الشاعر والمقاوم كمال خير بك… قدموس الشعر

محمد خالد الخضر

«قُتل اليوم في بيروت، الإرهابيّ كمال خير بك، الملقّب بأبي زياد. ولكمال خير بك علاقة مع عدد من الإرهابيين الدوليّين، وترأّس لفترة طويلة تنظيماً يضمّ كارلوس وعدداً من المخرّبين. ويُعتبَر كمال خير بك أبرز المعاونين للإرهابيّ وديع حدّاد»… هذا ما أذاعه العدوّ الصهيونيّ بُعيد اغتياله الشاعر المقاوِم كمال خير بك عام 1980 في بيروت.

تختزل مسيرة الشهيد الشاعر كمال خير بك منذ ولادته عام 1935 وحتى اغتياله في لبنان بتدبير من الموساد الصهيوني، فصولاً من الإبداع الأدبي في الشعر العربيّ الحديث، ومواقف وطنية وقومية في مواجهة الاحتلال «الإسرائيلي» وأدواته في المنطقة.

كمال خير بك الذي تمرّ الذكرى السابعة والثلاثون لاستشهاده هذه الأيام، كان الابن الثالث من بين تسعة أبناء لأبٍ عمل دركياً يتنقّل بين المحافظات السورية، وتعلّم حروفه الأولى في مدارس اللاذقية، ونال الشهادة الثانوية فيها لتبرز موهبته في الشعر منذ بداية شبابه المبكرة، إلى جانب امتلاكه بوادر الشخصية القيادية.

بدأ كمال خير بك نظم الشعر وهو في الخامسة عشرة من عمره، حتى أنه عارض الشاعر الكبير بدويّ الجبل في قصيدته الشهيرة «خالقة»، عبر قصيدة نظمها مستخدماً القافية نفسها والوزن ذاته، إنما برؤية مختلفة كلّياً عن رؤية بدويّ الجبل.

انتقل الشاعر إلى الكورة في شمال لبنان مطلع عام 1952 وعاش فيها وتزوج هناك فتاة لبنانية اسمها نجاة نجار، وانتمى إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي وحمل اسماً حركياً هو «قدموس»، وظلّ يحمله معه إلى آخر حياته.

وفي عام 1960 أصدر كمال خير بك ديوانه الأوّل «البركان» في مدينة بيروت، متضمّناً قصائد قومية مقفّاة الوزن. ولم يكن مشروعه الشعري الحداثوي قد تبلور بعد حتى صدر ديوانه الثاني تحت عنوان «مظاهرات صاخبة للجنون» عام 1965 بتوقيع مستعار «كمال محمد»، وكان نقلةً في مساره الشعريّ لأنه استخدم شعر التفعيلة بدل العمودي في غالبية القصائد.

انقطع كمال خير بك عن النشر بدءاً من عام 1965 وحتى استشهاده رغم أنه كان مستمرّاً بالكتابة الشعرية على قصاصات علب التبغ احتفظ بها أصدقاؤه غسان مطر وبدر الحاج ومخول قاصوف لينشروها لاحقاً في ثلاث مجموعات شعرية هي «دفتر الغياب»، «وداعاً أيها الشعر»، وكان آخرها «الأنهار لا تعرف السباحة في البحر».

انتسب كمال إلى جامعة السوربون في باريس ليعدّ أطروحته الشهيرة حول «حركة الحداثة في الشعر العربي المعاصر… دراسة حول الإطار الاجتماعي الثقافي للاتجاهات والبنى الأدبية»، بإشراف المستشرق الفرنسي جاك بيرك. ثمّ قدّمها إلى جامعة جنيف عام 1972 ونال عليها شهادة الدكتوراه بدرجة الشرف.

عن الراحل وقيمته الأدبية قالت الشاعرة عدنة خير بك في تصريح إلى «سانا الثقافية»: كان كمال خير بك يلقّب بالشاعر المنسيّ، فهو ولد في اخضرار جبلنا وغرّد قلمه على قيثارة بلدنا وفي صدى أشعاره وإحساسه الصادق أسّس مدرسته الخاصة في الشعر. فكان يريد إعادة مجد قدموس الغابر في الحضارة السورية.

وأضافت: ظلّ كمال خير بك شاعراً ثائراً بأسلوب متميّز. وقيل عن قصيدته إنّها ازدياد لنفوذ المضمون على حساب الكيفية. ونتاجه الإبداعي لا يتوقف على الشعر، بل إن أطروحته للدكتوراه بعنوان «حركة الحداثة في الشعر العربي المعاصر» تُعتبَر مرجعاً لدارسي الشعر الحديث، ونشرتها مجلة «شعر بيروت» مستعيدة ما كتبه كمال خير بك على قصاصة ورق في منزل أحد أصدقائه من أبيات منحها لزوجته خزامى قاصوص قال فيها:

«يا سيف اليقظة ها عنقي

في حدّ دائي ودوائي

اضرب لا ترحم ذاكرتي

وتجاهل غصّة أشيائي

الحلم محيط مفترس

وجراحك مدخل مينائي».

كاتب وإعلاميّ سوريّ

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى