خروج تركيا من سورية رهن خروج إيران منها؟

روزانا رمّال

كشف مصدر دبلوماسي لـ «البناء» أن «أي نهاية للعملية السياسية في سورية مع اقتراب الحل للأزمة فيها، لن تكون على حساب مصلحة حلفائها في إشارة الى ايران وكل من شارك في القتال الى جانب الاهداف الروسية. وبالتالي فإن الحديث عن أي تفاصيل أخرى تتعلّق بالحسابات الخاصة بعيدة عن مصلحة الحلف الواحد الأبعد من الازمة هو غير صحيح».

ربما يكون كلام الدبلوماسي الروسي طبيعياً بالمنظار السياسي لإدارة العملية السياسية، وحتى الحديث المرتبط فيها في الأروقة والغرف، اينما كانت في المحافل الدولية والاجتماعات الكبرى، الا ان الذي لا يُعتبر مشهداً طبيعياً هو تقصّد روسيا لإرسال بعض الرسائل المباشرة عبر لسان وزير دفاعها العسكري بامتياز سيرغي شويغو الى المجتمع الدولي، ومن قلب «اسرائيل». فالوزير الروسي الذي ذهب للقاء المسؤولين «الاسرائيليين» حمل في جعبته ما لا يحمل مواربة أو التفافاً خلف المشهد الذي تتلطى فيه «اسرائيل» لجهة اعتبار تعدياتها في سورية جزءاً من التمادي الذي اعتادت عليه تحت عين روسيا، وكأنها تريد تصوير الأخيرة متورطة في هذا التساهل وغير آبهة لإمكانية اندلاع أي حرب بين «اسرائيل» وحلفاء موسكو، ما دامت اروسيا قد قررت منذ البداية عدم التدخل في الصراع الدائر تحديداً بين كل من سورية وايران وحزب الله من جهة و»اسرائيل» من جهة ثانية.

ارسل شويغو رسائل الانزعاج الروسي من هذا التمادي، مرفقة برسائل الاستعداد الروسي لأي مواجهة مفتعلة من قبل تل ابيب أكانت ميدانية او سياسية، فالأمور التي تسير على «ما يرام» أو بشكل جيد، حسب الخطة الروسية التي تعتمد على جدول زمني باقتراب اختتام الأزمة السورية قبل نهاية العام، حسب مراقبين دوليين لا يمكن أن تختتم بحسابات التصعيد «الاسرائيلي» التي تقارب الأزمة بحسابات ما قبل العام 2011، لأن الأمور تغيرت والظروف أيضاً. وعلى «اسرائيل» الصديقة لروسيا الاعتراف بذلك، لكن الأهم الاعتراف و «الثقة» بإدارة اللاعب الروسي للأزمات وفق المصالح المفترض ان تكون «اسرائيل» جزءاً منها بالمنظار الروسي، فموسكو التي تحرص على مصالح حلفائها تحرص أيضاً على العلاقة الجيدة بـ «إسرائيل» بعيداً عن مفاهيم التفوّق التي سادت الأخيرة في ظل التفرّد الأميركي بقيادة زمام الأمور في المنطقة.

قبل زيارة «اسرائيل» كان السعوديون قد تعرّفوا بدورهم على فكرة القيادة الروسية الجديدة لمنطق الأزمات وإدارات ملفات المنطقة بعد الحرب، إثر زيارة الملك السعودي روسيا بزيارة تاريخية اعترف فيها بضرورة الانخراط ضمن فكرة الشراكة مع روسيا هذه المرة في المنطقة كأمر واقع جديد. وكانت الرياض مرحّبة بشكل كبير بالسياسة الروسية المتبعة لحل الأزمة مع دعمها الواضح لمساعي استانة الأخيرة وهي المساعي الروسية بامتياز.

بالعودة لـ«إسرائيل» لفتت زيارة شويغو إليها بما يمثله من رمزية عسكرية بالدرجة الأولى، واعتبار ذلك مؤشراً برسائل الاستعداد الروسي الكبير للتعاون مع «اسرائيل» اذا عبرت عن رغبتها بذلك في المرحلة المقبلة من أجل تقبّل الحلول الجديدة إضافة الى رسالة الجهوزية لأي اشتباك مفتعل لتتقاطع الدبلوماسية الروسية مع الآلة الحربية في آن وتتبادل الغرفتان إدارة شكل الحل وتبادل الرسائل.

في بيان للمكتب الصحافي لرئيس الوزراء «الإسرائيلي»، قيل إن نتنياهو، خلال لقائه وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو: «تطرّق بالدرجة الأولى لمحاولات إيران إقامة قواعد عسكرية في سورية»، أي أن هذا هو جلّ ما يقلق «اسرائيل» وفكرة تقبلها لحلول المستقبل وإيران حاضرة بهذه القوة نفسها او القدرة نفسها، وهو الهاجس الذي تعرفه روسيا سلفاً، والذي لم تتفاجأ به، لأن الأساس هو تقبل «اسرائيل» للحلول التي ستقترحها روسيا على إيران في سورية وعلى حلفائها، خصوصاً في الجنوب السوري، فإيران لا تنوي أصلاً البقاء على الأرض السورية كوجود او احتلال، لكن هذا بات شرطاً لدى الجميع، أي ان كل اللاعبين ينوون اليوم المقايضة فأين هي المقايضة الحقيقية؟

المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي مستورا كشف بدوره أن مساعي شويغو طالته وأنّه «بحث معه أفق الانتقال من مرحلة مناطق خفض التصعيد إلى تسوية سياسيّة أكثر ثباتاً في سورية»، لتبدو المقايضة هذه المرة بخروج كل الوجود الأجنبي على الارض السورية. وهذا يعني اذاً خروج الجنود الأتراك من ادلب ومن مناطق وجودهم على الأرض السورية، لان أحداً غير قادر على فرض شروط من جهة واحدة، وبالتالي فإن هاجس بقاء القوات التركية في سورية وهاجس بقاء الإيرانيين او حزب الله أيضاً ينتهي بخروج الأطراف مجتمعة وإلا..، فإن أي حديث عن حل سياسي جدّي لن ينجح بالمعايير كافة.

تبدو اليوم مسألة الدخول التركي الى الاراضي السورية أوضح من اي وقت مضى. وها هي طاولة المفاوضات تتحضّر على نار حامية لتسوية أوضاع المتقاتلين الكبار هذه المرّة على الساحة السياسية والعسكرية السورية.

أجادت الدبلوماسية الروسية مرات، وها هي اليوم تجيد التقاط إنجازات الآلة العسكرية وإدارة الخلافات بين الحلفاء والأصدقاء. فعلى الأرض السورية لا يبدو أن لروسيا أعداء في هذا التوقيت، بل إن الخلاف يدور بين الصديق والحليف الذي بات عليه أن يقتنع بمساحة النفوذ الروسي الجديد في الشرق الأوسط شريكاً مباشراً للولايات المتحدة التي تفرّدت لعقود وعقود في إدارة أزماته.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى