«بقايا الحرب»… منحوتة إبداعيّة تفضح جرائم الإرهابيين
شذى حمّود
بطريقة فنية مبتكرة تكشف حجم الدمار والخراب اللذين خلفتهما الحرب الإرهابية على سورية، أبدع الفنان العالمي مصطفى علي منحوتة فريدة في شكلها ومكوّناتها، حيث استخدم فيها المخلّفات الناجمة عن قصف الإرهابيين منازل السوريين، ليكون عمله الجديد «بقايا الحرب» اسماً على مسمّى، وشاهداً على قسوة الحرب وفظاعتها.
ولخّص الفنان علي فكرة منحوتته الجديدة التي نفّذها في رحاب قلعة دمشق بالقول: هي عبارة عن منحوتة بارتفاع تسعة أمتار وسبع طبقات تدلّ على نحو سبع سنوات من الحرب، سلّطت من خلالها الضوء على الآثار السلبية التي حلّت على الإنسان السوري من جرّاء الحرب الظالمة وآثارها السلبية من دمار وخراب ومآسٍ.
استخدم علي في عمله النحتي بقايا الأشياء التي يستعملها الإنسان في حياته اليومية مثل الأدوات الكهربائية والأواني المنزلية وكل شيء مصنوع من الحديد، هذه الأشياء خلّفتها قذائف الحقد على الشعب السوري، مستبعداً أدوات الحرب المباشرة مع تحويل الشكل الهندسي لهذه المكونات في عمل استغرق نحو شهرين.
وأوضح الفنان العالمي مصطفى علي أن فكرة جمع هذا الكمّ الهائل من الخراب ممّا يستخدمه الإنسان عادة، تقوم على تحويله على شكل هديّة تحتوي على شيء من الحزن والقساوة، لكي تبقى في ذاكرتنا ولا يتكرّر هذا الحدث الجسيم والمروّع الذي مررنا به.
ويقول علي إن هناك نحاتين عالميين اشتغلوا بهذه الطريقة، إلا أنّ لكلّ فنان طريقته الخاصة به حيث يقول: قدّمت عملي بطريقتي ليغدو واجهة عرض تضع عليها عادة الفازات وأغراض الاستخدام اليومي، وتعمدت أن أترك عليها آثار الحرب وبقاياها لكي يراها الجميع. لافتاً إلى أنّ العمل سيتم وضعه في مكان أو ساحة أو حديقة عامة لكي يستطيع الناس رؤيته بشكل يومي، وليتذكروا من خلاله أن ما تحويه رفوف الواجهة من أشياء كانت في بيتهم قبل الدمار والخراب الذي خلّفته الحرب على سورية.
وعن فكرة التعليب والصندقة التي يحويها العمل يقول علي: تدلّ هذه الفكرة على الحسرة والألم الذي هو داخل كل إنسان سوري. وفي الوقت نفسه هناك في العمل منافذ للخروج من هذا التعليب، في إشارة إلى أن قوة الإنسان وصموده يمكّنانه من الخروج من ألمه رغم كلّ الإطارات التي تحاصر المكان. كما استخدمت ألوان الأحمر والبنفسجي والأزرق في إشارة إلى السماء والربيع والحبّ والأرض دليلاً على تنوّع أرضنا وغناها وغنى شعبنا وحضارته وثقافته وانتماءاته.
وينوّه علي بأهمية دور الفنّ في تسليط الضوء على الحرب، معتبراً أن من واجب كلّ فنّان سوري تجاه بلده أن تعكس تجربته النتائج السلبية التي خلّفتها الحرب من دمار وخراب.
ورأى الفنان والدكتور طلال معلا أن الحرب مصدر مآسٍ للإنسان ولكن الفنان يستطيع تحويلها كأثر تعتبر منه الأجيال. لافتاً إلى أن فكرة النحات علي قائمة على تقديم صورة عبر ضغط المعادن ليبين للناس أن هذه المواد الصلبة تأثرت من جرّاء الحرب، فكيف بالإنسان الذي هو الأكثر هشاشة خلال الحروب لرغم أنه محورها.
ويوضح معلا أن طريقة ضغط المعادن موجودة في الفن العالمي واستخدمها سابقاً الفنان العالمي سيزار الذي قام بضغط اليات الحرب كدبابات وسيارات وحولها إلى مكعبات من دون أن يعني ذلك بحسب معلا أن هناك توارداً في خواطر أو محاولة إعادة صوغ لدى منحوتة علي لأنّ لكلّ حرب نموذجها.
ويعتبر معلا أنّ الأعمال الكبيرة والنصبية هي التي تترك أثراً في المجتمع وأهمية النحت تتعزّز بقدرته على صوغ الفراغ في المدن، لأنه فنّ مديني بالأساس ومن الضروري أن تتوفر علاقة بين البناء وبين شكل المدينة وبين المنحوتة والشكل النصبي الذي يوضع في مكان معيّن. مؤكداً أن عمل علي الجديد يعتبر من الأشكال النصبية في ارتفاعه واحتوائه على أكثر من طبقة تعرض ذكريات مناطق استهدفها الإرهاب في سورية.
ويقول معلا: غالبية النحاتين يدرسون المكان الذي سيوضع فيه عملهم قبل إنجازهم المنحوتة، ولكن الفنان علي مصطفى خاض المغامرة وأنهى عمله النحتي قبل أن يتم اختيار المكان إضافة إلى تميزه عمله بألوان تشير إلى تنوع سورية وإنسانها كما جعل بنيان المكعبات عمودياً ليدلّ على المواجهة والصمود.
ويجد معلا في الفنّ وسيلة لكشف العدوان على سورية والعنف ضدّ الإنسان السوري ويقول: كانت عجلة الفن التشكيلي متوقفة واليوم نستطيع القول إن هناك انفراجاً في توجّه الفنانين إلى إنتاج أعمال لها علاقة بالحرب، رغم أن ردّ الفعل الفني أو الابداعي أو الأدبي إزاء الحروب يحتاج عادة إلى زمن لكي تظهر. ولكن المبدعين في سورية قدّموا من رحم الحرب نتاجات كثيرة في الفن والأدب والسينما.
ويرافق المنحوتة بعض الأشياء المرافقة مثل دراجة طفل ومكيف وغسالة وستعرض قريباً في مكان عام بدمشق.
يشار إلى أن الفنان مصطفى علي من مواليد اللاذقية عام 1956، تخرّج في قسم النحت في كلّية الفنون الجميلة في دمشق عام 1979 ودرس بعدها في أكاديمية الفنون الجميلة في إيطاليا عام 1996. أعماله مقتناة في متاحف سورية وعربية. أقام معارض فردية عدّة في دمشق وبيروت والأردن ودبي وفرنسا، وشارك في عدد من الملتقيات منها الملتقى العالمي للنحت في الهواء الطلق في ألمانيا عام 1987، والملتقى العالمي الأول للنحت في لبنان عام 1994.
حاز على عددٍ من الجوائز منها الجائزة البرونزية في بينالي الشارقة عام 1992، والجائزة الذهبية في بينالي اللاذقية عام 1997، وجائزة معهد العالم العربي في باريس عن منحوتة ضخمة تصل مساحتها الأفقية إلى 36 متراً مربعاً عام 2008، وحصل على المرتبة السابعة عشرة ضمن لائحة تضمّ 100 شخصية عربية نشرتها النسخة العربية من «آرابيان بزنس» لعام 2007.
«سانا»