بين حكم التاريخ ومحكمة الحبيب…
د. زهير فياض
لن يكون يوم 20 تشرين الأول 2017 يوماً عادياً في تاريخ لبنان الحديث، بل سيحمل في ذاكرته الماضوية والمستقبلية صورةً حافلة بمعاني «الانفصام» في «الشخصية اللبنانية» بأبعادها ومضامينها وملامحها القريبة والبعيدة.
هذا الاضطراب «البنيوي» بات سمةً ملازمة «للكيان السياسي اللبناني» منذ نشأته الأولى، ويبدو أنّ هذه «السمة» تستمرّ في عكس ذاتها في سياقات تطوّر هذا الكيان ومآلاته وصيرورته المستمرّة حتى اليوم.
كلّ المسائل في لبنان تبدأ من «الهويّة» وتنتهي بالهويّة واقعاً وتوصيفاً وتحديداً ورسماً لملامحها التي تحتاج عند كلّ مفترق إلى إعادة تظهير وترسيخ صورتها الأصلية بمضامينها الحقيقية في مواجهة مشاريع التغريب والتشليع والتقسيم والتفتيت والاختزال كلّها…
سؤال «الهوية» محوري، إذ إنه يرتبط بمعرفة الذات ودورها وفاعليتها التاريخية وصيرورتها المستقبلية في عالم تحكمه صراعات قاسية تضعك دائماً على ناصية الخيارات الصعبة التي ترسم مسارات أمة في ترجمة وعيها إلى أفعال إرادية تهدف إلى صيانة الحاضر والمستقبل…
الهوية والانتماء مسألتان بنيويتان تدخلان في صلب تكوين الوعي الوطني في لبنان، وفي الأمة كلها، لذا تأتي محاكمة حبيب الشرتوني في خطّ سير يتناقض مع التاريخ، ومع حقائق الحاضر والمستقبل، لتجسّد حالة «انفصال عن الواقع»، قلما شهدت دولة أو شهد شعب مثيلاً لها في التاريخ…
العودة إلى الماضي لها هدفٌ واحد هو إنعاش الذاكرة وأخذ العِبَر، كي نستفيد من التجارب فلا نُعيد خيارات التمسك برهانات خاسرة وخاطئة يدفع ثمنها ليس الأفراد، بل البنية الشعبية والمجتمعية كلها، التي تتأثر بقرارات هؤلاء الأفراد وخياراتهم في غفلة من الزمن…
مسارات العدالة في أيّ مجتمع من المجتمعات لا تنفصل ولا يجب أن تنفصل – قبل القوانين والأحكام، عن مجموعة القيم الوطنية والاجتماعية والحقائق التاريخية، وعلى مرتكزات الوجدان الوطني والاجتماعي الشعبي العام، لا بل يجب أن ترتكز على قواعد ثابتة في البناء الوطني تُعرَفُ بالمسلّمات الوطنية التي تُنزّه عن أيّ نقاش…
ومسارات العدالة لا يمكنها أن تنفصل عن معطيات الواقع والصراع وزمن الأحداث وسياقاتها كي تتّسم بالعدالة والإنصاف والموضوعية والمنهجية الصحيحة في توصيف الأفعال وإطلاق الأحكام…
لبنان قبل أيّ شيء – كيان سياسي نشأ تاريخياً في سياق متصل بأحداث المنطقة التي يشكل جزءاً لا يتجزّأ منها ومن صراعاتها وأحداثها وتطوّراتها التاريخية، إذ إنّ لبنان كان دائماً في قلب الحدث، وفي قلب الاستهداف… ولعلّ الاستهداف الأساسي للبنان بشكل خاص، كما لكلّ دولنا بشكل عام – كان ويبقى في المدى المنظور يتمثّل في قيام الكيان الاستيطاني على أرض فلسطين وأحلامه التوسعية والاستعمارية باتجاه كلّ المحيط الجغرافي لفلسطين، بما فيها لبنان الذي تعرّض بالفعل والواقع للاعتداءات «الإسرائيلية» المستمرة منذ قيام الكيان – المسخ.
و»إسرائيل» بالنسبة للبنان واللبنانيين – هي في موقع العدو وأكثر من ذلك تمثل بالمبدأ – النموذج النقيض للبنان الذي نحلم به، باعتبارها دولة ثيوقراطية عنصرية تقوم على التمييز والعنصرية والاحتلال ورفض أيّ آخر.
القانون اللبناني يعتبر «إسرائيل» دولة عدوة، وكلّ مواد القانون اللبناني المعروفة تؤكد تصنيف «إسرائيل- الدولة العدوة». ومواد هذا القانون واضحة في العقوبات التي تشملها، لتطال كلّ من تُسوّل له نفسه الاتصال أو التعامل مع هذا العدو.
في العام 1982 تعرّض لبنان لاجتياح «إسرائيلي» وصل إلى عاصمته بيروت، ودمّر بناه التحتية والعمرانية وقتل الآلاف من أبنائه وارتكب المجازر وألحق أضراراً فادحة بأرضه ومؤسّساته وبناه المختلفة.
وقبل الاجتياح، ثمّة مَن جاهر بتحالفه مع هذا العدو، وأقام شراكة وتحالفاً مع هذا العدو وساعده على اجتياح أرض بلده…
المقاومة للاحتلال في كلّ البلدان ووفق تجارب الشعوب كلّها هي مقاومة للمحتلّ وأعوانه وعملائه…
هذا هو السياق التاريخي لفعل المقاومة الشرعية للاحتلال. وهذا هو السياق التاريخي لما قام به حبيب الشرتوني في أيلول 1982، الذي وبقراره الذاتي أراد مواجهة مفاعيل ونتائج وآثار وعناصر هذا الاجتياح والاحتلال…
والمقاومة وفق شرائع الأرض والسماء كلّها هي حق وواجب… وهذا الحق تكفله القوانين الوضعية المحلية والدولية…
حكم التاريخ الإنساني كله… أنّ مَن يقاوم الاحتلال والعملاء… يدخل التاريخ بطلاً… وحكمُ التاريخ أنصفَه وينصفُه… والباقي تفاصيل!
عميد في الحزب السوري القومي الاجتماعي