العرب… وقود حروب ترامب ودافعو تكاليفها!
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
ترامب القادم من قلب احتكارات الريع العقاري يتعامل مع الأمور وقضايا الشعوب والدول وفق الصفقات التجارية وبعقلية البلطجية والزعران، وما زال يتصوّر ويعتقد بأنّ أميركا هي قدر العالم وشرطيّه الأول، ولذلك هو يواصل تهديداته ضدّ كوريا الشمالية وإيران، يهدّد بمحو الأولى عن الخارطة وإلغاء الاتفاق النووي مع الثانية… ونحن لا نستبعد بأنّ صقور البيت الأبيض سيجرّون العالم إلى حروب جديدة في المنطقة التي لم تعرف الهدوء والاستقرار، وهي عرضة لمتواليات من الحروب والاستنزاف من أجل استمرار نزفها والسيطرة على ثرواتها واحتجاز تطوّرها…
فمع اقتراب مشروع دولة الخلافة الإسلامية «داعش» من نهاياته في العراق وسورية، تمّ اختراع الاستقلال الكردي عن العراق، في محاولة جادّة لتوظيفه في خدمة مشاريع التفتيت والتجزئة في المنطقة العربية، واستمرار النزف والمشاغلة لكلّ الدول المجاورة والمشتركة في القضية الكردية، العراق، تركيا، إيران وسورية، ولعلّ التحضيرات لمثل هذه الحروب المتوقع حدوثها، على الأغلب سيكون العرب وقودها وحطبها ودافعي تكاليفها ونفقاتها، فهم ليسوا فقط الخاسرين في هذه الحروب، بل هم ليس لهم رأي أو موقف يتعلق بمصيرهم ومصالحهم، فمن يتخلى عن سيادته وأمنه القومي وقراره المستقلّ، لن يمتلك قول لا حين سيُطلب منه، والإشارات على قرب اندلاع هذه الحروب كثيرة وبيّنة وواضحة، فنحن نشهد حالة غير مسبوقة من التسابق التسليحي للعديد بين دول المنطقة، فتركيا ابتاعت منظومة الصواريخ الروسية المتطورّة جداً للدفاع الجوي «أس400»، وكذلك فعلت السعودية، حيث وقعت اتفاقية للتزوّد بهذه المنظومة من الصواريخ على هامش الزيارة الأخيرة للملك سلمان بن عبد العزيز إلى موسكو، وليس هذا فقط، بل وافقت أميركيا على بيعها صواريخ «ثاد» الدفاعية الأميركية المتطوّرة، فتركيا والسعودية في حال شنّ الحرب على إيران ستكونان مسرحاً من مسارح هذه الحرب. والسيد حسن نصرالله في خطاب له قبل مدة وجيزة، دعا اليهود غير الصهاينة للرحيل من فلسطين، وقال لهم لربما لا تستطيعون الرحيل، وستكونون ضحايا لحرب قذرة يقودها ترامب ونتنياهو في المنطقة، وكذلك التهديدات الإسرائيلية لحزب الله وإيران متواصلة ومستمرة، و«إسرائيل» تحرّض أميركا دوماً على الغاء الاتفاق النووي مع طهران، وتقول بأنها في أيّ حرب قادمة ستستهدف كلّ بقعة وهدف في لبنان… وكذلك الرئيس الأميركي استدعى قادته العسكريين وزوجاتهم إلى قاعة الطعام في البيت الأبيض لالتقاط صورة تذكارية ومناقشة الخيار العسكري معهم، وعندما سئل عن موقف بلاده الراهن من إيران وكوريا الشمالية، قال بأنه الهدوء الذي يسبق العاصفة، وعندما سئل عن أيّ عاصفة يتحدث، قال ستعرفون قريباً…
ندرك تماماً أنّه كان على ترامب أن يتخذ موقفاً حاسماً بشأن الاتفاق النووي مع إيران، لكنه في خطابه الأخير أحال الأمر إلى الكونغرس، ورغم أنّ وكالة الطاقة الذرية وقادة البيت الأبيض من وزير الدفاع الى وزير الخارجية وحلفاء ترامب الأوروبيين يقولون بأنّ إيران ملتزمة بالاتفاق النووي، ويحذرون من تهوّر ترامب ولجوئه للخيار العسكري، إلا انه يسير نحو هذا الخيار بشكل متسارع، فهو في كلّ خطاب أو تصريح يواصل التهديد والوعيد، ولكن مع من سيكون الصدام أولاً مع بيونغ يانغ أم طهران؟ فنحن نرجّح انّ طهران ستكون أولاً، حيث انّ كوريا الشمالية مالكة لأسلحة الدمار الشامل، ولديها حلفاء أقوياء مثل الصين وروسيا، وتستطيع ان تلحق دماراً كبيراً وواسعاً وتوقع خسائر كبيرة في أراضي حلفاء أميركا وبناها التحتية والإقتصادية كوريا الجنوبية واليابان… وكذلك قد تطال صواريخها البرّ الأميركي، ناهيك عن الخسائر البشرية الكبيرة الناتجة عن هذه الحرب، أما الحرب على طهران فهي الأسهل لجهة تحشيد تحالف أوسع وأعرض في شنّ مثل هذه الحرب، حيث المحيط المحرّض والمعادي خليجياً لها، ولكون طهران لا تمتلك ترسانة نووية كما هي حال كوريا الشمالية، والخسائر الأميركية لن تكون بالحجم الذي ستدفعه في حال شنّها حرب على كوريا الشمالية، فالوقود لهذه الحرب في أغلبه سيكون من العرب والمسلمين، والتمويل لهذه الحرب وتكاليفها سيكون منهم في غالبه، حيث ستجبر دول الخليج على دفع فواتير تلك الحرب، لأنّ ترامب سيقول لها بأنّ جزءاً كبيراً من حساباته في شن هذه الحرب هو من أجل حمايتها والدفاع عنها ضدّ إيران التي تهدّد أمن المنطقة واستقرارها وتنشر على حدّ زعمه «الإرهاب» فيها، والحرب على إيران وحزب الله وكلّ محور المقاومة، باتت ضرورة ملحة من اجل حماية «إسرائيل» وأمنها ووجودها، بعد أن سقطت المشاريع الإرهابية لما يسمّى بـ«الدولة الإسلامية ـ داعش» في سورية والعراق والتي دعمتها وموّلتها وسلّحتها أميركا وحلفاؤها من العرب والأتراك والأوروبيين.
وطبعاً القضية الفلسطينية في صلب الضحايا ودافعي الثمن لمثل هذه الحروب العدوانية، فنجاح أميركا و«إسرائيل» في تدمير إيران وتحجيم نفوذها ودورها في المنطقة، من شأنه تمرير الحلول الأميركية والإسرائيلية، بدون اعتراضات عليها.
وبالتالي تصبح المنطقة والساحة العربية جاهزة لتنفيذ ما يسمّى بـ «صفقة القرن» لحلّ القضية الفلسطينية، أو بالأحرى تصفيتها، واستيعاب «إسرائيل» في المنطقة كدولة من جغرافيا المنطقة، بحيث تنتقل العلاقات التطبيعية العربية معها من السرّ الى العلن، وبما يتعدّى الجوانب التنسيقية والتعاونية إلى التحالف والتنسيق العسكري والأمني، وحتى المشاركة الى جانبها، ربما في حربها على لبنان وسورية، أو الحرب المتوقع أن تشنّها أميركا على إيران.
ترامب الساعي لتنفيذ ما يسمّى بـ«صفقة القرن»، يقول إنه لن يتخلى عن سعيه لنقل السفارة الأميركية من تل أبيب الى القدس، ولكن تمرير صفقة القرن بعد شنّه الحرب على طهران، إذا ما انتصر فيها، سيسهل عليه الوصول الى هدفه بسهولة، وخصوصاً أننا نشهد تحضير المنصة الفلسطينية لمثل هذا المشروع السياسي، فالمصالحة الفلسطينية يجري توظيفها لخدمة تحريك العملية السياسية على ضوء المتغيّرات الإقليمية والدولية، ونحن كذلك شهدنا بهذا الصدد تراجع السلطة الفلسطينية والأردن والعديد من الدول العربية عن طرح مشروع على اللجنة التنفيذية لـ«اليونسكو» ينتقد الممارسات الإسرائيلية في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، وهذا التراجع كان نتيجة تفاهمات إسرائيلية أردنية وعربية وبتدخل شخصي من جيسون غرينبلات المبعوث الأميركي للعملية السلمية في المنطقة، وبما يؤكد بأنّ هذا يجري ضمن الاتفاق على ما يسمّى بـ «صفقة القرن» بين تلك الأطراف.
نعم مرجل المنطقة والإقليم والعالم يغلي على صفيح ساخن، والانفجار قابل للاشتعال بشكل كبير، وجميع الأطراف تعد العدة وتجهّز نفسها للحرب والمواجهة، أميركا التي تتصدّر المشهد في شنّ الحروب العدوانية والدول المستهدفة بهذا العدوان كوريا الشمالية وإيران ومعها حزب الله وسورية، وكذلك روسيا والصين وتركيا تحضّر نفسها وستدافع عن أهدافها ومصالحها في المنطقة، أما العرب فلا حول لهم ولا قوة، فقط هم وقود هذه الحرب بشرياً وأرضهم ستستهدف وثرواتهم ستبدّد واقتصادهم سيدمّر وأموالهم ستدفع ثمناً لتكاليف هذه الحرب…!
Quds.45 gmail.com