دور روسيا في سورية: هجوميّ ضدّ الإرهاب… ردعي إزاء «إسرائيل»؟
د. عصام نعمان
بات واضحاً أنّ الاشتباك بين سورية و«إسرائيل» صباح الاثنين الماضي، حَدَث إبان وجود وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في تل أبيب. سورية بدأت الاشتباك. «إسرائيل» ردّت. ردّها أتى، بحسب ناطقها العسكري افيحاي ادرعي، بعد ساعتين على إطلاق الصاروخ السوري على الطائرة الحربية «الإسرائيلية» المحلّقة في السماء اللبنانية.
ما دلالات هذا الحدث وتداعياته؟
لا بدَّ من التذكير أنه قبل نحو شهر ضربت «إسرائيل» مؤسّسة بحوث علمية عسكرية في مصياف محافظة حماة تبعد نحو 50 كيلومتراً عن قاعدة بحرية روسية في طرطوس وأخرى جوية في حميميم قرب مدينة اللاذقية. دمشق حذّرت وتوعّدت ثم ردّت. هل فعلت ذلك بعلم موسكو أم بمعزل عنها؟
في المقابل، تل أبيب حرصت على القول إنّ ردّها جاء بعد ساعتين على إطلاق الصاروخ السوري ما يوحي بأنّ مشاورات واتصالات جرت مع الجانب الروسي قبل هندسة ردّها الجوي. ما معنى هذه الواقعات؟
لا بدَّ من الملاحظة، أولاً، أنّ سورية ضربت الطائرة «الإسرائيلية» بينما كانت تحلّق في سماء لبنان في «مهمة اعتيادية»، كما ادّعت تل أبيب، لكونها تفعل ذلك يومياً من دون رادع من اية جهة، ومنذ زمن طويل. الملاحظة الثانية إنّ موقع الرادار السوري الذي ضربه سلاح الجو «الإسرائيلي» يقع في منطقة القلمون التي كان الجيشان السوري واللبناني وحزب الله قد حرّراها من «داعش» قبل نحو ثلاثة أسابيع. الملاحظة الثالثة أنّ الاشتباك تزامن مع انتصارات حققها الجيش السوري وحلفاؤه في محافظتي دير الزور وحماة، تؤشّر الى قرب إعلان دحر «داعش» من كلّ المناطق السورية التي كان سيطر عليها، فهل تعتزم دمشق وحلفاؤها مباشرة استراتيجية مواجهة متصاعدة ضدّ «إسرائيل» وحلفائها الناشطين على حدودها مع لبنان، كما مع الجولان وفلسطين المحتلين؟
هذه الأسئلة جميعاً تستوجب أجوبة مُقنعة، أقلّه مُلهمة.
يتضح من تعليقات المحللين العسكريين «الإسرائيليين» على الاشتباك الأخير أنّ موسكو كانت ممتعضة من قيام «إسرائيل» بضرب موقع مصياف القريب من قواعدها البحرية والجوية في طرطوس وحميميم. ربما لهذا السبب تمهّلت تل أبيب في الردّ على قيام دمشق بإطلاق صاروخ ضدّ طائراتها المحلقة يومياً في الأجواء اللبنانية. قد لا تكون استأذنت الجنرال شويغو في الردّ على سورية بعد ساعتين من بدء الاشتباك، لكنها حاولت بالتأكيد من خلال اتصالاتها بالروس هندسة ردٍّ لا يُزعج موسكو ولا يوحي لحليفتها دمشق بأنها في صدد حملة عسكرية متصاعدة ضدّها، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، لا تجد «إسرائيل» نفسها مضطرة الى تقديم تبرير أو اعتذار الى لبنان. فهي تستبيح سماءه منذ عقود بدعوى ضرورات الاستطلاع وجمع المعلومات عن قوى المقاومة المتواجدة والمنطلقة من أراضيه. ولبنان في ظلّ حكوماته المتعاقبة التزم سياسة النأي بالنفس عن «إسرائيل» دائماً وعن سورية منذ اندلاع اضطرابات «الربيع العربي» ومن ثم هجمات «داعش» و«النصرة» وأخواتهما عليها.
أصعب الأجوبة تلك المتعلقة بسياسة سورية وحلفائها بعد اتجاهها الى تحقيق هزيمة ميدانية مدوّية ضد «داعش»، ونجاحها المرتقب في تحرير منطقة الحدود السورية العراقية من تنظيمات الإرهاب المدعومة من قوى دولية وازنة ما يتيح إقامة جسر بري لوجيستي يمتدّ من طهران إلى بيروت عبر العراق وسورية. استباقاً لهذا الاحتمال الخطير وتلميحاً إلى مواجهة تداعياته، حرص وزير الحرب الإسرائيلي افيغدور ليبرمان على التأكيد في حضرة وزير الدفاع الروسي الجنرال شويغو انّ تل أبيب «تتصرف بمسؤولية وحزم ولن تسمح لإيران وحزب الله بتحويل الأراضي السورية الى موقع متقدّم ضدّ «إسرائيل»، ولن تسمح بنقل السلاح المتطور من إيران عبر سورية إلى لبنان».
عبارة «إلى لبنان» تعني إلى المقاومة في لبنان. غير انّ هذا التحذير لا يجيب عن تساؤل مزمن: ما دامت «إسرائيل» ناشطة منذ عقود في ضرب قوافل تزعم أنها تنقل براً أسلحة متطوّرة الى المقاومة، فكيف تمكّن حزب الله بحسب أقوال وزراء «إسرئيليين»، من امتلاك أكثر من مئة ألف صاروخ، قصير ومتوسط وربما بعيد المدى أيضاً؟ هل يؤشر ذلك إلى فشل عمليات قصف قوافل السلاح من الجو في سماء سورية ولبنان؟ وهل ابتدعت قوى المقاومة طرقاً أخرى آمنة لنقل الأسلحة التي تحتاجها؟ أم أنّ إمكاناتها تطوّرت الى درجة أصبحت معها قادرة على تصنيع بعض أسلحتها ولا سيما صواريخها محلياً؟
كلّ هذه الاحتمالات ممكنة، وفي ضوئها يستقيم إطلاق استنتاج منطقي، هو أنّ دور روسيا في سورية هجومي مباشِر ضدّ تنظيمات الإرهاب وأنه ردعي مداوِر إزاء «إسرائيل». معنى «ردعي مداور» انّ الأسلحة المتطورة التي تزوِّد بها روسيا كلاًّ من إيران والعراق وسورية ممكن بل مُرجّح وصولها مداورةً إلى قوى المقاومة في لبنان وفلسطين. في هذه الحالة، هل من فائدة ترتجى من تحليق الطيران الإسرائيلي الاستطلاعي فوق لبنان؟ وإذا كانت لتحليقه أغراض عسكرية أخرى، فهل قيام سورية بإطلاق صاروخٍ ضدّ إحدى طائراته يدشن مرحلة جديدة في الصراع عنوانه أنّ سماء لبنان أضحت خطاً دفاعياً سورياً أحمر؟
وزير سابق