في إعادة الإعمار

الفعل المعماري بين المقاومة والمقاولة

تتصاعد وتيرة الأسئلة مع تصاعد أعراض ونذر حمّى وافدة العمران والاندفاعة المتصاعدة، تزاحماً وتدافعاً وتجمهراً بانتظار القفز إلى قطار الإعمار قبل أن يفرغ حمولته من جثامين أبطال ينتظرهم ذووهم، ومثاويهم المتواضعة المتناثرة في أعالي وسفوح الجبال ، وإنّ من طبائع جمهور كهذا تسلّق السلالم والظهور، وحبّ الظهور. إذ يحتدم التسابق والتنافس المحموم القائم لتقاسم الغنائم المعمارية ما يحوّل الوطن مجرّد تَرِكة، أو كعكة، ووليمةً بين الولائم، ومجرّد حصص ومغانم ينتظرها المتربّصون ومنتهزو الفرص كما تشي الروايات والقصص .

وهنا يبرز سؤالٌ مشروع لدى مقاربة أي مشروع ، حول جدّية، وجدوى الدراسات التخطيطية، والعائدية، وتوافر الرؤى الاستراتيجية، وحول ماهية وصدقية وشفافية الآلية المتّبعة، وأهلية من يديرها، والأهمّ، حول ما إذا كان بالفعل قد تمّ النظر في توافر المطلوب من معايير الكفاءة والجدارة، العلمية والعملية، الفنية، والمهنية، والوطنية الموقف الوطني المعلن، وليس حيازة الجنسية، والعلاقة الجغرافية ويا للغصّة إذا ما كان جواب الأسئلة أعلاه كما نخشاه، فتتحوّل ملاحم حماة الدّيار إلى مجرّد استثمار، واتّجارٍ بالعقار والمقاسم، ويضيع الفارق بين سيولة الدمّ، دم الرّجال، وسيولة المال، وبين فاتورة الدمّ وفاتورة المطاعم، فيما وجب على من يطمح ويتنطّح للإعمار، أن يقتدي بأولئك القدّيسين والأبطال الذين ليس كمثلهم أبطال ولو كان ذلك من المحال ، لا «بالمعفّشين» و«المشلّحين» و«المشبّحين» ونابشي القبور، إذ لا يستوي أن تهوي قاماتٌ شاهقات من فرائد الرّجال، وتدفن في التراب لتعلو ناطحات سحاب وشاهقاتٌ تفتقر للأساسيات في هذا المجال يا للفعل الآثم إذّاك، ويا للأوزار، فيما يفترض بالإعمار أن يكون فعلاً أخلاقياً خلّاقاً، وفعل اختراقٍ لا اختلاقاً، وفعل تجذّرٍ وانتماء، وفعلاً تقدمياً بنّاء لا سوء فهم للحداثة، ولا نسخاً ومسخاً لها استلاباً واغتراباً، وفعل مقاومةٍ لا فعل مقاولة، والفارق شتّان بين المقاول والمقاوم

وعليه، الأحرى بنا أيها السادة الأكارم، النظر بطريقة مقاربة هذا الملفّ المتراكم والمتفاقم، فلا تمرّ من تحت طاولةٍ، وفي جنحٍ ظلامٍ، وغفلة زمن، وغمرة فوضى وانشغالٍ عارم مبانٍ تلامس بالمعنى العمراني حدّ الجرائم أسئلةٌ أخرى حرّى وحيرى تنتظر الجواب، وللبلاد، لا شكّ، حماتها، ولها وللعاصمة من عاصم، عازمٌ، حازمٌ، حاسمٌ جازم وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم التاريخ يرنو والمستقبل القادم، لتصحيح مسار السكّة، وتقويم ما ليس بقائم، فتدور العجلة كما يجب أن تدور، بعيداً عن العجلة والارتجال، وتعود إلى نصابها الأمور، وإلاّ صحّ فينا القول المأثور: «وليس بعامرٍ بنيان قومٍ إذا أخلاقهم صارت خراباً»

سنان حسن

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى