السلطان يبحث عن «هاتاي جديدة» والتاريخ لا يعيد نفسه بالضرورة…!

محمد ح. الحاج

بعد اتفاقية التاسع من أيلول عام 1936 بين فرنسا وسورية، والتي نصت على استقلال سورية وحقها في دخول عصبة الأمم، بدأت اللعبة التركية بالاعتراض على بقاء لواء الاسكندرون ضمن الدولة السورية، وفي الثامن من كانون الأول عام 1936 تقدمت تركيا بمذكرة إلى عصبة الأمم تطلب فيها النظر بالخلاف بين تركيا وفرنسا حول مصير اللواء استناداً إلى المادة -11- من قانون العصبة، وحلّ الخلاف بطريقة ودية.

في العاشر من كانون الأول 1936 نظر المجلس في الخلاف التركي- الفرنسي على مصير لواء الاسكندرون بعد استقلال سورية. وعرضت تركيا اقتراحها بإنشاء دولة مستقلة فيه شأن دولتي سورية ولبنان، وإنشاء اتحاد فيدرالي بينها. وقد صرح وزير خارجية تركيا في هذه الجلسة بأن ليس لتركيا أي مطمع سياسي في بسط سيادتها على لواء الاسكندرون، وهي لا تقصد من وراء إثارة هذه القضية سوى حماية حقوق أبناء جنسها والمحافظة على حياتهم وحرياتهم.

ردّ رئيس الوفد الفرنسي على طلب تركيا فقال عن مستقبل أتراك اللواء بعد عقد المعاهدة السورية ـ الفرنسية: «إنّ مواد هذه المعاهدة لا تؤثر في وضع لواء الاسكندرون، ولا في حقوق السكان الأتراك لأنّ ذلك مضمون في اتفاقية أنقرة لعام 1921 التي أقرّتها المعاهدة السورية – الفرنسية. كانت الحكومة التركية قد ادّعت في المذكرة التي قدّمتها إلى مجلس عصبة الأمم، أنّ الأتراك في اللواء مضطهدون من قبل السلطة المحلية، وطلبت سحب القوات الفرنسية منه. وقد كذّب مندوب فرنسا هذا الادّعاء، واقترح مقرّر المجلس السيد ساندلر إرسال مراقبين دوليين إلى اللواء لمراقبة الحالة فيه. وقد عارض مندوب تركيا هذا الاقتراح. ولكن المجلس وافق عليه بعد أن استنكف المندوب التركي عن التصويت. يمكن مراجعة نص المحاضرة بعنوان اللواء السليب، حقائق التاريخ والجغرافيا المنشور في موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية.

اللعبة التركية التي لم تتوقف أفضت إلى الاتفاق الذي تمّ بين فرنسا وتركيا على منح الاسكندرون وانطاكية استقلالاً إدارياً في ظلّ حماية فرنسية تركية مشتركة، نشر على أثره سعاده في جريدة «الشرق» بتاريخ 29 كانون الثاني 1937 مقالاً استنكر فيه وضع اللواء تحت الحماية الفرنسية التركية واعتبره التمهيد العملي لتهديد استقلال سورية وخسارة كبيرة لمصالح الأمة السورية. وفي شهر كانون الثاني أيضاً وجه سعادة مذكرة إلى الحكومة الشامية لفت فيها إلى «أنّ إزالة السيادة السورية عن لواء الاسكندرون ووضعه تحت تقلبات السياسة والحزبية الأجنبية يكون خسارة كبيرة للأمة السورية وإجحافاً بحقوقها وخطراً على كيانها وحياتها».

قيام إدارة ذاتية ووصول أغلبية تركية إلى مجلس نواب اللواء بعد عمليات التزوير ومنع السكان الأصليين من المشاركة الفعلية ووضع نظام خاص باللواء، أنتج ما سُمّي بجمهورية هاتاي تحت الوصاية التركية 1937 – ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، إذ أنّ بوادر الحرب العالمية الثانية ومحاولة استمالة تركيا إلى جانب الحلفاء تموز 1939 – وضمان فتح مضائق البوسفور وغيرها أمام قوات الحلفاء جعل الولايات المتحدة وبريطانيا تمارسان ضغوطاً على دولة الانتداب فرنسا للموافقة سراً على ضمّ اللواء، وهذا ما حصل لاحقاً في العام نفسه، رغم عدم اعتراف سورية وعصبة الأمم وأغلب دول العالم، وما زالت قضية اللواء محفوظة وثائقها في مجلس العصبة التي تحوّلت بعد الحرب العالمية الثانية إلى منظمة الأمم المتحدة، وينتظر الملف إثارته من جديد…! هل تأخر قيام جبهة تحرير الاسكندرون…؟ وهل استمرار الصمت يدفع السلطان إلى التفكير بالتوسع بعد أن تفتحت شهيته وأصبح في موقف يسمح له بالمساومة على اقتسام المنطقة مع عودة التحالف الوثيق بينه وبين المستعمر الفرنسي؟ يمكن مراجعة نص اتفاقية جوبيه أردوغان عام 2010 التي نشرنا نصها سابقاً.

عين العرب «كوباني» هل تكون هاتاي الثانية؟

أن تسقط عين العرب بيد تنظيم «داعش» هو هدف تركي قد يتحقق، وتقف الدبابات التركية متفرّجة على تقدّم دبابات التنظيم وهي ضمن مداها المجدي، وقد انضمّت إلى تحالف مشبوه يعلن الحرب على التنظيم…! أربعة طلعات جوية للدولة الفرنسية، يا للسخرية، وفي حين يطالب الأكراد تركيا بوقف الزحف الداعشي يجيب محلل تركي: «إذا كانت تركيا متهمة بالوقوف خلف تنظيم داعش فكيف تحاربه؟» المفارقة هي في طلب الأكراد بالتدخل التركي، ولطالما هناك وزير دفاع في «كوباني» فلماذا لا يطلب المساعدة من الدولة السورية وهي الأحق بالتدخل…؟ لكن محللاً آخر يؤكد «أنّ تركيا منخرطة في العملية وأنّ داعش يتلقى الدعم والرعاية من حكومة أردوغان التي لها أجندتها الخاصة في المنطقة، مضمونها الرفض المطلق للحكم الذاتي للأكراد وتخوّفها من قيام كيان معادٍ على حدودها مع سورية، وتركيا بالأصل تعمل على هدم النظام السوري بكلّ قوة..!. أن تسقط عين العرب بعد تفريغها من سكانها الأكراد لا بدّ أن تكون نتائجه اضطرابات واسعة في الداخل التركي، لكنه ثمن بسيط مقابل النتائج المرجوة، ربما تخطط تركيا لإعادة من تسمّيهم لاجئين سوريين من الموالين لها عملية ترانسفير – ليشكلوا الجدار الطيّب ضمن المنطقة العازلة التي تطالب بها لحمايتهم مع فرض حظر جوي، وتكتمل المؤامرة بموافقة حكومة كردستان العراق على استقبال المهجرين الكرد من الشريط المستهدف… ما الاسم الذي ستطلقه تركيا على المنطقة، وهل تكون البداية إعلان استقلالها ضمن حكم ذاتي على غرار اللواء السليب هاتاي مقدمة لضمّها إلى تركيا كما المقاطعات الخمس السابقة؟

يبدو أنه السيناريو الأقرب إلى تفكير حزب العدالة والتنمية، و»الظروف الموضوعية» دولياً، وانتشار الفوضى الهدامة محلياً مناسبة لتنفيذ هكذا سيناريو، إلا أنّ المشهد لا يكتمل، فالصورة زمن عصبة الأمم كانت موسومة بالهزال تماماً، لم تكن هناك قوة عسكرية محلية بوجود قوات الانتداب الفرنسي، ولم تكن هناك دول قوية تقف إلى جانب الحق السوري، من منطلق مصالحها والصراع على الموقع الاستراتيجي السوري، كذلك التبادل في الأدوار، فرنسا اليوم لا تستطيع لعب دور أميركا وبريطانيا إبان التحضير للحرب العالمية الثانية، وإيران خرجت من العباءة الأميركية وأصبحت قوة مركزية في المنطقة، وهناك مجموعة دول بريكس، وهذه لها مصالحها التي توجب عليها الوقوف إلى جانب سورية.

جدار طيّب في الشمال مع تركيا، وجدار طيّب آخر مع المحتلّ على طول الشريط في الجولان، ماذا بشأن الشريط مع الأردن ولبنان، بوجود «داعش» و»النصرة» محاصرين في مغاور وكهوف السلسلة الجبلية الشرقية؟

أحلام السلطان العثماني لا تناسب الزمن الحاضر، ولا تسمح له بتحقيق أحلامه الخيالية، التاريخ لا يعيد نفسه بالضرورة في نفس السياق، وإذا كان أسلافه نجحوا بابتلاع «هاتاي» فإنّ دولته لم تهضمها حتى اللحظة رغم تهجير غالبية سكانها، وهكذا لن تكون هناك «هاتاي» جديدة، ودون ذلك حرب لا تبقي ولا تذر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى