الحريري.. لمّا يستوفِ بعد
هتاف دهام
تنشغل الأوساط السياسية اللبنانية برصد نتائج زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى الرياض ومعرفة ليس ما دار بين الشيخ سعد وولي العهد السعودي وزير الدفاع محمد بن سلمان، وما دار بينه وبين وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان ، إنما لمعرفة أثر هذه اللقاءات على سياسة الحريري اللبنانية، بعيداً عن الـ selfie والتغريدات.
فليس سراً، بحسب مصدر بارز في 8 آذار لـ «البناء» أنّ المملكة تحاول توحيد صفوف 14 آذار لاتخاذ مواقف أكثر تشدّداً تجاه (حزب الله)، وليس سراً أيضاً أنها تعتمد سياسة تصعيدية تجاه (حزب الله) والجمهورية الإسلامية على الساحتين المحلية اللبنانية والإقليمية. وبرز ذلك واضحاً وجلياً في تغريدات السبهان الذي أكد أنّ «لبنان بات تحت احتلال «الميليشيا الشيطانية» حزب الله ويجب جعله عبرة للآخرين لما يشكله التنظيم المرتبط بإيران من خطر على المنطقة بأسرها». وكتب السبهان في تغريدة نشرها على موقع «تويتر» «ليس غريباً أن يعلن ويشارك حزب «الميليشيا الإرهابي» حزب الله حربه على المملكة بتوجيهات من أرباب الإرهاب العالمي، ولكن الغريب صمت الحكومة والشعب في ذلك». علماً أنّ حزب الله كان قد سبق تغريدة السبهان الأخيرة، بشنّ هجوم عنيف على المملكة قائلاً على لسان النائب نواف الموسوي: «الجديد في الحملات السعودية على حزب الله، أنّها باتت تنطلق مما أسماه نائب الوفاء للمقاومة «أفواه النظام السعودي» مباشرة، بعدما كانت تصدر من «أفواه الحلفاء أو الأصدقاء» في لبنان، علماً أنّ السعودي لا يحالف أحداً، بل يشتري الناس بأمواله».
لكن هل سيستجيب الحريري؟ وما هي حدود استجابته؟ وهل ثمة مقدرة لديه على معارضة القرار السعودي؟ لا سيما أنّ التسوية الرئاسية الحكومية جاءت ثمرة تنسيق سعودي إيراني عبّر عنه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف من دافوس في كانون الثاني الماضي عندما «دعا السعودية للتعاون في الحوار من أجل سورية والعراق واليمن، كما حصل في لبنان وبات ينعم بالهدوء بانتخاب رئيس».
للتذكير أنّ جوهر السياسة الحريرية التي اعتمدها رئيس الحكومة منذ تحوّله للموافقة على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً وموافقته على قانون انتخاب جديد على أساس النظام النسبي لا يلبّي مصالحه بالطريقة المناسبة، إنما قامت كلها على معادلة جوهرية هي أنّ رئيس تيار المستقبل يقدّم تنازلات في الرئاسة وقانون الانتخاب وملفات أخرى، مقابل أن يعود رئيساً للحكومة للاستفادة من عوائد الرئاسة الثالثة السياسية والاقتصادية. ولهذا فإنّ الحريري دفع الأثمان التي كانت متوجّبة عليه، لكنه لم يقبض لغاية الآن ثمنها الفعلي إلا في العودة إلى رئاسة الحكومة التي لم تجد طريقها بعد بالمكتسبات الداخلية في ما يتصل بترميم «الشعبية الزرقاء» المنهارة وتقوية النفوذ السياسي والاستفادة الاقتصادية من الملفات الكبرى المتنوّعة.
من هذه الزاوية، هل يعود منطق دفع الحريري للتخلّي عن الحكومة، والدخول في حالة مواجهة مع حزب الله؟ وما هي النتائج التي من المفترض أن يستثمرها الحريري في مقابل ما دفعه؟
إنّ فرط الحكومة أو استقالتها يشكلان بالدرجة الأولى عقاباً للحريري، وربما ضربة قاضية له، وليس لحزب الله، لا سيما أنّ الانتخابات على الأبواب، ونتائجها كما يعرف القاصي والداني، ستخفض من عدد نوابه، وأنّ تقويم الاصطفافات الداخلية وإدخال البلد في حالة تشنّج سياسي ليس في مصلحة الحريري وخطه السياسي. وعليه يؤكد المصدر نفسه أنّ المسألة عند الحريري ليست مسألة إملاءات، بقدر ما هي مسألة مصالح تياره السياسي التي ستبدو مهدّدة في حال استجاب لما تريده الرياض.