كتالونيا تعلن الانفصال.. والحكومة الإسبانية تلغي البرلمان الكتالوني وتُقيل «بوتشيمون»
بعد أزمة سياسية حادّة ما بين كتالونيا ومدريد أعلن برلمان كتالونيا، أمس، الانفصال عن إسبانيا من طرف واحد، في قطيعة غير مسبوقة مع إسبانيا، عقب تصويت سري، باتت كتالونيا «دولة مستقلة تتخذ شكل جمهورية»، فيما دعت الأحزاب في الإقليم إلى «الاحتشاد بكثافة في محيط البرلمان تحسباً لتنفيذ إسبانيا قرار تعليق الحكم الذاتي». ثم أدّى النواب النشيد الانفصالي وهتفوا «لتحيا كتالونيا».
وبحسب رئيسة البرلمان، وفي غياب للمعارضة التي كانت غادرت الجلسة «صوّت 72 نائباً لصالح الانفصال في برلمان كتالونيا المكوّن من 135 عضواً، فيما عارضه 10، وامتنع 2 آخرين عن التصويت». وتشكّل الأحزاب الانفصالية من اليسار المتطرف إلى يمين الوسط غالبية في البرلمان.
وقبل التصويت، غادر نواب المعارضة الجلسة تاركين خلفهم أعلاماً لكتالونيا وإسبانيا وضع الواحد منها بجانب الآخر في مقر البرلمان.
وكان النائب المعارض كارلوس كاريسوزا قال رافعاً نص قرار إعلان الاستقلال «إنّ هذا النص الذي أعددتموه يقضي على التعايش في كتالونيا».
وتساءل أليخاندرو فرنانديز من الحزب الشعبي المحافظ بزعامة راخوي «كيف وصلنا إلى هنا؟»، لافتاً إلى أنه «يوم أسود للديمقراطية».
وينص القرار على قيام «الجمهورية الكتالونية بوصفها دولة مستقلة وسيدة ودولة قانون، ديمقراطية واجتماعية».
ويطلب القرار في حيثياته من حكومة كتالونيا «التفاوض حول الاعتراف بها في الخارج»، في حين لم تعلن أي دولة دعمها للانفصاليين.
وخارج البرلمان، احتفل عشرات الآلاف من أنصار الانفصال بقرار البرلمان بالتصفيق والهتاف. وتبادل المواطنون من أنصار القرار التهاني والعناق في ساحة البرلمان، رافعين أعلام الإقليم وهاتفين بالقرار، بحسب ما نقلت وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
وأظهر فيديو مصوّر لحظة النطق بقرار البرلمان، حيث وقف الآلاف أمام شاشة كبيرة نقلت وقائع جلسة البرلمان، الذي صوّت بالأغلبية على الانفصال.
فيما كتب نائب رئيس كتالونيا أوريول خونكيراس على تويتر «نعم، لقد ربحنا حرية بناء بلد جديد».
في السياق نفسه، ذكرت صحيفة «Caso Aislado» الإسبانية «أن السلطات في مدينة غيرونا Gerona ، عاصمة مقاطعة غرندة التابعة لمقاطعة كتالونيا، أمرت بإنزال العلم الإسباني من فوق مبانيها الحكومية».
وأشارت الصحيفة ذاتها إلى أنّ «السلطات المحلية شرعت بنزع أعلام المملكة بعد مرور 10 دقائق فقط من إعلان البرلمان الكتالوني الاستقلال عن إسبانيا».
ووفقاً لما نشرته صحيفة El Pais الإسبانية، فإنّ «سلطات مدينة ساباديل الواقعة قرب برشلونة، قد قامت بالخطوة ذاتها وأنزلت العلم الإسباني من على مبانيها الحكومية لتبقي علم كتالونيا وحده».
وبعيد ذلك، أجاز مجلس الشيوخ الإسباني وضع كتالونيا تحت وصاية مدريد. ودعا رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي إلى «جلسة طارئة للحكومة الإسبانية»، اتخذت خلالها الحكومة الإسبانية قراراً بـ «حلّ البرلمان الكتالوني». وتحديد موعد للانتخابات البرلمانية بيوم 21 كانون الأول المقبل.
وقال راخوي للصحافيين: «لقد قمت بحل البرلمان الكتالوني، وستجري الانتخابات يوم 21 كانون الأول».
كما أعلن راخوي عن «إقالة رئيس حكومة كتالونيا كارليس بوتشيمون».
وكان سارع راخوي بعيد الإعلان، إلى الرد عبر موقع تويتر مؤكداً أنّ مدريد «ستعيد الشرعية في كتالونيا»، قائلاً: «إنّ حكم القانون سيعود إلى إقليم كتالونيا» واصفاً إعلان الانفصال بـ «الجريمة».
