تركيا… أزمة جديدة مع واشنطن

د. هدى رزق

مرّت العلاقات الأميركية التركية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما بأزمة تصاعدت حتى نهاية حكمه. فكان رهان أنقرة على الرئيس الجديد دونالد ترامب من أجل إعادة تمتين العلاقة ورأب الصدع. لكن تركيا برئاسة رجب طيب أردوغان أصيبت بخيبات واحدة تلو الأخرى أهمّها الموقف ضدّ الإسلام السياسي الذي يطالها مباشرة، عدا المحاباة التي يظهرها دونالد ترامب للسعودية على حساب قطر وتركيا والتي ثبتتها الأزمة بين دول الخليج، السعودية والإمارات ضدّ قطر واتهامها بمساندة الإرهاب، والتنصّل السعودي من نشر الإرهاب وإلصاقه فقط بقطر ومن ورائها تركيا.

لكن المشكلة الأكبر والتي تخصّ تركيا بشكل مباشر هي الأزمة المتصلة باتهام تركيا لواشنطن برعاية الانقلاب الفاشل وعدم تسليمها الداعية فتح الله غولن، وأكثر من ذلك إلقاء القبض في العام 2016 على رجل الأعمال الإيراني التركي رضى زراب، عدا عن العلاقة التي ربطت واشنطن مع حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري وحدات الحماية الكردية.

وهي تشكل أحدى القضايا الرئيسية التي كان قد تناولها كلّ من أردوغان وترامب في اجتماعيهما في أيار 2017 في واشنطن، وفي أيلول في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

كما أنه ليس سراً أنّ الرئيس التركي أردوغان أثار باستمرار مسألة توقعاته بالإفراج عن رجل الأعمال التركي الإيراني التركي رضا زراب الذي اعتقل في ميامي عام 2016 بتهمة التهرّب من دفع الضرائب وخرقه العقوبات الدولية المفروضة على إيران. في اللقاءين حث ترامب أنقرة على الإفراج عن القسّ الأميركي اندرو برونسون المعتقل بتهمة الإرهاب بسبب علاقته المزعومة بحركة غولن.

وعقب عودته إلى تركيا قال أردوغان انّ أنقرة تسعى الى «تبادل» بين غولن والقسّ برونسون.. إذ يعتبر أردوغان انّ القس حالياً يخضع للمحاكمة لكن غولن يعيش في أميركا طليقاً.

دافع عمدة نيويورك السابق رودي جولياني الذي يشارك في الدفاع عن زراب في المحكمة الأميركية عن فكرة المبادلة. وكان جولياني الذى يُعرف بأنه صديق لترامب قد دعا إلى اتفاق دبلوماسي محتمل لإجراء مبادلة بين موكله زراب وبرونسون. ومع ذلك، فقد حذر موظفون في وزارة العدل الأميركية جولياني حول عدم وجود أساس لمشروع مماثل لهذا الاقتراح في النظام القانوني الأميركي. كما تمّ تحذيره من عدم وضع رجل دين فى نفس سلة تاجر الذهب الإيرانى المزعوم مما قد ينذر بخطر حدوث ردّ فعل عنيف فى الرأى العام الأميركي.

وأكد السفير الأميركي لدى تركيا جون باس لنظرائه الأتراك، انّ فكرة اي «مقايضة» تبدو غير قابلة للتطبيق لا قانونياً ولا دبلوماسياً. ولكن على الرغم من التحذيرات الدبلوماسية الودية، كان أردوغان يمضي قدماً في إعلان رغبته في التبادل.

وبعد أيام قليلة من تصريحاته، اعتقل مواطن تركي يعمل لدى القنصلية الأميركية العامة فى اسطنبول بتهم تتعلق بالإرهاب بسبب صلاته المزعومة مع مشتبه فيهم من جماعة غولن. واعتقال ميتين توبوز هو في الحقيقة الحادث الثاني فى البعثات الأميركية فى تركيا. وكان حمزة اولوكاي الذي عمل مترجماً في القنصلية الأميركية في أضنة اعتقل في آذار الماضي بسبب صلاته المزعومة بحزب العمال الكردستاني المحظور. وأصدر الجانب الأميركي بياناً قوياً اتهم فيه الحكومة التركية بتسريب قصص عن توبوز عمداً بهدف محاكمته بمزاعم فى وسائل الإعلام وليس محكمة. وادّعى المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية فى الوقت نفسه انّ توبوز لم يكن عضواً فى القنصلية.

وتشعر واشنطن بقلق بالغ إزاء هذا الاتجاه الجديد في تركيا، التي تعتبرها محاولة من نوع «أخذ الرهائن» حيث يتمّ سجن الرعايا الأميركيين أو الأتراك العاملين في البعثات الأميركية في تركيا كصفقة مساومة. وكشف تحذير السفر، الذي أعلن بعد احتجاز توبوز، أنّ المواطنين الأميركيين في عدد من المنظمات غير الحكومية في تركيا شهدوا مؤخراً مزيداً من التدقيق، فضلاً عن رفض طلبات تصريحات إقاماتهم.

إنّ التصوّر بأن أنقرة تجمع سجناء جدداً للمساومات السياسية المستقبلية سوف تظهر تركيا كدولة مثل باكستان.

في المقابل أوقفت السفارة الأميركية إعطاء تأشيرات للأتراك فردّت عليها أنقرة بالمثل، لكن السفير الأميركي عاد واوضح انّ الأتراك يمكنهم الحصول على تأشيرة دخول الى الولايات المتحدة من خارج تركيا والأمر ليس ضدّ المواطنين، لكنه ضدّ تصرفات الحكومة وهذا شأن سياسي…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى