دخل الله: دمشق أدارت الأزمة وتعاملت معها من منطلقات وطنية

سعد الله الخليل

رأى الدكتور مهدي دخل الله، الوزير السوري والسفير السابق، أن الظاهرة السورية أصبحت واضحة. فبعد حرب استمرت أكثر من ثلاث سنوات، تشاركت فيها أكثر من ثمانين دولة، صمد الشعب السوري لأنه في الحقيقة هناك وعي وطني لدى الشعب السوري الذي يعتبر ظاهرة بطولية في هذا العصر وهو أساس الاستراتيجية السورية ولولاه لما كان من الممكن لسورية التصدي، وأضاف في حديث لصحيفة «البناء» أنّ هناك من يقسم بين الجيش والشعب ولكن بالنسبة إلى سوريا، تعمل الخدمة الوطنية الإلزامية على دمج الجيش بالشعب، فأفراده من أبناء الشعب وليسوا جنودًا محترفين بالمعنى الأوروبي. لذلك، لا يوجد فرق حقيقي واقعي بين الجيش والشعب، إضافة الى العنصر الثالث الأساسي، وهو القيادة التي استطاعت أن تدير الأزمة وتتعامل معها من منطلقات ثابتة هي منطلقات وطنية، بينما يبقى المرشد هو الحس الوطني، فيما تشكل المصالح المرشد الأساسي لكثير من الدول الأخرى والأنظمة السياسية بغض النظر كيف تفسر هذه المصالح. وأضاف دخل الله: «تعودنا عبر أربعة عقود ونيّف على استقرار كامل في سورية ضمن منطقة متوترة، لذلك أخذ كثيرون في بداية الأزمة يشعرون بأنّ كل هزة هي مصيبة، ولكن في الحقيقة وبدراسة موضوعية لكل هذه الأحداث نجد ونرى أن سورية لا تزال دولة قائمة وجيشاً متماسكاً واقتصاداً على قدر معين من الصمود. وتابع: «صحيح أن الليرة السورية انخفضت ولكن في حدود مقبولة بالمقارنة مع إرهاب مدعوم من اثنين وثمانين دولة بالإضافة الى المقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية والحرب الإعلامية والإعلانية وجميع أنواع الحروب ولا أعلم في التاريخ المعاصر ولا في التاريخ القديم أن دولة صغيرة كسورية تعرضت الى هذا النوع من الإرهاب الذي تستخدم فيه جميع الأسلحة بما فيها أسلحة قطع الرؤوس والتدمير الممنهج. لذلك يجب أن ينظر المتفائل إلى صمود سورية وأن يعتبر أن هذا الصمود بطولي. أما المتشائم فهو بعيد عن الموضوعية».

الحرب كر وفر

وحول منطق التشاؤم العسكري الذي ساد لدى البعض بسقوط مناطق بيد الإرهابيين، قال دخل الله: «بشكل موضوعي، الحرب كر وفر، وبالنظر إلى التوجه العام للأحداث، نجد أن الجيش العربي السوري تقدّم في أكثر المناطق، وقبل عام لم يكن القلمون قد تحرر بعد، ولا مناطق أخرى مثل حمص. والعمل العسكري الذي ينجزه الجيش في ريف دمشق يحرز كل يوم انتصارات على الرغم من فتح العدو معارك متفرقة جدًا، لا تسمح بانتشار الجيش السوري بكامله عليها، لذلك تبدو الخطط الاستراتيجية انتقائية تخدم الهدف العام، وهو الهدف الوطني بالخلاص من الإرهاب.» وأكد أن سورية تعيش الفصل الأخير من الأحداث، وقال: «في الدراما والمسرح، الفصل الأخير تتساقط فيه جميع العناصر الدرامية لدرجة أننا نعتقد أن الأمور تتعقد ثم تسدل الستارة، وأنا اعتقد أنّ هذا الفصل الأخير فيه تفاقم لجميع عناصر الحرب وعناصر التصدي. لذلك، ربما يظهر هذا التوتر في النفوس بعض الشيء وهو توتر مقبول، فكما قال الرئيس الأسد هو القلق الإيجابي.»

ويؤكد دخل الله أن داعش صناعة أميركية وبدعم تركي اعترف به الكثيرون بمن فيهم أحد الوزراء الأتراك الذي أقر بوجود معسكرات لـ»داعش» في تركيا وأكد أن الضجة التي تثار حول ضربات التحالف إعلامية تهدف إلى الإلهاء عن القضايا الحقيقية. وتابع: «لو كانت واشنطن جادة في القضاء على «داعش»، كان يكفي اتصال من أوباما الى أردوغان وأمير قطر لوقف التمويل ووقف السماح بتدفق المرتزقة ووقف التدريب، وشراء النفط الذي يهربه التجار الأتراك عبر صهاريج واضحة والمخابرات التركية تعلم بكل شيء»، ورأىأن انعكاسات سورية بدأت بالتفاعل في الداخل التركي، وتساءل «كيف نفسر مقتل 35 متظاهراً سلمياً في بلد يدعي الديمقراطية؟».

تنازلات كبرى

في الشأن الفلسطيني، يرى دخل الله وجود تنازل من قطر نحو مصر والسلطة الفلسطينية، وهذا التنازل هو الذي دفع بمصر كي تضغط باتجاه عقد مؤتمر إعادة إعمار غزة، وهو تطور إيجابي بشكل عام لأن «الإخوان المسلمين»، بغض النظر عن مقاتلي «حماس» الذين في غالبيتهم لا يدركون التوجه الاستراتيجي لقياداتهم، التي تقول إن الوطن ليس جغرافيا وإنما عقيدة، وهذا يعني أن الجغرافيا لا تهمها كما يهمها ما تدعوه مصلحة الإسلام العالمية. والحس الوطني لدى كل فلسطيني وكل مصري وكل سوري أدى إلى انهيار نظام «الإخوان المسلمين» في مصر، وأضاف: «أعتقد أن التطورات في غزة هي لصالح القضية الفلسطينية، بغض النظر عن أننا في الحقيقة نحاول الانتقاء بين السلطة الفلسطينية التي نتجت عن أوسلو وبعض المنظمات التي تسيطر عليها جماعة «الإخوان المسلمين»، وهناك شيء سيء وشيء أقل سوءًا، والآن السلطة الفلسطينية أقل سوءًا من قيادة حماس».

وتعليقاً على مؤتمر إعادة إعمار غزة، يؤكد دخل الله أن دخول حماس في المفاوضات محاولة لإعادة تعويم نفسها، وإعادة تعويم «الإخوان المسلمين» في الضغط على مصر، وقال: «يجب أن نفهم أن الصراع بين قيادة حماس والقيادة المصرية هو صراع بين إيديولوجية «الإخوان المسلمين» وإيديولوجية وطنية بغض النظر عن التفاصيل الأخرى، وأن حماس تحاول في بعض القضايا إعادة الاتصال بالولايات المتحدة الأميركية لتعويم نفسها من جديد، والولايات المتحدة تتعاون مع «الإخوان المسلمين» وتدعمهم، وكانت غاضبة من التحولات في مصر وبعد ذلك حاولت احتواء مصر كسياسة واقعية وبراغماتية» واعتبر أن «الصراع الاستراتيجي ليس واضحاً مئة في المئة، وإنما هناك أيادٍ للولايات المتحدة على جميع الأطراف تقريباً. فرغم الخلاف القطري السعودي، نرى الدولتين تدعمان الاستراتيجية الأميركية، ما يجعل الصورة متشابكة ولكنها في النهاية واضحة المعالم».

وحول تسليم تركيا الملف الفلسطيني للسعودية، اعتبر دخل الله أن تركيا تحاول التنازل في مكان كي تقوى في مكان آخر، خصوصًا بعد انهيار البرنامج الإخواني في مصر حيث فرض الواقع الجديد على تركيا طرقاً جديدة للتعامل معه. وعلى هذا الأساس، تتوجه تركيا لدعم «داعش» بشكل غير مباشر، وبالتالي ربما تتخلى قليلاً عن «الإخوان المسلمين» وتعطي الملف الفلسطيني للسعودية في إطار الدائرة الاستراتيجية الأميركية الأساسية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى