لقاء مع الذاكرة الفلسطينيّة

حكمت حسن

أدخل مكتب «دار نلسن للنشر» متلهّفة لاستلام نسخة «بروفا» من كتابي قيد الطبع «مسمار»، تحية وردّ، سرعان ما سُلبت أيّ إمكانية للنطق، فالسمع يرهف والأحاديث تزداد تشويقاً، وسيّدة في السبعين من عمرها تروي فصولاً من لقاءات مع أدباء وشخصيات فاعلة في تاريخ الفنّ بلهجة فلسطينية، وبروح وثّابة وبكثير من الحنان. ولا عجب في أن تثب الأذن لتسمع، حين تكون المتحدّثة حنان بكير، الروائية والناشطة في «أونروا».

انسياب في الرواية والذكريات قطعته لأنّ الوقت يسبقني كما سبقتها طفولتها خارج عكا، وأجبرتها على اللحاق بها لاستعادتها بعد الرحيل القسري صوب المنافي، صوب بيت كانت تظنّه بيتها في برج البراجنة، إلى النرويج… الوقت اضطرني إلى قطع حديث شيّق، وهديّتي كانت متمثلةً بكتابها «إبحار في الذاكرة الفلسطينية». كتاب تقول فيه حنان إنّ الوطن هو ذاكرة تسوّلتها مرّات من طفولة غائبة، إلى واقع عشوائي كلّما قلّمته يعود خشناً بعد كلّ ثانية من ذلّ عاشها كلّ فلسطينيّ رمزٍ شُرّد. لكن حنان تزهره بتربتها الخصبة فرحاً يماثل تحقق النبوءة، أن تزرع شجرة حين يولد طفل، لكأنّها إثبات توقيع العلاقة بالأرض. هناك في الشمال البارد من يروي قصص فلسطينية صغيرة، منيعة ضدّ الموت، رغم أن أيادٍ مخضّبة بالدم الوحشيّ تناقلتها. إنه ليس فحصاً مخبرياً، يستخرج دماً بشكّة لا تُحتَسب. إنه حفر بأقسى آلات الألم. الوقت الذي يقسو كلما كبر، تتجعّد ملامحه، تخفّ رحمته، وتتكاثف جلوده حول نقش طريّ خالد اسمه «الذاكرة الفلسطينية».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى