نازك العابد… قاومت المستعمِر وشاركت في صنع مجد بلادها

دمشق ـ لورا محمود

بعد أن فرضت الحرب الكونية نفسها على الشعب السوري في سيادته واستقلاله وحرّية قراره، كان لا بدّ للشعب السوري أن يهبّ للدفاع عن أرضه وفكره ضدّ العقل المتطرّف الصهيو ـ أميركي، فكانت مشاركة المرأة السورية في صدّ هذه الحرب فعّالة على كافة الصعد، إذ انخرطت في الدفاع عن الوطن، وتطوّعت لإسعاف الجرحى والمصابين، وشاركت على جبهات القتال الأمامية إلى جانب الجيش السوري، وخضعت لكافة أنواع التدريب التعبوي وحَمْل السلاح والإسعاف، الضرورية لأيّ مقاتل في ساحات القتال.

فمن الثورة السورية ضدّ الاستعمار الفرنسي، إلى ثورة الثامن من آذار عام 1963، إلى الحركة التصحيحية المجيدة، وإلى اليوم، حاولت المرأة السورية تنكّب الدور الريادي في المقاومة، سواء بالسلاح أو بالقلم أو بنشر الوعي والقدرة على الانتاج والعطاء.

كان للمرأة السورية عبر التاريخ دور فعّال في مجريات الأحداث الوطنية، فكانت سائرة نحو الحرية تتحمّل المنفى والحرمان، وتحثّ المقاوِمين على الصمود. ومن النساء الماجدات اللواتي سطعن في سماء سورية: ماري العجمي، وقمر كيلاني، وسلمى الكزبري، ومقبولة شلق، وأيضاً نازك العابد الرائدة في تحرّر المرأة في سورية. والسورية الأولى التي تنزع الحجاب وتدعو إلى تحرّر المرأة، وتفتح الأبواب على مصراعيها أمام نساء سورية. نازك العابد امرأة سورية لا بدّ من الإضاءة على مقاومتها وإصرارها على الدفاع عن سورية ضدّ الاحتلال الفرنسي، لا سيما أننا اليوم نعاني احتلالاًً يشبه الاستعمار الفرنسي من حيث التقسيم ونهب الثروات والسيطرة على الحرّيات.

نازك العابد، ابنة دمشق، المقاتلة، والكاتبة، والثائرة، وصاحبة الهمّ المجتمعي والسياسي والثقافي. هي رائدة من روّاد المجتمع المدني والأهلي في سورية، وواحدة من أولَيَات مؤسِّسات الجمعيات والمنظّمات، وشاركت في تأسيس الهلال الأحمر السوري.

ولدت نازك العابد في دمشق عام 1887 من أسرة دمشقية عريقة، والدها مصطفى باشا العابد من كبار دمشق، متصرّف الكرك، ووالي الموصل في أواخر العهد العثماني. أما والدتها، فهي فريدة الجلاد من النساء الفاضلات.

عاشت نازك حياة رفاهية وغنى، لا توحي بأيّ دافع لأيّ ثورة أو تمرّد من أيّ نوع. لكنّها على رغم ذلك، فضّلت الانحياز إلى شعبها للتعبير عن معاناته والعمل في سبيله.

درست نازك العابد مبادئ اللغتين العربية والتركية في «المدرسة الرشيدية» في دمشق، وكانت تنفر من المعلّمات المتعاليات على اللغة العربية. ثمّ درست الفرنسية والإنكليزية والألمانية في معاهد خاصة، وأخذت تتردّد على «فطاحل» اللغة العربية وأئمتها، فتعلّمت منهم النحو والصرف وأصول الكتابة، وكتبت في مجلات عربية رائدة كمجلة «العروس» لصاحبتها ماري عجمي ، ومجلة «الحارس»، مقالات نشرت فيها أفكارها التنويرية ودعواتها إلى تحرّر المرأة.

أرّقها الشأن الاجتماعي العام، وشغل بالها وضع المرأة في زمانها، ولكن فوق كل هذا، عذّبها أن ترى بلادها ترزح تحت نير الاحتلال.

أرادت نازك أن يكون لها دور في مجريات الثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف حسين ضدّ العثمانيين عام 1916، فأسّست «جمعية نور الفيحاء» لمساعدة ضحايا الثورة. ثمّ أصدرت مجلة نسائية تحمل اسم الجمعية، وخصّصتها للدعوة إلى نهوض المرأة وتثقيفها. وبعد ذلك أسّست النادي النسائي الشامي الذي ضمّ نخبة نساء دمشق.

شاركت نازك العابد في تأسيس فرعٍ للصليب الأحمر الدولي في سورية بِاسم «جمعية النجمة الحمراء»، ولاحظت الحكومة جهدها المستمر والدؤوب، فأسندت إليها إدارة ملجأ اليتامى. بعد ذلك وضعت نازك العابد حجر الأساس لمشفى يضمّ مئة سرير، وراحت تختار أطبّاءه وممرّضيه وموظّفيه. منحها الملك فيصل رتبة نقيب فخرية في الجيش، وبذلك، كانت نازك العابد المرأة السورية الأولى التي تحارب مع الجيش السوري وترتدي البزّة العسكرية، وتشارك في معركة ميسلون ضدّ الاحتلال الفرنسي، وتنقذ مصابين في المعركة من رفاقها، ولتكون شاهدة على لحظة استشهاد وزير الدفاع البطل يوسف العظمة أثناء محاولاتها لإنقاذه.

بعد انتهاء معركة ميسلون، أصدر الفرنسيون قراراً بنفي نازك العابد إلى اسطنبول لمدة سنتين. ولدى عودتها إلى أرض الشام، استأنفت عملها النضالي، فنفاها الفرنسيون مرّةً أخرى إنما إلى الأردن، ولم يسمحوا لها بالعودة إلا بعد تعهّدها باعتزال العمل السياسي، فتظاهرت بالقبول، وأكّدت أنها ستعمل في الزراعة في الغوطة. لكنّ نازك لم تسأم النضال ضدّ المستعمر الفرنسي، واختلطت بالفلاحين وراحت تحرّضهم وتحضّهم على الثورة ضدّ المستعمر الفرنسي.

عام 1925، عندما اندلعت الثورة السورية الكبرى، كانت نازك من الثائرات في صفوفها، وقدّمت الكثير للثورة وهي متنكّرة بزيّ الرجال، وساعدت ثوّار الغوطة كونها كانت خبيرة في جغرافيا المنطقة التي كانت تقيم فيها.

عام 1929، تزوجت نازك من اللبنانيّ محمد جميل بيهم الذي كان معجباً بنشاطها ووطنيتها. بعد الزواج، لم تتوقف عن نشاطها الاجتماعي والوطني، فأسّست في بيروت جمعية «عصبة المرأة العاملة»، ثمّ «جمعية إخوان الثقافة» بالاشتراك مع زوجها. وبعد نكبة فلسطين عام 1948، أسّست جمعية «تأمين العمل للاجئي فلسطين»، ثمّ أسّست ميتماً لبنات الشهداء في لبنان، يتعلّمن فيه العلوم الابتدائية والخياطة والتطريز، ويحوي هذا الميتم مكتبةً ونادياً أدبياً.

عام 1957. وعندما أصبحت نازك العابد في السبعين من عمرها، أسّست لجنة للأمهات تعمل على رفع مستوى الأمّ اللبنانية في كافة مجالات الحياة. وعام 1959 انتُخبت رئيسةً لها.

في السنة ذاتها، توفيت نازك العابد في بيروت عن اثنين وسبعين سنة قضتها في النضال والدفاع عن الوطن، ورفع شأن المرأة ومحاولة فتح عيون بنات جيلها على الحياة والثقافة، والسعي إلى المساواة مع الرجل. فكانت قائدة الحركة النسوية في سورية. وهذا يؤكد أنّ المرأة السورية في تلك الحقبة التاريخية، لم تكن نموذجاً للمرأة الجاهلة الضعيفة المختصرة حياتها على الزواج، بل كانت مناضلة بكلّ المعاني، مناضلة ضدّ الاحتلال، ومناضلة في مجال حقوقها، وفي مجالات النهضة والأدب والإعلام.

ولا ننسى أنّ نساءً سوريات كثيرات قضين على درب الصمود، يحلمن بالتغيير والانتصار، واستطعن رسم طريق الحرية، وافتدين الوطن بأنفسهن وفلذات أكبادهن. وإلى اليوم، ما زالت المرأة السورية تصدم العالم بعزيمتها وقوّتها، فهي معنيّة بما يجري حولها، لذا، عملت وستعمل لتكون كغيرها من الخالدات في التاريخ السوري.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى