لا إمارة في الشمال ولا شق للجيش اللبناني

ناصر قنديل

– هل تلجأ مجموعات داعش والنصرة إلى الشد بالعصبية المذهبية في لبنان، نحو إعلان إمارة في الشمال اللبناني انطلاقاً من طرابلس وبعض أحيائها، ويكون من ضمن السيناريو تتابع حلقات متسلسلة لشق الجيش اللبناني؟

– الجواب يتوقف على حقيقة محركات التنظيمين، هل هي خطط استخبارية، أم رؤيا عقائدية مبنية على فرضية العصبية المذهبية ونصرتها، وتحقيق ما تعتبره ترجمة لتطلعاتها أو حقوقها، أو رفعاً لما تفترضه من مظلومية تلحق بها.

– تحديد الخلفية التي تشكل العامل الحاكم في تحريك قوة سياسية أو عسكرية، وتحديد أولوياتها لا يتعلق أبداً، ولا يتصل بكيف ينظر مريدوها والمنتمون إليها لأنفسهم، بل كيف تبني قيادتها القرارات الكبرى وتصوغ حركتها، أما كيف توصله وتعقدنه ليصير قابلاً للتسويق، وتوجد له المسوغات التي تربطه بالعقيدة التي تعاقدت مكونات جسمها وجمهورها على إتباعها فتلك مسألة أخرى.

– هوية «داعش» و«النصرة» كقوتين تتصدران الساحة الإعلامية وتصنعان الأحداث، بمعزل عن القبول أو الرفض، الحب والكراهية، هي مهمة علمية، لا يجوز مقاربتها بعين المدح والهجاء، ولا قراءتها بعين التأييد والتنديد. فالخلل في القراءة والتحليل سواء كان عفوياً بداعي الانفعال والإرادوية، أو مقصوداً بداعي التحريض للنعم واللا، مؤذٍ للتحليل والنتيجة معاً، ذلك أن التحليل الخاطئ يرتب تعاملاً خاطئاً ويؤدّي غالباً لإيقاع صاحبه بالفشل، لأن الوقائع سرعان ما تأتي بعكس ما قال وتنسف صدقية الموقع الذي أراد خدمته بالتحليل، بينما المسألة قد تكون أن الموقع صحيح لكن التحليل خاطئ.

– هل «داعش» و«النصرة» تعبران عن عصبية مذهبية أم عن مكونات إستخبارية، سؤال محض علمي، فقد تكونان عصبيتين مذهبيتين تتقنان استخدام العلاقات الاستخبارية أو تتقن القوى الاستخبارية استخدامهما، أو تكونان مكونين استخباريين يتقنان استخدام الخطاب المذهبي والعصبيات المذهبية، أو تتقن القوى القائمة على العصبية المذهبية استخدامهما، المهم البحث العلمي في تحديد الهوية الرئيسية الحاكمة في صياغة المواقف واتخاذ القرارات.

– الجغرافيا التي تتحرك فوقها القوتان وطبيعة تفاعلهما معها، واختيارهما لأوليات التنقل والتركيز فيها، هي التي تقول الكلمة الفصل، فالمتابع والمدقق سيكتشف أن اهتمام «داعش» و«النصرة» بالجغرافيا لا يتبع العصبية المذهبية، بقدر ما يتبع روزنامة تحكمها حسابات استخبارية.

– ما الذي يجعل كوباني أهم من حلب وحمص وحماة ودمشق لـ«داعش»، ويجعل القنيطرة أهم من دمشق وريفها ومن حمص وحماة وإدلب بالنسبة لـ«النصرة،» وما الذي يجعل «النصرة» تجمع مقاتليها من كل ريف دمشق نحو حدود الأردن لتنقلهم نحو الجولان بدلاً من العكس، ويجعلها تجمع قواها من ريف حمص نحو القلمون وجرود عرسال بدلاً من العكس، وما الذي يجعل «داعش» ينسحب من ريف حلب بدلاً من التقرب نحو المدينة ليجمع قواته في الرقة، ويشن هجوماً على عين العرب الكردية؟

– القنيطرة والشجرة واليرموك حيث تتمركز «النصرة»، وكذلك القملون وجرود عرسال، هي مناطق حدودية في مثلثات دول متجاورة، فمن جهة مثلث سورية وفلسطين والأردن، وسورية وفلسطين ولبنان، وثنائية حدود لبنانية سورية، وكذلك تتمركز حركة قوات «داعش» على مثلثات حدودية عراقية سورية تركية، وسورية أردنية عراقية، وعراقية أردنية سعودية، وتترك المناطق الأشد أهمية بمعيار العصبية المذهبية، لا بل يبدو أحياناً المنع القسري من تكبير حجم الشرخ المذهبي والنفخ فيه بلسان قادة الفريقين، وتبدو عمليات التنسيق على الضفاف الحدودية علنية، كحال «داعش» وتركيا و«النصرة» مع «إسرائيل».

– العنف الداعشي والنصروي بحق أبناء المذهب، الموالين لحكومتي دمشق وبغداد أشد من عنفهم مع أبناء المذاهب التي تصنف في خانة الأعداء، والتنظيف العرقي يتم على روزنامة دول كتركيا بالنسبة لـ«داعش في شكل دقيق، فيستهدف الأكراد أولاً في سورية، وتهز لهم العصا في العراق، ويترك من يفترض أن «داعش» ولد بإدعاء حمايتهم، وكذا بالنسبة لـ«النصرة» في المقلب الخاص بـ«إسرائيل».

– منذ اكتشفت أميركا والسعودية وتركيا أن السير بالعصبيات أساساً للفرز السكاني في المنطقة، سيؤدي لتقسيمها إلى دويلات سرعان ما تسقط وحدة السعودية وتركيا تحت تأثير ديناميتها، وتولد بنتيجة ذلك حالة على ساحلي المتوسط والخليج تمثلها دويلات موالية لإيران، جرى الحسم برفض اعتماد العصبية عاملاً صانعاً للروزنامة والحراك الجغرافي لـ«داعش» و«النصرة»، وصارت الحدود التي تقطع أوصال جغرافيا قوى المقاومة والممانعة هي البرنامج البديل.

– لذلك لا إمارة لـ«داعش» في الشمال، ولا في صيدا حكماً، لأن التقسيم ممنوع، ولا شق للجيش اللبناني لأن المساس ببقائه موحداً ممنوع، لأن «داعش» و«النصرة» مكونان استخباريان سيلتزمان الممنوع، ويصير مسموح بإمارة في الشمال إذا نجح مسلحو «داعش» و«النصرة» بربط عكار بالداخل السوري مجدداً، وإنشاء جيب حدودي كجيب جرود عرسال عملاً بالروزنامة الاستخبارية القائمة على تلزيمهما جغرافيا الحدود، ولذلك ستكون إمارة شبعا والبقاع الغربي مشروعاً استراتيجياً لوقوعها على المثلث الإستراتيجي السوري اللبناني الفلسطيني الذي يكمل الدوائر الحدودية بين دول المنطقة، ولذلك تصير عملية مزارع شبعا للمقاومة ضربة معلم في مكانها، لردع التفكير «الإسرائيلي» بمجاراتها والسير بها، هكذا يسمح لـ«داعش» و«النصرة» بالتحرك، وهكذا يصير تحركهما برعاية كاملة تحت سقف الممنوع كما يصير ضربهما لما يتخطيان الممنوع، بدافع تصديق مسلحيهما لعقيدة الدفاع عن العصبية المذهبية وتقديم وهم الحماية لأهلها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى