أميركا… كلّ الدروب تؤدّي إلى الهزيمة

جمال رابعة

كتبت في مقال سابق نشر بتاريخ 22 نيسان 2015 عند التوقيع الأوّلي بين إيران والدول الكبرى 1+5 ما مفاده انّ الاتفاق النووي الموقع مع إيران يشبه كثيراً الاتفاق الذي وُقع مع كوريا الشمالية عام 1994، والذي انهار عام 2002، ومضت كوريا الشمالية نحو طريقها لامتلاك ترسانة نووية كبيرة، هذا يستدعي من الإدارة الأميركية ان تأخذ العبر وتستفيد من دروس سابقة في طريقة تعاملها مع إيران. لكن الذي حصل أنّ الإدارة الأميركية وقعت الاتفاق واستفادت من دروس الماضي رغماً عن كلّ محاولات العدو الصهيوني وحربته بني سعود لعدم الوصول الى هذا الإنجاز التاريخي.

اليوم يخرج إلينا الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخطاب تصدّر الصحف، ويتنبّأ بمرحلة جديدة عنوانها تصعيد غير مسبوق، استهدف فيه الاتفاق النووي وأحاله إلى الكونغرس لتمديد العقوبات، وإعطاء الحق لنفسه بالانسحاب من الاتفاق وإحالة ملف الحرس الثوري إلى وزارة الخزانة، لاتخاذ إجراءات بحقه تحت عنوانين مكافحة الإرهاب.

السؤال المطروح اليوم، ما هي أهداف هذا التصعيد؟ وما هي مخرجاته؟

باعتقادي انّ الاستهداف هو محاولة من الإدارة الأميركية إقناع الإيرانيين لإعادة ملف التفاوض لفرض شروط جديدة لابتزاز الجانب الإيراني، لكن الردّ الإيراني جاء سريعاً وقوياً على لسان رئيس الجمهورية حسن روحاني بالقول: إن لم يحقق الاتفاق النووي مصالحنا فسنردّ عليه بقوة ولا يمكن إضافة ايّ بند او أيّ ملاحظة أخرى إليه.

أما مخرجاته باعتقادي لن تصل إلى الصدام المباشر، لأسباب محدّدة منها انّ الولايات المتحدة الاميركية ليست جاهزة لإعلان الحرب، وعدم وجود حلفاء لها على المستوى الدولي، والخلافات الداخلية التي تعاني منها الإدارة الاميركية، بعبارة موجزة انّ الرئيس الاميركي مقيّد من أكثر من جهة، لكن تصريحاته اللامسؤولة أوصلت الأمور الى حافة الهاوية، وكلّ دروبه لن تفضي إلا إلى الهزيمة.

وزير الخارجية الالماني زيغمار غابريال قال: انّ برلين وباريس ولندن تدعو واشنطن الى الالتزام بالاتفاق النووي مع إيران، مؤكداً انّ طهران ملتزمة بشروط الاتفاق، ومن جهته أكد رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية بوكبا امانو انّ إيران تحترم التزاماتها بالاتفاق النووي، بدورها وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني، نشرت على حسابها فيديو يؤكد انّ الاتحاد سيتابع العمل على ضمان استمرار الاتفاق النووي الإيراني لأنه يجعل العالم أكثر أماناً، بينما اعتبر وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري قرار ترامب بشأن الاتفاق النووي قراراً خطيراً معتبراً انّ الرئيس الاميركي يخلق أزمة دولية بسلوكه.

الرئيس بوتين اكد أهمية الاتفاق معتبراً أنّ خروج واشنطن من هذه الصفقة سيؤدّي الى آثار سلبية.

أما حلفاء أميركا الإقليميون بدءاً من العدو الصهيوني وممالك ومشيخات الخليج فهؤلاء الحلفاء لا تستطيع الادارة الاميركية الاعتماد عليهم بقراري الحرب والسلم، لأنّ الحرب فاتورتها كبيرة وتطول، وليست مالاً فقط، الحرب جيوش ومعدات وخسائر بشرية، فالمشاهد أمامنا ماثلة حتى الآن، انتصار المقاومة في لبنان 2006، وكذلك لم يستطع بنو سعود حسم المعارك في اليمن بعد ثلاثة سنوات من الحرب الظالمة على هذا الشعب المقهور، أما اميركا فعجزها واضح، وغير مستعدة لخوض ايّ حرب بعد خسائرها وهزيمتها في أفغانستان والعراق والنفقات العسكرية والأمنية الكبيرة في الداخل الاميركي وخارجه.

يقول هنري كيسنجر في كتابه النظام العالمي: انّ الولايات المتحدة فقدت القدرة على شنّ حروب حتى إشعار آخر ، وهنا نسأل هؤلاء الذين يدعمون ترامب باستراتيجيته الجديدة، العدو الصهيوني، والمملكة الوهابية والإمارات والبحرين، هل يستطيع ترامب بهكذا حلفاء اقليميين إعلان حالة حرب؟ وعلى دولة مثل الجمهورية الاسلامية الإيرانية؟

ومما أضعف المواقف الأميركية القرارات التي اتخذه ترامب وكشفت عدم المصداقية والكذب، وافتقارها للخبرة والكفاءة وتجسيدها للشخصية والنرجسية من دون إدراك للنتائج ومخرجات هذه المواقف، لجهة الانسحاب من اتفاقية المناخ والتجارة عبر الاطلسي واتفاقية نافتا للتجارة مع كندا والمكسيك والتصعيد السياسي مع كوريا الشمالية وكوبا والتدخل بالشؤون الداخلية لفنزويلا.

عسكرياً تمّ نشر العديد من الوحدات العسكرية البرية والبحرية والجوية ممثلة بالدرع الصاروخية في بحر البلطيق، وبولندا لاستهداف الاتحاد الروسي.

اذا استبعدنا المواجهات العسكرية المباشرة، فإنّ المواجهات غير المباشرة هي التي تطفو على السطح والمرشحة، وستكون من خلال حروب الوكالة المفتوحة حالياً في أكثر من جبهة في سورية والعراق واليمن، للضغط على إيران، ومن خلال استثمار الورقة الكردية والاستثمار المستمرّ للإرهاب الدولي عبر داعش والنصرة، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فداعش في سورية والعراق الى زوال، والورقة الكردية لتقسيم العراق بعد الإستفتاء سقطت، وفشل تقرير المصير المدعوم أميركياً بعد النصر الاستراتيجي للجيش العراقي ودخوله إلى كركوك، وسقوط أوهام البرزاني بالانفصال ومعه مشروع التقسيم الذي كان بدايته من المشرق العربي في العراق، كفشل مشروع ما سمّي بالربيع العربي من المغرب العربي، ليحظوا بجائزتهم الكبرى في تحقيق أحلامهم الطوباوية ومشاريعهم في سورية التي تحطمت وتكسّرت على صخرتها كلّ أمواج العدوان ومشاريعه وامتداداته.

عضو مجلس الشعب السوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى