطقة في صراع عرقي بعد سقوط خيار الصراع الطائفي مما يضمن حالة من عدم الاستقرار تخيّم لسنوات على دول المنطقة برمّتها فيزيد في ضعفها اقتصاديا ً واجتماعياً وعسكرياً ويؤمّن لإسرائيل وجوداً قوياً على اتساع مساحة الإقليم.
أما الهدف الثاني وهو تكتيكي وأظنه الأهمّ عند طبقة السياسيين الأغبياء في «إسرائيل» ويتلخص في اقتناص الفرص لتوجيه ضربات عسكرية على مواقع إيرانية استراتيجية بغية التخفيف من القدرات العسكرية لديها ودرء خطرها فهل نسمع في الأيام القادمة عن إسقاط طائرة بدون طيار «إسرائيلية» في سماء الجمهورية الإسلامية؟
دعونا نرى أولاً هل ستشعل «إسرائيل» فتيل الصراع العرقي في المنطقة؟
المؤشرات تقول إنها ستفعل، وهل ستنجح بالوصول للأهداف المرجوة من هذا الصراع؟
نقول من استطاع إسقاط خيار الصراع الطائفي وهو الأخطر، هل يعدم حيلة في إسقاط خيار الصراع العرقي؟ لهذا نقول لأخوتنا في الوطن أيها الأشقاء الأكراد انتبهوا وعوا قبل فوات الأوان لأنكم ستشاركون الصهاينة في خسارتهم عند اندلاع صراع كهذا في منطقتنا.
أليس وجود الممالك والإمارات الصليبية هي من حمل الزنكيين والأيوبيين على التوجه والتماهي مع معاناة شعوب المنطقة وخوض الحروب لطرد تلك الممالك والإمارات من سواحلنا؟
فما بالكم اليوم تسكتون عن سياسات هذا الإنفصالي البغيض البرزاني الذي يرفع علم «إسرائيل» في سماء ربوعكم التي ما توانت يوماً عن الدفاع عن أوطانها؟
إنّ التاريخ والجغرافيا أثبتا أواصر الأخوة بين كلّ مكونات شعوب المنطقة، وأملنا كبير في أنّ الأخوة الأكراد لن يسمحوا لهذا المخطط الجهنمي بالعبور.
ولمن ينتظر أن تفرغَ جعبة الشيطان، أقول لا سبيل لذلك إلا بحرقه.