الأسد والسيد واستراتيجية الزمن
حسام عيسى
منذ بداية الأزمة في سورية وأداء قادة محور المقاومة على مشرحة التقييم من الأصدقاء والمحبّين، وهم في أغلبهم صحافيون أو سياسيون متقاعدون أو متعاطون في الشأن العام على صفحات التواصل، لا يملك هؤلاء الذين يضعون نظارات سميكة لإبداء الرأي في محطات المواجهة ما يسمح بالقول إنّ مواقفهم تؤثر في وجهة الأحداث، فهم لا يملكون جمهوراً منفصلاً عن جمهور قيادة سورية والمقاومة، بل يتقاسمون شطائر من جمهور الرئيس بشار الأسد والسيد حسن نصرالله، ويستمع إليهم ويتأثر بهم جمهور مريدي السيد والرئيس لأنهم أظهروا في الأزمة وفاء وثباتاً وحماساً إلى جانب سورية والمقاومة، وترفّعوا عن إغراءات الحلف المعادي وتهديداته.
طبيعة الحرب الإعلامية والنفسية التي يشتغل عليها معسكر أعداء سورية من جهة، وضعف وسائل ورموز الإعلام الرسمي لكلّ من سورية والمقاومة من جهة أخرى، جعلا من هذه الأصوات إعلاماً حربياً رديفاً، وضعف أداء القيادة الرسمية للحزب والحكومة في سورية مع بدايات الأزمة والنقمة عليهما، والشعور بأنهما لا يلبّيان ما يستحقه الوضع من متطلبات وما يستحقه الرئيس من تفان وصدق ووفاء، جعلا أيضاً للنقد الذي يصدر من الأصدقاء صدى دائماً.
الوهم بأسطورة أنّ كلّ شيء مخطط ومدبّر، وأنه لا تسقط شعرة إلا بأمر، سمعة ترافق القوى التي تصنع الانتصارات الصعبة كما هو حال سورية والمقاومة، ولذلك يعتقد كثيرون انّ الكلام الذي يُقال من أصدقاء ثبتت جدية وقفتهم مع سورية والمقاومة، قد يكون نوعاً من التكتيك المتبع من قيادة سورية والمقاومة بتقاسم أدوار له وظيفة ما.
خلال الأشهر الأولى من المواجهة وصمود الدولة السورية أمام الحلقة المشابهة التي أسقطت مصر وتونس، واستبعاد تكرار نموذج ليبيا لخصوصية الحرب في منطقة على تماس مع أمن «إسرائيل» وقدرة ردع ترافقها، واستحالة تكرار نموذج التنحّي اليمني لأنّ قرار سورية ليس بيد دولة تقوم بما قامت به السعودية في اليمن، ولو كانت إيران او روسيا، بدا كأنّ نهاية جولة التظاهرات والإعلام لصالح سورية والمقاومة تسمح بإعلان النصر، وساد هذا التقدير المتسرّع، حتى خرج الرئيس الأسد يقول هذه جولة وستليها جولات وعلينا الاستعداد ولو استمرت المواجهة سنوات.
مرت مواجهات شهور ستة توسّع فيها السلاح والمسلحون على مساحة سورية، وبدا انّ مناطق تتساقط بأيديهم، وأنّ مواقع عسكرية كثيرة كانت منيعة يحتلونها، وترافقت مع مجيء المراقبين العرب، ورغم الانفراج الذي وفره الفيتو الروسي ضدّ التدخل الدولي على الطريقة الليبية، فقد كان لوقع القرارات العربية العدائية مع التقدم العسكري أنّ الحرب تنتهي بهزيمة، حتى كانت معركة بابا عمرو في حمص فبدا أنّ الجيش السوري قوة قادرة وأنّ النصر يلوح فعاد التفاؤل.
ثم جاءت موجة معاكسة وتشاؤم مشابه مع تساقط مواقع هامة في حلب وريفها، حتى جاء لقاء كيري ـ لافروف وحسم الحلّ السياسي كإطار لاحتواء تداعيات الأزمة، وتسليم أميركا بعجزها عن الحرب، وتلته بشهر معركة القصيْر، وما أنتجاه من موجة تفاؤل وثقة بالنصر، حتى أزمة الأساطيل والتوهّم بأنّ الحرب آتية لا محالة والخوف والقلق والذعر، فإذ بالحلّ الكيميائي، وما تلاه من تحضير لجنيف، وفشل جنيف، وموجات الحسم العسكري في القملون فتعاظم الإحساس باقتراب النصر، حتى ظهور «داعش» وخروج التحالف الدولي للحرب عليها، وتردّدات الموقف التركي، وساد القلق من كمين استراتيجي، خصوصاً مع الكلام عن تسويات وراء الباب مع إيران بدأت مع تنحّي نوري المالكي، وعن حصار لروسيا وتحليلات عن تأثرها الاقتصادي بالعقوبات، فتضعضعت المعنويات، حتى جاءت ثورة اليمن ومواقف إيران وروسيا من حلف الحرب والمنطقة العازلة، وكانت عملية المقاومة في مزارع شبعا والإعلان عنها كقرار حرب شاملة، فعاد الأمل.
سنوات مليئة بتراكم الأحداث تقول إنّ قيادة الرئيس والسيد تملك مقدرات التحكم بمفاتيح العلاقة بالزمن، وأنّ التحالف مع إيران وروسيا متين وعميق وراسخ.
القادة الاستراتيجيون لا يحتاجون الثقة أيام نشوة النصر، ولا يفيد تهليل الأصدقاء للانتصارات، بل الحرب النفسية تستحق في لحظات تعرج الأزمات وتسلل وهم الضعف إلى نفوس الناس، هنا يكون دور الأصدقاء حتى لو كان لهم رأي نقدي بالأداء، فمهمتهم هي المساهمة في تصليب جبهة الحرب وليس المشاركة من دون انتباه بإضعافها.
«توب نيوز»