تركيا ومعركة اهتزاز الثقة في الداخل
هدى رزق
خاطر رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو بصورة الحكومة التركية وقدرتها على ضبط الوضع الداخلي، عندما طلب من الزعيم الكردي المنفي عبد الله أوجلان، الضغط على حزب العمال الكردستاني المحظور، واستعمال نفوذه لوقف التظاهرات والعنف في الشوارع التركية، بعد خروج الوضع عن السيطرة.
هذا وقد حمل الأكراد الحكومة التركية وسياستها المهادنة لـ «داعش» مسؤولية اقتحام عين العرب كوباني ووقوع آلاف الضحايا. لكن تدخل أوجلان وإيعازه إلى مؤيدي حزب العمال الكردستاني وحزب الشعوب الديمقراطي إخلاء الشوارع والابتعاد عن العنف أدى إلى وقف التظاهرات، فرفعت الحكومة إثر ذلك حظر التجوّل. لكن الأحداث المتنقلة استمرت وطالت المحافظات المحاذية للحدود السورية التركية. وأدّى الاقتتال بين الجنود والمسلحين الأكراد الى ارتفاع عدد القتلى إلى 31.
وأوقف أوجلان التظاهر والفوضى التي عمّت شوارع تركيا لكنه لم يستطع إيقاف عمليات القتل. لذلك، حاول البعض التشكيك بقدرته في التأثيرعلى مؤيديه، وتحميل المسلحين الأكراد في جبال قنديل مسؤولية أحداث القتل، وذلك بعد أن هدد جميل باييك، المسؤول العسكري الكردي، بإعادة المسلحين الأكراد من جبال قنديل إلى تركيا بالرغم من التزامه خلال محادثات السلام بسحبهم إلى هذه الجبال.
وفي هذا الإطار، حمّل أردوغان مسؤولية التظاهرات الاحتجاجية التي شهدتها المحافظات التركية إلى حزب الشعوب الديمقراطي الذي دعا أنصاره للنزول إلى الشوارع للاحتجاج على محاصرة مدينة عين العرب، واعتبر أن هذا التصعيد وأعمال التخريب والقتل والإحراق هدفت إلى إثارة الفوضى وإفشال عملية المصالحة واعتبرها محاولة جديدة من أعدائه لإسقاط الحكومة بعد أن فشلوا سابقاً. ولم يوفر أردوغان جماعة غولن من الاتهامات باستغلال الفرصة لتحميل الحكومة مسؤولية كل ما يجري، كما أنه اعتبر أن الجماعة لم تجد حاجة لإخفاء سرورها من أعمال التخريب والقتل، بانتظار أن تحترق البلاد. وتوزع أردوغان وأوغلو توجيه الاتهامات للداخل ورفع أوغلو الصوت ضد زعيم حزب الشعوب الجمهوري وطلب منه الصمت وعدم انتقاد سياسة الحكومة في ما يخصّ سياستها تجاه «داعش» وسورية. وما زال أردوغان يتصرف وكأنه رئيس حزب العدالة والتنمية وليس رئيساً للجمهورية التركية، يمثل الأمة جمعاء بحسب الدستور التركي، الأمر الذي أثار انتقادات المعارضة.
وقد حاولت تركيا أن تبتعد عن «الربيع الكردي» عبر الحوار مع أوجلان المنفي في جزيرة اميرلي، لكي تنتزع من القوى الإقليمية والدولية أهم ورقة ضغط يمكن للغرب أو للدول الإقليمية أن تستعملها في مواجهتها. بيد أن الحكومة لم تضع في الحسبان أن سياساتها المتبعة ستعيد تفجير الاشتباكات في المحافظات ذات الأغلبية الكردية وخروجها عن السيطرة، الأمر الذي يمكن أن ينعكس على حساباتها في العلاقة مع إقليم كردستان العراق.
واتهمت الأقلام الموالية للحكومة المعارضة التركية والكردية في الداخل بقصر النظر، وادعت أن قائمة المستفيدين إقليمياً ودولياً من الأحداث في تركيا طويلة، على رأسها النظام السوري وحلفاؤه والولايات المتحدة التي تضغط على الحكومة التركية للقبول بشروطها في القتال ضد «داعش». واتهمت إيران والسعودية بنقل حربهما وتناقضاتهما الى الساحة التركية. كما اعتبرت أن «داعش» ما هي إلا نتيجة الصراع السعودي- الإيراني.
وأدى التوتر العالي في أنقرة، بعد تحول تركيا في غضون أيام قليلة الى ساحة تشبه ساحات الصراع في بلدان «الربيع العربي»، الذي استخدمته وسعّرته لمصالحها، إلى استنفار القيادة السياسية بعد أن شعرت بضعف قدرتها عن ضبط الأمور. لذلك، تمنّى أردوغان على البرلمان التركي أن يتخذ إجراءات ويقوم بترتيبات لتطهيرالشوارع ممن سماهم «الثأريين»، كما دعا الأحزاب كافة، إلى أي جهة انتمت، إلى تحمّل المسؤولية ودعم إجراءات كفيلة بعدم تكرار ما حدث.
وأحدثت معركة «داعش» في كوباني تصدّعاً في الوضعين الأمني والسياسي داخل تركيا، ما أثر في آلية اتخاذ القرار في أنقرة. وطرح قدرات حكومة أوغلو على بساط البحث، فماذا كان بوسع داود أوغلو وأردوغان أن يفعلا لو لم يتجاوب أوجلان؟ كان لا بد لهما من مقاربة الواقع الداخلي المتفجر قبل الانتخابات وخفض منسوب التوتر وتخفيف الاحتقان الشعبي الذي تشظى في الداخل مع انفجار معركة «عين العرب» على الحدود.
وبالرغم من مراهنة البعض على أن الشعب التركي متطرف قومياً وسيدعم الحكومة ضد تظاهرات الأكراد، إلا أنه لا يمكن لتركيا أن تستعمل سلاح التطرف القومي في ظل انفتاحها وحوارها مع الأكراد من أجل دفع عملية السلام من جهة، وبسبب الضغط الغربي عليها من أجل إنجاز هذا الموضوع من جهة أخرى.
وسيستمرالخوف التركي على الداخل بعد إعادة اهتزاز الثقة مع الأكراد. وفي انتطار بلورة المحادثات التي تجرى مع الولايات المتحدة على الصعيدين الاستخباري والعسكري، ومعرفة ماهية الدور الذي ينتطرها في الحرب ضدّ «داعش»، تراكم تركيا حصد نتائج معركة عين العرب كوباني على أراضيها.