كما قال، في كلمة أمام مجلس الشيوخ، إنّ «تنظيم الاستفتاء وإجراءه، كانا عبارة عن سلسلة مستمرة للخطوات المنافية للديمقراطية»، مضيفاً أنّ «خرق القانون يدمّر المجتمع، ويهدم الأسر، ويخلف تبعات اقتصادية خطيرة».
وتابع، «يجب اتخاذ إجراءات استثنائية عندما لا يكون هناك علاج آخر».
من جهته، فعل مجلس الشيوخ الإسباني المادة 155 من الدستور، والتي ستسمح للحكومة المركزية بتولي إدارة الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي.
وتسمح المادة 155 من الدستور للحكومة، بالسيطرة على «إقليم يتمتع بالحكم الذاتي في حال لم يحترم التشريعات التي يفرضها عليه الدستور أو قوانين أخرى».
وأكدت الحكومة الإسبانية أنها ستستخدم المادة 155 لمدة ستة أشهر فقط «لإعادة النظام الدستوري».
وأشار راخوي إلى أن «القيادة في كتالونيا تتجاهل القانون وتهزأ بالديمقراطية»، مشدّداً على أنّ «الحكومة الإسبانية والشعب يواجهان تحدياً غير مسبوق في التاريخ الحديث للبلاد».
وأضاف، «في رأيي لا يوجد بديل.. الشيء الوحيد الذي يمكن عمله ويجب عمله هو قبول القانون والامتثال له».
وطوّقت عشرات من عربات الشرطة الإسبانية، أمس، مبنى وزارة الداخلية ومرافق حكومية أخرى داخل إقليم كتالونيا الساعي للانفصال عن إسبانيا.
وأفادت مصادر بأنّ «عدد عناصر الشرطة الإسبانية تضاعف بشكل ملحوظ أمس عما كان عليه أول أمس».
وكان رئيس كتالونيا كارلس بوتشيمون، استبعد أول أمس، إجراء انتخابات مبكرة، وقال: «إنّ مسألة إصدار تفويض للانفصال عن إسبانيا باتت في يد برلمان الإقليم الآن بعد استفتاء الاستقلال الذي أجري في الأول من تشرين الأول الحالي».
وكانت أوروبا عبرت قبل أسبوع عن «دعمها لحكومة راخوي عبر إرسالها رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر ورئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاجاني ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك لتلقي جائزة في أوفييدو شمال غرب إسبانيا.
وصرّح تاجاني «علينا ألا نقيم الحدود بين الأوروبيين»، محذّراً من أنّ «محاولة تغيير الحدود تحوّلت جحيماً من الفوضى».
واللافت أنّ إعلان استقلال لا يلبي رغبة عدد كبير من سكان كتالونيا. إذ أفادت الاستطلاعات أنّ نصفهم على الأقل يريدون البقاء ضمن المملكة الإسبانية.
واعتبرت إسبانيا الاستفتاء، الذي شارك فيه 43 في المئة من الناخبين «غير قانوني».
من جهتها، رفضت اللجنة الأوروبية التعليق على إعلان الانفصال، ودعا رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، الحكومة الإسبانية إلى «اتباع قوة القانون، وليس قانون القوة في التعامل مع إعلان كتالونيا»، مؤكداً أنّ «مدريد ستبقى المحاور الوحيد للتكتل».
وكتب عبر موقع تويتر «لا شيء تغير بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي. ستبقى إسبانيا المحاور الوحيد لنا».
بدورها، أكدت وزارة الخارجية الأميركية على أنّ «كتالونيا جزء لا يتجزأ من إسبانيا، وأنّ الولايات المتحدة تدعم تدابير الحكومة الإسبانية للحفاظ على وحدة البلاد».
كما أعلن مكتب رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، «أنّ بريطانيا لا تعترف بإعلان استقلال كتالونيا، ولن تعترف به في المستقبل».
وجاء في بيان صدر عن المكتب، أنّ «بريطانيا لا تعترف ولن تعترف في المستقبل بإعلان الاستقلال من جانب واحد من قبل برلمان إقليم كتالونيا. وهو مبني على التصويت الذي اعتبرته المحكمة الإسبانية غير شرعي».
وأضاف مكتب رئيسة الوزراء أن بريطانيا ملتزمة «بسيادة القانون وبنود الدستور الإسباني».
فيما أعلن المتحدث الرسمي باسم الحكومة الألمانية، شتيفن زايبرت، «أنّ ألمانيا لا تعترف بإعلان برلمان إقليم كتالونيا للاستقلال عن إسبانيا من جانب واحد».
وجاء في بيان، للمتحدّث باسم الحكومة عبر حساب الرسمي على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي، أنّ «سيادة ووحدة أراضي إسبانيا لا يجوز المساس بهما، وأن إعلان الاستقلال من جانب واحد ينتهك المبادئ التي نحميها، ولذلك فإن الحكومة الاتحادية الألمانية لا تعترف بمثل هذا الإعلان للاستقلال».
وأضاف أنّ «الحكومة الألمانية تأمل أن تستخدم إسبانيا وكتالونيا الفرص من أجل الحوار وتخفيف حدّة الوضع الذي نشأ في ضوء إعلان البرلمان الكتالوني الاستقلال من جانب واحد».
وقال زايبرت: «الحكومة الفيدرالية تؤيد الموقف الواضح لرئيس الوزراء الإسباني في ضمان واستعادة النظام الدستوري، ونأمل أن تستخدم الأطراف كافة الفرص المتاحة للحوار والتخفيف من التصعيد».
من جهته، أعلن وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لو ديران، «أنّ السلطات الفرنسية لا تعترف بإعلان كتالونيا للاستقلال عن إسبانيا، وتعتزم خوض الحوار مع سلطات مدريد حصراً».
وجاء في بيان الوزير: «أنا أتابع بقلق تطوّر الوضع في كتالونيا، فرنسا تريد أن ترى إسبانيا قويّة وموحّدة، ولدينا جهة واحدة للتحاور معها وهي حكومة مدريد».
وتابع: «ولهذا السبب فإن فرنسا لا تعترف بإعلان الاستقلال من قبل برلمان كتالونيا».
في حين، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، السلطات الإسبانية وسلطات إقليم كتالونيا إلى «البحث عن حلول لقضية كتالونيا في إطار الدستور الإسباني وعبر القنوات السياسية والقانونية القائمة».
وقال المتحدّث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، للصحافيين: «نحن نحاول متابعة التطورات. والآن يحثّ الأمين العام كافة الأطراف المعنية على البحث عن حلول في إطار الدستور الإسباني وعبر القنوات السياسية والقانونية القائمة».
وأضاف المتحدّث أنّ «الأمين العام يتابع التطورات في إسبانيا عن كثب، وفي الوقت ذاته لا تزال المناقشات حول توزيع السلطة في إسبانيا شأناً داخلياً للدولة».
بدوره، أشار حلف شمال الأطلسي «الناتو» إلى أنّ «مسألة كتالونيا قضية داخلية، ويجب أن تحلّ من قبل إسبانيا».
إلا أنّ نائب وزير الخارجية الأبخازي «كان تانيا» صرّح، بأنّ «بلاده مستعدّة للنظر في مسألة الاعتراف باستقلال جمهورية كتالونيا الإسبانية في حال ورد من الحكومة الكتالونية طلب رسمي بالاعتراف، وبعد انتهاء كافة عمليات تشكيل الجمهورية كمستقلة»، مشيراً الى أنّ «الجانب الأبخازي مهتم بتعزيز العلاقات مع السياسيين الكتالونيين».
من جهة أخرى، سجلت أسهم مصارف كتالونيا هبوطاً إضافياً أمس، في بورصة مدريد بعد إعلان برلمان الإقليم الاستقلال وبلغت خسائر ثالث مصرف إسباني «كايشا بنك» نسبة 5 في المئة.
وكانت أكثر من 1600 شركة قرّرت نقل مقارها المحلية خارج كتالونيا التي تشهد منذ أسابيع تظاهرات مؤيدة للاستقلال ومعارضة له.
وليست المرة الاولى تحاول كتالونيا الانفصال عن الحكومة المركزية. لكن حكومتها لم يسبق أن وصلت إلى هذا الحدّ. ويعود آخر فصل في هذا الإطار إلى أكثر من ثمانين عاماً.
ففي 1934، وتحديداً في السادس من تشرين الأول، أعلن رئيس الحكومة الكتالونية لويس كومبانيس قيام «دولة كتالونية في إطار جمهورية إسبانيا الفيدرالية».
وسارعت الحكومة الإسبانية إلى الرّد. إذ أعلنت القيادة العسكرية في كتالونيا حال الحرب وأسفرت المواجهات عن مقتل ما بين 46 وثمانين شخصاً بحسب المؤرخين.
وفي آخر انتخابات إقليمية في 2015 حصد الانفصاليون 47.8 في المئة من الأصوات، ولا يمكن التكهن بنتائج إعلان الاستقلال ووضع كتالونيا تحت وصاية مدريد.