لعنة تفتيت يوغسلافيا تطارد الاتحاد الأوروبي

حميدي العبدالله

تعمّدت الحكومات الغربية شنّ حرب على يوغسلافيا وإثارة النعرات بين مكوناتها القومية، وتشجيع هذه المكونات على الانفصال. حدث ذلك في الوقت الذي كانت فيه الحكومات الغربية تسعى لترسيخ الاتحاد الأوروبي وتجاوز الدولة القومية، ولكنها في يوغسلافيا عملت على عكس هذا المسار لا لشيء إلا لأنّ الحكومة اليوغسلافية ترفض الهيمنة الغربية وتحديداً هيمنة الولايات المتحدة. تقسيم يوغسلافيا أرسى سابقة في أوروبا تهدّد اليوم معظم دول الاتحاد الأوروبي، لا بل امتدّ تأثير هذه السابقة إلى الولايات المتحدة بعد انتخاب دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة، حيث أعلن زعماء ولاية كاليفورنيا، وهي من أغنى الولايات الأميركية، عزمهم على الاستقلال عن الدولة الأميركية، ووعدوا بإجراء استفتاء لتحقيق هذه الغاية.

اليوم حمى الانفصال عن الدول التي تشكلت في قرون سابقة تهدّد معظم بلدان أوروبا. في إسبانيا يطالب إقليم كتالونيا بالانفصال وقد صوّتت غالبية المشاركين بالاستفتاء على الانفصال، وتبادلت حكومة مدريد التحذيرات مع حكومة الإقليم، ومن غير المستبعد أن تندلع مواجهة بين الطرفين تدفع إسبانيا نحو الفوضى السياسية، وربما الحرب الأهلية. وفي مطلق الأحوال فإنّ حالاً من اللااستقرار السياسي تضرب اليوم إسبانيا.

هذا الأسبوع أكدت نتائج استفتاء أجرته مقاطعات واقعة في شمال إيطاليا ضرورة حصول هذه المقاطعات على استقلال ذاتي واسع، وإذا لم تستجب روما لمطالب هذه المقاطعات، فإنه من غير المستبعد أن تقع مواجهة بين سكان هذه المقاطعات وحكومة روما. في بلجيكا أزمة مماثلة، وثمة أزمة بين الأقاليم المكوّنة للمملكة المتحدة، أيّ بريطانيا.

بكلّ وضوح جميع مكونات الدول في أوروبا تسعى اليوم للانفصال عن الدولة القومية التي تأسّست مع صعود الرأسمالية، وغالبية دول أوروبا مهدّدة بمصير يشبه المصير الذي حلّ بالاتحاد اليوغسلافي، الذي تشظى إلى عدة دول.

وبمعزل عما إذا كان هذا المسار، مساراً صحيحاً ويخدم مصالح شعوب أوروبا أم لا، إلا أنه في المدى المنظور يشكل حالاً من اللااستقرار السياسي ويلحق أذىً بأداء الاقتصاد، وبالتالي الازدهار الذي تحقق عبر تكوّن الاتحاد الأوروبي.

يمكن القول إنّ لعنة تفتيت يوغسلافيا تلاحق الاتحاد الأوروبي الذي لعب مع الولايات المتحدة دوراً كبيراً في تشجيع مكوّنات يوغسلافيا على الانفصال بدلاً من حلّ المشاكل المشكو منها في إطار الاتحاد اليوغسلافي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى