عصام زهر الدين.. الشهادة المفتوحة
نظام مارديني
ليس سهلاً أن تكتب عن الشهيد اللواء عصام زهر الدين، ولا يمكن تقديم أيّة قراءة لثقافة استشهاده إلّا باعتبارها فعلاً مؤثّراً في مجتمعنا، فلا ثقافة من دون أثر وتأثير ومناخ وحاضنة وإنتاج وتبشير، خصوصاً عندما تكون هذه الثقافة عنواناً مؤسّسياً تابعاً للجيش السوري العظيم.. وحين يكون هذا الجيش قابلاً لإدامة الفعل البطولي المقاوم لكلّ أدوات الاستعمار بأشكاله المختلفة، فهو جيش يمكن له أن يبني أمّة قوية قابلة للتمدّد والتأثير حتى في المجتمعات الأخرى.
في هذا المنحى، يمكن قراءة خبر استشهاد اللواء عصام زهر الدين في دير الزور. وهو إذ يروي أرض الفرات الطاهرة بدمائه الزكيّة، فإنّه كان يحمي بلاده وشعبه من غزوات الإرهابيّين من الـ«دواعش» تلامذة الفكر الوهابي والإجرامي بامتياز.
يمكن قراءة خبر استشهاد اللواء زهر الدين، أيضاً، باعتباره حدثاً كبيراً بحدّ ذاته. وهو خبر سيحوّل استشهاده من هدف بحدّ ذاته إلى جسر عبور لطالما تعرّض له أبطال الجيش السوري من دون خوف منه في مواجهة الإرهاب والتكفيريين.
بطولات الشهيد زهر الدين في الميادين السورية كافّة أورثتنا مناعة ضدّ الموت، حتى وُصِفَ أبطالنا بأنّهم كالنخيل يُستشهدون واقفين تلفّهم الأكفان النورانيّة، ولن يجدوا مثل لونها ورائحتها، وإن جابوا العالم كلّه.
وراء الأضواء يُقال إنّ «الحرب المفتوحة» لها شروطها وظروفها، وندرك أنّ سبيل تحرّر الأمم وانتصارها على الإرهاب ومشغّليه، وسحق الباطل ووضع حدّ للجرائم والمجازر، والقطع مع العمالة والعملاء من أصحاب اللحى التكفيريّين، هو بالبطولة المؤمنة المؤيّدة بصِحّة التوجّه نحو هدف عادل.
فكم هي مقدّسة كلمة وداع في هذا المنحى عندما تفتح عينها على الشهادة.. الشهادة ذاتها التي تُعتبر طريقاً لأجيال لم تولد بعد، وسنسير عليه عند الضرورة كي نحافظ على كرامة أمّتنا وعزّتها ونرسم ملامح مستقبلها ونهضتها.
لا، لا، لن ينتصر شبح الموت على ضوء الحياة يا شهيدَنا زهر الدين.. الحياة الأبديّة التي تمنح فسحة كبيرة للملائكة، كي تتّجه بسرعة الضوء على كبار النفوس وهم يحلمون بغدٍ أفضل.
اليوم كشف لنا الشهيد انتظاره الطويل حتى يُفتح بابُ الجنة على ملابسه الخضر… ملابس الجبهة المعفّرة بالعرق ورائحة التراب السوري، وها هي الصباحات تعانق مساءات الصمت وتلتحف بالبطل الشهيد.
إنّ انتصار الجيش السوري وبمساندة محور المقاومة سيكون انتصاراً لشعبنا في فلسطين ولبنان والعراق وسورية، وتصعيداً في مواجهة المشروع الأميركي الصهيوني الوهابي التفتيتي في المنطقة. هذا الانتصار يتّسق والاستراتيجية التي كان يناضل الشهيد اللواء زهر الدين من أجل ترسيخها لدحر العدوان وأدواته الإرهابيّة ومشاريعه التقسيميّة.
ما يميّز دير الزور الشاهدة الشهيدة عن غيرها من المدن السورية، أنّ التاريخ فيها مُقيم على الدوام في الحاضر، مثلما تجد خطوطَه المميّزة في تقاطيع المستقبل، لأنّ المدن التي بلا تاريخ تذوي وتموت، ولكنّ دير الزور التي يُراد لها أن تموت تأبى إلّا أن تحيا الحاضر بروح المستقبل.
ليست صدفة أن تكون دماؤكَ أيُها الشهيد زهر الدين، المُسالة عشيّة الانتصار الكبير الذي يسطّره جيشك السوري العظيم، وقد أبيت إلّا أن تضمّك الأرض بحنانها ودفئها، بعدما سلكتَ طريق الجُلجُلة المعبّد بالآلام أمام شعبنا السوري العظيم. وهو يقتدي بالفادي يسوع الناصري، الذي قام بعد حين.
باستشهادك يا لواءَنا، ها هي بقعة الضوء تتوسّع في بلادنا، لتحيا سورية.
للشهيد كمال خير بك:
سأردُّ عن هذا التّراب نيوبَهم
وأزيحُ عن شعبي رداءَ العار
إنْ قطعوا يميني أسرَعَتْ
لتعيدَ ملحمةَ النّضال يساري .