إعادة إعمار غزّة تحت الوصاية

عامر نعيم الياس

عُقد المؤتمر الدولي لإعادة إعمار قطاع غزّة في القاهرة بمشاركة أكثر من خمسين دولة، وبوجود الأمم المتحدة ورعاية مصر والنروج. 5.4 مليار دولار حجم الأموال التي تعهّدت بها الدول المشاركة لإعادة الإعمار، منها مليار دولار من قطر التي حلّت في صدارة الدول المانحة، و200 مليون دولار من واشنطن التي دمّرت أسلحتُها عشرات آلاف الكتل السكنية في قطاع غزّة، ولا شيء من المملكة السعودية التي لا تريد تقديم كلّ العون، للمواءمة مع المحور التركي ـ القطري. فحماس من حصتهما، وعليه فإن التبرّع والسخاء يجب أن تتحملهما إمارة قطر التي ستوجّه المليار دولار خاصتها إلى جيوب النخب الاقتصادية المرتبطة بحركة حماس.

المؤتمر الذي عنوانه إعاد الإعمار حمل في مضمون الكلمات التي ألقيت فيه من الرئيس المصري مروراً بالفلسطيني وليس انتهاءً بوزير الخارجية الأميركي، ما يمكن تسميته بالإعمار تحت الوصاية، وبشروط أهمّها الاعتراف بالوضع الجديد الناشئ في المنطقة، ومحاولة الدفع بالمسار السياسي في الوجهة التي تناسب مصالح رعاة الربيع الأميركي، وخيارات حلفائهم أو بالأحرى أدواتهم، لا بالوجهة التي من المفروض أن تفرزها نهاية عدوان الأيام الـ51 الذي قاده نتنياهو على قطاع غزّة، والذي انتهى بالفشل بحسب إجماع كافة الصحف والنخب داخل الكيان الصهيوني.

هنا تقول «ليبيراسيون» الفرنسية «إن مؤتمر المانحين في القاهرة يحمل في طيّاته توجّهاً لاستئناف محادثات السلام».

السياسة عند العرب دائماً تستخدم كطريق لتقديم صكوك الغفران للسيدين الأميركي و«الإسرائيلي». وهنا وفي مؤتمر القاهرة لم تخرج الأمور عن نصابها، بل من الواضح أن المؤتمر الذي حضرته حكومة التوافق الفلسطينية التي تدعمها حركة حماس، جاء ليضع مسار التطبيع السياسي مع الحركة على الخط، خصوصاً بعد أن نسب خالد مشعل ما جرى في غزّة إلى الدوحة وأنقرة في الدرجة الأولى، وهو أمر لا يمكن وضعه إلّا في إطار إشهار عملية إعادة التموضع وبشكل نهائي في ظل الربيع الأميركي وخيارات الحركة المعروفة التي أخرجتها من دمشق إلى الدوحة.

تطرّح أسئلة عدّة حول وفاء الدول بالتزاماتها المالية لإعادة إعمار القطاع، وسط مخاوف من تكرار التجارب الماضية مع الغرب، فهل هذا ممكن؟

يختلف هذا المؤتمر عن غيره كونه يندرج في إطار استراتيجية بدأت فور خروج حماس من دمشق ورفع مشعل وهنيّة «علم المعارضة السورية» والالتزام بمقرّرات التنظيم العالمي للإخوان ونهجه، فضلاً عن تشكيل حكومة التوافق الفلسطيني برئاسة رامي الحمدالله والتي كان من بين أهم أهدافها تمهيد الطريق أمام عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزّة، وتحقيق خرق في الملف التفاوضي بين السلطة والحكومة الصهيونية على مستوى شكل الحكومة الجامعة لرأسَيْ السلطة في الضفة والقطاع، أي حماس وفتح. فالحكومة التوافقية تساعد في تشريع العودة إلى ما يسمّى عملية التسوية من دون أن تكون حماس طرفاً مباشراً في التفاوض، ومن دون أن تعترف بالكيان الصهيوني. لكن مقابل احتواء أيّ ردّ فعل داخل الحركة والقطاع على المستوى المنظور، خصوصاًً أن الحركة الإخوانية أعلنت منذ سنوات استعدادها قبول هدنة طويلة الأمد مع الكيان الصهيوني مقابل فتح المعابر وفكّ الحصار عن القطاع. وفي ضوء هذا الاختلاف النوعي، فإن مؤتمر إعادة إعمار القطاع سيدفع بأمواله في غزّة وفق سياسة الخطوة خطوة، بما يتناسب مع حجم الاندفاعة الفلسطينية عبر حكومة التوافق نحو استئناف الاتصالات مع الحكومة الصهيونية، التي لا يمكن لها أن تتمّ سوى برزمة جديدة من التنازلات على قاعدة حيوية عملية السلام وضمان مصلحة قطاع غزّة وإنقاذه من كارثته الإنسانية والاقتصادية مع حلول فصل الشتاء.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى