سقط مسعود فما هو المطلوب؟
مصطفى حكمت العراقي
بدأت التداعيات الوخيمة التي لم يكترث لها البرزاني حينما تمّ تحذيره بحصولها إذا ما أقدم على إجراء استفتاء الانفصال بالظهور جلياً، فالرئيس المنتهية ولايته لإقليم شمال العراق تمّ إجباره على الاستقالة ولم يتنحّ طوعاً كما يصوّر البعض. ما حصل مؤخراً من إعلان مسعود ترك رئاسة كردستان خلال أيام لأنّ برلمان كردستان حزم أمره لإقالة الرجل بعد أن أوصل كردستان للهاوية وخسر كلّ المكتسبات التي تحققت للأكراد بعد 2003، فخسروا أراضي مهمة وآبار نفطية ومنافذ حدودية ومطارات والعديد من مصادر الدخل التي كانت بيدهم، ولا يمكن لأحد الاطلاع عليها او معرفتها، إضافة للضربة السياسية التي تلقاها بفرط الحلف الاستراتيجي مع الاتحاد الوطني بعد اتفاق الأخير مع الحكومة الاتحادية وتسليمه لمعظم المناطق المتنازع عليها وفي مقدّمتها كركوك إضافة لذلك، كما انّ الرجل ومن مصادر مقرّبة منه كان يرفض الكلام أصلاً عن ترك السلطة وكان يرى في نفسه رئيس دولة كردستان المقبلة، ولكن الرياح جاءت بما لا تشتهيه سفن البرزاني، فالنهاية الحتمية كانت سقوطه، وان يدّعي البعض انّ ما حصل مناورة، لأنّ من السذاجة الاعتقاد بأنّ مشروعاً تقسيمياً دعمته وتدعمه الى الآن واشنطن وتل ابيب والرياض ومن معهم من توابع داخلية وإقليمية ودولية سيسقط بسهولة، وانّ الخطوات التدميرية التي يروم تنفيذها أصحاب هذا المشروع ستأتي عاجلاً ام آجلاً، رغم انّ العديد من المختصّين والمتابعين للشأن الكردي يرون انّ الصراع الكردي لتحقيق دولتهم قد تراجع للوراء عشرات الأميال بفضل عنجهية البرزاني وتعنّته لتحقيق حلم عائلي لا جلب ايّ نفع يُذكر للإقليم …
عوامل عديدة أدّت لفشل المشروع أهمّها انّ البرزاني لم يلتفت جيداً انّ العراق المنتصر على الإرهاب قد تغيّر فلم يعد البلد هو ذلك البلد الضعي ولم يَعُد ذلك البَلد الضّعيف الذي ينخره الفساد من كلّ صوب ويتمدّد الإرهاب فيه أينما يشاء… كما انّ عاملاً أساسياً لقوة العراق قد تعزز فالقوات العراقية أصبحت أقوى من الماضي بكثير إضافة لوجود الحشد الشعبي الذي ينتمي لمحور إقليمي ينتصر ويفرض خياراته في كلّ المنطقة من طهران الى بيروت وهذا المحور الذي حطم كلّ الخطوط الحمر والمشاريع الأميركية لم ولن يسمح لمشروع جديد يؤدّي لنشوء حرب جديدة تنزع الانتصار وتشغل شعوب المنطقة بدماء جديدة وتكسب أصحاب المشروع وقتاً جديداً للمناورة.
الداعم الأول والمحفّز الرئيسي للمشروع وهنا أقصد الإدارة الأميركية رضخت للواقع وتخلت عن مسعود ورحبت بالجيل الجديد لقيادة كردستان من عائلة البرزاني، فرحبت الخارجية الأميركية في بيان بقرار مسعود البرزاني التنحي عن منصبه، وقالت الوزارة في بيانها: «إننا ندعو الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان بإدارته الجديدة إلى العمل بنحو عاجل على تسوية القضايا العالقة في إطار الدستور العراقي»، واصفة البرزاني بـ«الشخصية التاريخية والقائد الشجاع وقرار تنحّيه تصرّف رجل دولة في فترة صعبة».
لـ»تشرعن» بذلك الميراث العائلي في الحكم وتؤكد مرة أخرى أنها ماهرة في التخلي عن الحلفاء والأتباع واتخاذهم أوراقاً محروقة تستبدلهم في أقرب لحظة ممكنة رغم الخدمات الجليلة التي يقدّمها الأتباع لها والحديث بالخصوص عن البرزاني الذي سار في كلّ مشاريع واشنطن وتأمر على العراق بعد انتكاسة حزيران 2014 ودخول داعش والوثائق التي ظهرت في الإعلام وكشفت عن توجيهات أصدرها البرزاني لجنود البيشمركة بعدم قتال داعش لأنها جاءت لإسقاط بغداد ولا تنوي دخول أربيل بحسب نصّ كلام البرزاني الذي اعتبر انّ الوقوف مع تل ابيب وواشنطن وتنفيذ مطالبهما أقرب اليه وأنفع وأضمن من الجلوس مع بغداد، ليرث تعاون والده مصطفى البرزاني معهما حتى وصل الأمر لوصف نظرائه في الاتحاد الوطني الكردستاني بالخونة لتعاونهم مع بغداد ورفضهم الدخول في صدام مسلح مع القوات الاتحادية، رغم انّ الواقع يقول إنهم اتّسموا بالحكمة والعقلانية وجنّبوا الأكراد خصوصاً والعراق والمنطقة حرباً كانت ستكون أشدّ تدميراً من الحرب على الإرهاب، فالمتقاتلون فيها مكونات أصيلة في المجتمع وليسوا مرتزقة كما كان الحال مع داعش وأخواتها ..
خلاصة القول انّ البرزاني بانسحابه من المشهد ورغم التلميحات بقيادته مجلس أعلى لكردستان يسمح له بالسيطرة على ملفات التفاوض، فإنّ الرجل قارب على الانتهاء وانّ سقوطه حتمي فلم يبق له صديق أو حليف داخلي أو خارجي أو إقليمي، كما انّ سعيه لتقديم ابن أخيه نيجرفان بديلاً له يسيطر على معظم صلاحياته وهو ما يبشر بصراع عائلي داخلي بين أبناء مسعود وبين باقي أقطاب العائلة لتوزيع السلطة في ما بينهم.
في المقابل فإنّ بغداد تستمرّ بخطواتها التصعيدية لتجفيف منابع الأموال والنفط عن حكومة البرزاني وحزبه، فالتراجع ولو بخطوة واحدة عن هذه الإجراءات سيسمح للرجل بالعودة أقوى من قبل، كما انّ التحرك سريعاً للسيطرة على الفوضى العارمة في كردستان ضروري فترك الأمور بيد أبناء وأحفاد البرزاني وهم يحركون الشارع كما يشاؤون قد يعجّل بفوضى عارمة في الإقليم يصعب السيطرة عليها مستقبلاً، فاستقرار كردستان أساسي لاستقرار العراق وبرحيل البرزاني ستكون كردستان عمقاً استراتيجياً للعراق ليست كما كانت مع مسعود…