مردوك الشامي في ندوة عن الشعر: المطلوب من الكتابة إما أن تحترق لتضيء… أو تحرق الكوكب كلّه عن بكرة أبيه!

مشلين بطرس

في دار «الندوة» في شارع الحمرا ـ بيروت، الذي ينتظر استقبال المثقّفين والأدباء والمستنيرين لإعادة نفحٍ من الأمل في دويّ صمت المنابر الأدبية وسط ساحتنا الثقافية، أقيمت وبرعاية الدار، ندوة للشاعر والإعلامي مردوك الشامي بعنوان «الشعر المعاصر في لبنان، غوصٌ عميق أم ركوب موجة؟».

استهلّ الشاعر محاضرته بالترحيب بالحضور قائلاً: إن الشعر ما زال بخير لأنكم حاضرون هنا، ففي غالبية ما كُتب عن الحركة الشعرية المعاصرة في لبنان غاب الحياد والإنصاف، لأن غالبية التدوين المنشور إن في دراسات أو كتب غلب عليها الانحياز والتطرّف أحياناً لمدرسة شعرية ضدّ أخرى، أو جماعة شعرية ضدّ جماعة أخرى اعتُبرت مناقِضة ومناهِضة للثانية، أو خضع لمحسوبيات أو مزاجيات، وكتبها شعراء عن شعراء، فلعبت الصداقات دورها وتبادل الخدمات، ولم يتخلّ النقد الفعلي في تأريخ هذا الحراك الكبير والمؤثر والمتأثر والملتبس تماماً.

ثم تابع الشامي محاضرته وسط تصفيق الحضور مستطرداً: ما أكثر الشعر وما أقلّه ليس في لبنان وحسب، بل في العالم المعاصر كلّه وفي العالم القديم كذلك.

ثمّ تطرق إلى تعريف الشعر وضبابية مفهوم الشعرية عند الأكثرية الساحقة من الشعراء والمشتغلين بالشعر.

وكان لأرسطو حضوره اللافت في محاضرة الشامي، فقد تحدّث عن كتابه «فنّ الشعر»، مروراً بابن سينا، وابن رشد والفارابي وصولاً إلى كمال أبي ديب، وأدونيس في كتابه «الثابت والمتحوّل» حول تعريف الشعر والشعرية، ورأى الشامي أن الشعرية أكثر شمولية واتّساعاً من حصرها بالشعر والأدب واللغة وجمهوريات القواميس واللهجات المختلفة ومدائن الغبار. إنها شاعرية اللامكان واللازمان واللالغة حتى… إنها جمرة المعنى وانكسار ضوء الدهشة في ماء الغموض.

وقد كتب الشامي القصيدة بكل أشكالها، العمودية والكلاسيكية، وقصيدة التفعيلة والحرّة، والنثرية، كما وكتب المحكيّة ولم يجد الشكل الشعري عائقاً أمام الفكرة التي يعبّر عنها.

وغاص الشامي بالحضور محلّقاً إلى بحور الشعر والمعلّقات، وتطرّق إلى نظرية التطوّر والارتقاء، واستفاض بالحديث عن الحداثة، قائلاً: إننا في العالم العربي عموماً، ما زلنا نفكر بعقلية ابن القبيلة ونصعد منبر الشعر وعلى رؤوسنا قبعة لوركا.

أما مرآة واقعنا المأسوي فلم تنسَ أن تعكس لنا حقيقة ازدواجية العقل الذكوري الذي ينسج خيوط استبداده على نول عاداتنا وتقاليدنا متدخّلاً في أدقّ تفاصيل حياتنا. إذ قال الشامي: إننا ما زلنا نطبّق المثل الذي يقول «أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب». ونعلّق على جدران بيوتنا اللافتات التي تلقنّنا العولمة! والغريب بكلّ بساطة يغتالنا وأخوتنا وأبناء عمومتنا.

ومع حرارة تصفيق الحضور الذي علا في القاعة، انتقل الشامي إلى لبنان الذي شهد أكثر من سواه كل تلك المعارك والصراع. وتحدّث عن إيليا أبي ماضي، وجبران خليل جبران وآخرين، وصولاً إلى سعيد عقل، وقد ذكّر الحضور بأسماء لمعت في الشعر الموزون كجوزف حرب، غسان مطر، وشوقي بزيع. وتحدّث أيضاً عن شعراء الحداثة كأنسي الحاج وشوقي أبي شقرا. كما وتحدث عن القصيدة المحكية اللبنانية، وغيرها الكثير مما جاء في محاضرة الشامي التي أضفت على الحضور ثراءً معرفياً وثقافياً، فلفتنا إصغاؤهم.

وتابع الشاعر محاضرته بسؤال اهتزت له إيجاباً بالموافقة رؤوس الحاضرين للبدء بالعمل في ما اقترحه الشامي: فلماذا لا يؤسَّس مجلس واحد لكلّ المنتديات الأدبية يتم من خلاله وضع خارطة طريق شعرية تؤسّس لنهضة جادة وحقيقية كي لا يضيع الصوت سدى؟

وقد ختم الشاعر محاضرته قائلاً: إننا في عصر انحطاط الانحطاط، ولا أظنّ أننا خرجنا من هذا المستنقع في كلّ تاريخنا إلا للحظات سُمح لنا من خلالها بالتنفس، ثمّ أعادونا إلى الهاوية! لذا، المطلوب من الكتابة إما أن تحترق لتضيء، أو تحرق الكوكب كلّه عن بكرة أبيه!

ثمّ قدّمت الإعلامية والشاعرة ناريمان علوش درعاً تكريميةً بِاسم «دار ناريمان للنشر والطباعة والتوزيع» وسط تصفيق الحضور، وتقديمهم التهانئ للإعلامية كلود صوما التي فازت بسحب القرعة لتتبنّى الدار طباعة كتابها الأوّل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى