«أفد» يختتم مؤتمره السنوي العاشر: لدمج الإدارة البيئية في صياغة السياسات الحكومية
اختُتِم أمس المنتدى العربي للبيئة والتنمية أفد مؤتمره السنوي العاشر عن «البيئة العربية في 10 سنين»، الذي عقد على مدى يومين في فندق «بريستول»، وشارك فيه نحو 400 مندوب من 46 بلداً يمثلون الهيئات الحكومية والقطاع الخاص والمنظمات الإقليمية والدولية ومراكز الأبحاث والمؤسسات الأكاديمية والمجتمع المدني.
وأعلن الأمين العام للمنتدى نجيب صعب توصيات المؤتمر، ومنها «دمج الإدارة السليمة للموارد الطبيعية والبيئية بشكل أكثر شمولاً في عمليات صنع القرارات الحكومية، ودعم مطالبة الجمهور، التي أظهرها استطلاع «أفد» للرأي العام العربي، باتخاذ إجراءات حكومية أقوى وأسرع لحماية البيئة وإدارة الموارد الطبيعية على نحو مستدام، وذلك يتطلب خطوات فورية لترجمة البيانات والاستراتيجيات إلى إجراءات فعلية».
وأوصى المؤتمر بمجموعة من التدابير «لمواجهة التحديات التي تنتظر البلدان العربية». ودعا إلى «تطوير الإطار المؤسّساتي الحالي لجامعة الدول العربية للمساهمة الفاعلة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة الواردة في أجندة 2030، وتعزيز التنسيق بين الدول العربية للعمل كمجموعة إقليمية قوية قادرة على المساهمة بشكل إيجابي في المساعي الدولية، مع إعطاء الأولوية للاستثمار في التعليم والابتكار والبحث والتطوير». وأكد «ضرورة دمج الإدارة البيئية في صياغة السياسات الحكومية وتنفيذها ووضع الموازنات وتقييمها، وتعزيز الاستهلاك والإنتاج المستدامين، وخلق الحوافز والظروف التي تشجع استثمارات القطاع الخاص في الاقتصاد الأخضر والمشاريع المستدامة».
وركز على «ضرورة تبني إطار تشاركي ولامركزي للحكومة في قطاع المياه، وإعطاء أولوية للأمن الغذائي من خلال اعتماد ممارسات زراعية مستدامة تعزز الكفاءة والإنتاجية والتقليل من الخسائر الغذائية في جميع المراحل».
ودعا إلى «متابعة الاتجاه الراهن في التحول إلى مصادر مستدامة للطاقة، وتحسين جودة الهواء من خلال نشر مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة لتوليد الكهرباء، والاستثمار في وسائل النقل العام وتسريع التحول إلى السيارات الهجينة والكهربائية». وشدد على أهمية «التزام التعاون الإقليمي العربي، بحيث يوازن فائض أحد البلدان عجز بلد آخر في الموارد المائية وإنتاج الأغذية والطاقة والبحوث ورأس المال البشري، مع اعتماد الحكومات نهجا تعاونيا لإدارة المياه المشتركة، ووضع تدابير إقليمية للتكيف مع تغير المناخ وبناء شبكة نقل إقليمية».
ودعا المؤتمر إلى إعادة إرساء السلام والأمن في البلدان العربية المتضررة من الصراعات والحروب كعامل حاسم لاستعادة الظروف المؤاتية للتنمية المستدامة.
الصراف
في بداية اليوم الثاني لمؤتمر «أفد»، تليت كلمة أرسلها وزير الدفاع اللبناني يعقوب الصراف إلى المؤتمر، وهو كان وزيراً للبيئة عند تأسيس «أفد» عام 2006، حين ألقى الكلمة الافتتاحية. ونوه الصراف بتقارير «أفد» الهادفة إلى تحسين نوعية حياة العرب وضمان حقهم في بيئة أفضل. واعتبر أن «عدوى أفد الإيجابية يجب أن تتفشى في أنحاء المنطقة العربية لكي تحشد الحكومات والشعوب معاً بهدف العمل على بعث طائر الفينيق العربي من رماد الصدمات والإخفاقات والكوارث والمآسي البيئية، بحيث لا تواجه الأجيال القادمة ربيعا صامتا جديدا أو مواطنين صامتين».
وكانت مداخلة للدكتور أحمد محمد الأنصاري، نائب رئيس الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة في السعودية، الذي عرض خطة السعودية الجديدة للتنمية المستدامة والتطورات التي تشهدها المملكة من خلال «رؤية 2030» وبرنامج التحول الوطني وتنويع الاقتصاد، بما في ذلك تحسين برامج الرقابة الذاتية وكفاءة الطاقة والتحكم بمصادر التلوث واعتماد برنامج طموح للطاقة الأنظف وكفاءة الطاقة، مع تطوير البحوث العلمية وبناء المدن الذكية. وأشار إلى أنّ «السياسات السعودية استفادت كثيراً من التوصيات تقارير المنتدى العربي للبيئة والتنمية، وقد كانت للمنتدى مساهمة ملحوظة في الإجراءات التي اعتمدتها السعودية».
الحوكمة والسياسات البيئية
وتمت مناقشة الحوكمة والسياسات البيئية في جلسة أدارها الدكتور إبراهيم عبدالجليل، الأستاذ في جامعة الخليج العربي والمؤلف المشارك لتقرير «أفد». وشارك في الجلسة الدكتور نديم فرج الله مدير برنامج البيئة في معهد عصام فارس للسياسة العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت، والدكتورة جيهان محمد السقا وكيلة العلاقات الدولية والتعاون في وزارة البيئة المصرية، والدكتور علي الطخيس المدير العام لمكتب خبراء المياه للدراسات والاستشارات المائية والرئيس السابق للجنة البيئة والمياه والأشغال في مجلس الشورى السعودي.
ولاحظ المتحدثون أنّ المؤسسات البيئية تعززت بوجه عام في البلدان العربية، ما أسفر عن بعض التحسينات في الإدارة البيئية. وبرز التحول الرئيسي في السياسة العامة من خلال الإصلاحات الأخيرة في أسعار الطاقة والمياه وإصلاح سياسات الدعم واعتماد سياسات للطاقة المستدامة.
ودعا تقرير «أفد» إلى «استبدال الدعم العشوائي الشامل لأسعار السلع والخدمات، مثل الماء والمحروقات والكهرباء، بدعم موجه إلى الشرائح المحرومة في المجتمع. وينبغي أن تلبي سياسات التسعير الحاجات البشرية الأساسية، وأن تعزز كفاءة الموارد، وتسترد كلفة تقديم الخدمات من غير أن يؤثر ذلك على الفقراء».
مستقبل الغذاء والماء
وتناولت الجلسة التالية الأمن الغذائي والمائي في المنطقة العربية. أدارها الدكتور عبدالكريم صادق، كبير الاقتصاديين في الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية الزراعية والمستشار العلمي لتقرير «أفد». وشارك فيها الدكتور إبراهيم آدم أحمد الدخيري الأمين العام للمنظمة العربية للتنمية الزراعية، والدكتور موريس سعادة الممثل الإقليمي لمنظمة الأغذية والزراعة فاو ، والدكتور محمود الدويري وزير الزراعة السابق وأستاذ الزراعة في الجامعة الأردنية، والدكتور حمو العمراني كبير اختصاصيي محور المياه والأمن الغذائي في جامعة الدول العربية.
واتفق المشاركون على أن ندرة المياه تتفاقم في المنطقة العربية، حيث انخفض نصيب الفرد من المياه العذبة خلال السنين العشر الماضية من نحو 990 مترا مكعبا سنويا إلى أقل من 500 – 800 متر مكعب. وفي حين تعالج نسبة 60 في المئة من مياه الصرف الصحي، يرمى أكثر من نصف المياه المعالجة في البحر ولا يعاد استخدامها. ولكن تم إصلاح سياسات دعم المياه في العديد من البلدان، وهي خطوة من المتوقع أن تعزز كفاءة استخدام المياه واسترداد التكاليف.
وأشار تقرير «أفد» إلى أنّ «المنطقة العربية تشكل أكبر منطقة عجز غذائي في العالم، حيث سجلت الفجوة الغذائية العربية الإجمالية زيادة كبيرة من 18 بليون دولار عام 2005 إلى 34 بليون دولار عام 2014». ودعا إلى تخفيف الهدر وتحسين الإنتاجية وزيادة الموازنات المخصصة للأبحاث الزراعية، مشددا على أهمية التعاون الإقليمي.
الطاقة المتجددة وتغير المناخ
السياسات العربية المعتمدة حديثاً بشأن تعزيز الطاقة المتجددة ومواجهة تغير المناخ، كانت موضوع جلسة أدارها الدكتور إبراهيم عبدالجليل، وتحدثت فيها كريستين لينس الأمينة التنفيذية للشبكة العالمية للطاقة المتجددة، والدكتور فريد شعبان رئيس جامعة العزم في طرابلس والمؤلف المشارك لتقرير «أفد»، وراضية سيداوي رئيسة قسم الطاقة في «الإسكوا».
وأشار المتحدثون إلى أنّ مساهمة الطاقة المتجدّدة في مزيج الطاقة لا تزال هامشية في حدود 3.5 في المئة، ولكن يتوقع أن تتضاعف حتى سنة 2020. وقد أعلنت 12 دولة عربية عن أهداف للطاقة المتجددة تتجاوز 20 في المئة، بينها السعودية والمغرب والإمارات والأردن والجزائر ومصر وتونس.
وأكدوا تطور مشاركة البلدان العربية في المساعي الدولية لمواجهة تغير المناخ، والتي بلغت ذروتها في اتفاق باريس الذي وقعته جميع الدول العربية باستثناء سورية، وصادقت عليه 14 دولة.
المجتمع المدني والبيئة
«مساهمة المجتمع المدني العربي في البيئة خلال 10 سنوات» كانت موضوع جلسة أدارها الدكتور عماد عدلي، منسق الشبكة العربية للبيئة والتنمية. وشارك فيها رزان زعيتر من العربية لحماية الطبيعة في الأردن، وجنان بهزاد الأمين العام لجمعية حماية البيئة الكويتية، وعبد الحي الرايس رئيس المنتدى المغربي للمبادرات البيئية، وسوسن بو فخرالدين المديرة العامة لجمعية الثروة الحرجية والتنمية في لبنان، وهنادى السادات الأمين العام للجمعية السورية لحماية الحياة البرية.
واجتمع 60 طالباً من 14 جامعة عربية أعضاء في «أفد» في جلسة نقاشية حول آفاق المستقبل عقدها «منتدى قادة المستقبل البيئيين» الذي يرعاه «أفد».
وأدار الأمين العام لـ»أفد» نجيب صعب نقاشاً عاماً مع ممثلي القطاعات المختلفة، تلاه إعلان توصيات المؤتمر التي ستعمم على الحكومات والهيئات العربية والدولية.