اعتذار بايدن ليس عن مضمون كلامه بل عن عدم دبلوماسيته في فضح حلفاء أميركا وأدواتها في المنطقة

نور الدين الجمال

أوضح مصدر دبلوماسي أنّ نائب الرئيس الأميركي جو بايدن عندما كشف أنّ بعض حلفاء الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة يموّلون الجماعات الإرهابية في سورية، تحدث بكلام مباشر لأنه لا يملك القدرة على تدوير الزوايا، وهذه أهم الصفات الشخصية السلبية عنده والتي حالت دون وصوله إلى رئاسة الولايات المتحدة.

ويضيف المصدر عندما تحدث بايدن عن هذا الموضوع في جامعة هارفرد، وهي المعروف عنها بأنها تخرّج أهم المحللين والسياسيين والعقل النقدي في أميركا، فإنه غير قادر على إخفاء الحقائق أمام رجال النخبة، مع أنه لم يقل في كلامه كل الحقيقة، خصوصاً عندما أشار إلى أن حلفاء بلاده في المنطقة في حساباتهم الخاطئة أنه عن طريق المجموعات الإرهابية يمكن إسقاط حكم الرئيس بشار الأسد، كما أن بايدن لم يقل إن الإدارة الأميركية تغاضت عن تصرفات الدول التي دعمت الإرهابيين ومنعهم من تقوية نفوذ هذه المجموعات، ولم يقل أيضاً إن الولايات المتحدة الأميركية ساهمت في التدريب والتأهيل وغرف العمليات في تركيا والأردن.

ويقول المصدر: ما تحدث عنه جو بايدن في محاضرته هو جزء من الحقائق التي أخفاها، ولكنه أراد إيصال رسائل محددة إلى بعض الدول الحليفة لأميركا في المنطقة وإن جاء الاعتذار هو عن عدم دبلوماسيته في توجيه التهم وليس عن مضمون تلك التهم والتي أصبحت معروفة للقاصي والداني، ولكن أهميتها أن تصدر عن مسؤول أميركي رفيع المستوى، وهو لذلك لم يتردد في القول إن الولايات المتحدة الأميركية تدفع ثمن أخطاء حلفائها.

ويرى المصدر، أن الأميركيين عندما قرروا محاربة «داعش» لم يعلنوا أنهم يريدون القضاء عليه وهزيمته، وهذا ما أعلنه الرئيس أوباما صراحة، وما زالوا يخططون لاستبدال «داعش» بقوى أخرى يسمونها معتدلة وخصّصوا لهذه الغاية 500 مليون دولار. وتوجيه الاتهامات إلى بعض حلفائهم في المنطقة يهدف إلى تغطية دورهم في دعم وتقوية هذه المجموعات الإرهابية في سورية والعراق، وهذا دليل واضح على حالة الإرباك الذي تعيشه الإدارة الأميركية في التعاطي مع هذه الظاهرة.

ويعتبر المصدر أن كلام بايدن موجّه أيضاً إلى المجموعات الإرهابية مضمونه هو إمكانية أن تعيد الإدارة الأميركية النظر في سياستها في موضوع مكافحة الإرهاب وقد تضطر لاتخاذ خطوات معينة على هذا الصعيد عليكم الاستعداد لتقبل مثل هذه الخيارات. كما أن كلام بايدن فيه رسالة واضحة إلى تركيا على رغم التواصل بين مسؤولي البلدين على أعلى المستويات بهدف التنسيق والتشاور حول الملفين السوري والعراقي، مفادها أنه إذا اتخذت الولايات المتحدة قراراً بوقف الدعم والتمويل وتسهيل المرور للمقاتلين على الحدود مع سورية والعراق فعلى تركيا أن تلتزم بأي قرار أميركي يتخذ على هذا المستوى.

ويقول المصدر: التحالف الذي أوجدته الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب تبيّن حتى الآن أنه ليس لمحاربة الإرهاب، بل لكي تقول الولايات المتحدة إلى من يعنيهم الأمر إنها ما زالت كقوة عظمى موجودة في المنطقة حتى أن روسيا والصين وإيران لن يكون لهم أي دور فيها بحسب الرؤية الأميركية، وهذا الوهم الأميركي لا بد أن ينجز في ضوء التقارب والتنسيق بين إيران وروسيا والصين في شتى المجالات ليس في المنطقة بل على صعيد العالم بهدف إيصال رسالة للأميركيين أن دولة القطب الواحد قد انتهت، ولهذا فإن نائب الرئيس الأميركي في كلامه الأخير كان يمارس التقية السياسية من خلال توجيه ضربات شكلية غير فاعلة للإرهابيين والتهرّب الفعلي من مواجهة الإرهاب ومحاربته وعدم التنسيق مع القوى الفاعلة على الأرض في سورية والعراق، ولكن الأميركي في نهاية المطاف مضطر للتعاون مع دمشق. والمؤشر على هذا التوجه أنه عندما أرادت الإدارة الأميركية إبلاغ سورية بتوجيه ضربات جوية إلى «داعش» في مناطق محددة من سورية، حضر وفد أميركي مشترك من وزارتي الخارجية والاستخبارات الأميركية إلى مكتب الدكتور بشار الجعفري مندوب سورية الدائم في الأمم المتحدة بحضور البعثة السورية الدبلوماسية والأمنية واستغرق اللقاء مدة ساعة كاملة لم يكن البحث مقتصراً على الإبلاغ بالضربات الجوية، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، إلى مسائل أخرى سياسية وأمنية على علاقة بكيفية محاربة الإرهاب بصورة جدية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى